الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأهل مكة مع عجزهم وضعفهم أولى بأن يحذروا من عذاب الله تعالى ويخافوا.
ثم أكد تعالى ضرورة العظة بأمثال عاد أيضا من الأمم السالفة المكذبة بالرسل، فقال:
{وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى، وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أي وأهلكنا أيضا يا أهل مكة ما حولكم من البلاد، من القرى المكذبة بالرسل، مثل قرى ثمود وقرى قوم لوط ومدين مما جاور بلاد الحجاز، وأهل سبأ باليمن، وكانت في طريقهم يمرون بها في رحلاتهم صيفا وشتاء، وبينا الآيات وأوضحناها، وأظهرنا الحجج ونوّعناها، لكي يرجعوا عن كفرهم، فلم يرجعوا.
ثم أبان الله تعالى مدى الكرب والشدة بفقد الأعوان والنصراء لدفع عذاب الله، فقال:
{فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً، بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ، وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ} أي فهلا نصرتهم آلهتهم التي تقرّبوا بها إلى الله لتشفع لهم، ومنعتهم من الهلاك الواقع بهم، بل غابوا وذهبوا عنهم، ولم يحضروا لنصرتهم وعند الحاجة إليهم، وذلك الضلال والضياع سببه اتخاذهم إياها آلهة، وزعمهم الكاذب أنها تقربهم إلى الله، وتشفع، وافتراؤهم وكذبهم بقولهم: إنها آلهة، وقد خابوا وخسروا في عبادتهم لها، واعتمادهم عليها.
وفي هذا توبيخ لأهل مكة، وتنبيه إلى أن أصنامهم لا تنفعهم شيئا، فلو نفعت لأغنت من كان قبلهم من الأمم الضالة.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
1 -
إن قصص القرآن للعبرة والعظة، ومن أكثر القصص تأثيرا قصة قوم عاد بالأحقاف بحضر موت عند اليمن، لذا أمر الله نبيه أن يذكر لمشركي مكة قصة عاد ليعتبروا بها، وليتذكر في نفسه قصة هود عليه السلام، فيقتدي به، ويهون عليه تكذيب قومه له.
2 -
لقد توالت الإنذارات على عاد من نبيهم هود عليه السلام، ومن الرسل الذين كانوا قبله، وجاؤوا بعده، وتتركز في الدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وفي نبذ الشرك وعبادة الأصنام، فإن الشرك سبب لعذاب عظيم الأهوال.
3 -
قاوم قوم عاد دعوة هود هذه، وقالوا له: أجئتنا لتصرفنا عن عبادة آلهتنا؟ فأتنا بالعذاب الذي توعدنا به إن كنت صادقا في أنك نبي.
4 -
النبي مجرد مبلّغ رسالة ربه، فلا يعلم الغيب، لذا قال هود لهم: إنما العلم بوقت مجيء العذاب عند الله، لا عندي، وما شأني إلا أن أبلغكم ما أرسلت به عن ربكم إليكم، وأراكم قوما تجهلون في سؤالكم استعجال العذاب.
5 -
فوجئ قوم عاد بأمارات العذاب حينما رأوا سحابا معترضا في السماء والأفق، فظنوا أنه سحاب ممطر إياهم، مغيث لهم، ولكنه كان مشتملا على أداة العذاب، ألا وهي الريح المدمرة، فإن الريح التي عذّبوا بها نشأت من ذلك السحاب الذي رأوه، وخرج هود عليه السلام من ديارهم، فكانت الريح تحمل الفسطاط، فترفعها في الجو حتى يرى كأنها جرادة، ثم تضرب بها الصخور.
6 -
إن أعاصير الريح بالسرعة الهائلة دمرت كل شيء مرت عليه من رجال (عاد) وأموالها، بإذن ربها، فلم يبق إلا آثار مساكنهم، ومثل هذه العقوبة يعاقب بها المشركون والكفار في كل زمان ومكان. وما أكثر ما يسمى بالحوادث الطبيعية في هذا العصر من البراكين والزلازل والأعاصير المدمرة.
7 -
إن وسائل التعذيب الربانية يضعف ويصغر أمامها كل الناس سواء أكانوا عتاة طغاة أشداء أم دون ذلك، ولقد أنذر الله بهذا العقاب أهل مكة وخوّفهم، وأبان لهم أنه أهلك من هو أشد منهم قوة، وأكثر أموالا وأولادا، وآثارا حضارية وعمرانية في الأرض.
8 -
لم يعذب الله قوما بعذاب الاستئصال إلا بعد أن طغوا وبغوا واستكبروا في الأرض بغير الحق، وعطلوا طاقات المعرفة والهدى، ووسائل التفكير والنظر والتأمل، وإذ عطلوها لم تنفعهم شيئا من عذاب الله، لأنهم كانوا يجحدون بآيات الله، ويكفرون بها، فأحاط بهم ما كانوا يستهزئون به من العذاب الإلهي الذي أنذروا به.
9 -
ضرب الله مثلين واضحين لكفار مكة في هذه الآيات، المثل الأول- قوم عاد، والمثل الثاني-ما حولهم من أهل القرى، كديار ثمود وقرى لوط وبلاد مدين، مما كان يجاور بلاد الحجاز على طريق الشام، وكانت أخبارهم متواترة معروفة عندهم، وكذا أهل سبأ باليمن، وكانوا يمرون على ديارهم في رحلاتهم بالصيف والشتاء.
10 -
إن عدل الله مطلق، فإنه تعالى لم يهلك أولئك الأقوام إلا بعد أن أقام لهم الحجج والدلالات، وأنواع البينات والعظات ليرجعوا عن كفرهم، فلم يفعلوا، وأصروا على الكفر والعناد.
11 -
لقد بات مؤكدا لمن كان عنده أدنى نظر وتأمل أن الآلهة المزعومة من الأصنام وغيرها لم تنفع عابديها بمنع العذاب عنهم في الدنيا، فكذلك لن تنفعهم بالشفاعة لهم في الآخرة، حيث قالوا:{هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ} [يونس 18/ 10] فإن تلك الآلهة ضلت وغابت عنهم وقت الشدة والمحنة، وهي إفكهم وكذبهم في قولهم: إنها تقربهم إلى الله زلفى، وافتراؤهم بأنها آلهة، أو أن