الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير والبيان:
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ، وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى؟ بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي أو لم يتفكر ويعلم هؤلاء المنكرون للبعث يوم القيامة، المستبعدون لإعادة الحياة في الأجسام مرة أخرى، أن الذي خلق الكون من السموات والأرض في ابتداء الأمر، ولم يعجز عن ذلك ولم يضعف عن خلقهن، بل قال لها: كوني فكانت، بقادر على أن يحيي الموتى من قبورهم مرة أخرى، كما قال تعالى في آية أخرى:{لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النّاسِ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [غافر 57/ 40].
وبما أن الجواب معروف بداهة، أجاب الله تعالى عن ذلك بقوله: بلى أي بل هو قادر على ذلك كله، إنه سبحانه قادر على أي شيء أراد خلقه، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
وبعد إثبات البعث ذكر تعالى بعض أحوال الكفار يوم القيامة، فقال:
{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النّارِ، أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ؟ قالُوا: بَلى وَرَبِّنا} أي واذكر أيها الرسول لقومك يوم يعذب الكافرون بالله في النار، ويقال لهم توبيخا وتأنيبا: أليس هذا العذاب الذي تعذبونه حقا وعدلا وواقعا لا شك فيه؟ فيقولون معترفين حيث لا ينفعهم الاعتراف: بلى والله ربنا إنه لحق، أي إنه لا يسعهم إلا الاعتراف.
{قالَ: فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} أي قال الله على سبيل الإهانة والتوبيخ: ذوقوا عذاب النار بسبب كفركم به في الدنيا وإنكاركم له.
وبعد تقرير التوحيد والنبوة والبعث والجواب عن شبهات المشركين، أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالصبر على تكذيب قومه قائلا:
{فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} أي فاصبر يا محمد على تكذيب قومك كصبر أولي الثبات والجد والعزيمة من الرسل وأنت من جملتهم، وهم أصحاب الشرائع: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد، ولا تستعجل يا محمد العذاب لهم، أي للكفار، فإنه واقع بهم لا محالة. ومفعول الاستعجال محذوف، وهو العذاب.
روى ابن أبي حاتم والديلمي عن مسروق قال: قالت لي عائشة رضي الله عنها: ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما، ثم طواه-أي ظل في يومه لا يأكل ولا يشرب-ثم ظل صائما ثم طواه، ثم ظل صائما، ثم قال:«يا عائشة، إن الدنيا لا تنبغي لمحمد، ولا لآل محمد، يا عائشة، إن الله تعالى لم يرض من أولي العزم من الرسل إلا بالصبر على مكروهها، والصبر عن محبوبها، ثم لم يرض مني إلا أن يكلفني ما كلفهم، فقال: {فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} وإني والله لأصبرن كما صبروا، جهدي، ولا قوة إلا بالله» .
ونظير {لا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} قوله تعالى: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ، وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً} [المزمل 11/ 73] وقوله سبحانه: {فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} [الطارق 17/ 86].
{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ، بَلاغٌ، فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ} ؟ أي كأن الكافرين حين يشاهدون ما أوعدهم الله به من العذاب، لم يمكثوا في الدنيا إلا قدر ساعة من ساعات الأيام، لما يشاهدونه من الأهوال العظام، كما قال تعالى:{كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ؟ قالُوا:}
{لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ} [المؤمنون 112/ 23 - 113] وقال عز وجل:
{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها} [النازعات 46/ 79].
وهذا القرآن الذي وعظهم به الله تعالى والنبي: تبليغ كاف يقطع حجة