الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تتعلق بإيمان جماعة من الفقراء كعمّار وصهيب وابن مسعود، فقالوا: لو كان هذا الدين خيرا ما سبقنا إليه هؤلاء. ثم رد الله تعالى عليهم بأن التوراة دلت على صدق القرآن، وبشرت ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم.
وبعد تقرير دلائل التوحيد والنبوة وذكر شبهات المنكرين والإجابة عنها، ذكر تعالى جزاء المؤمنين العاملين عملا صالحا، طبقا لما جاء به القرآن المجيد.
التفسير والبيان:
{وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا: لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ} أي قال كفار مكة أو اليهود لأجل إيمان بعض الفقراء والمستضعفين، كبلال وعمار وصهيب وخباب ونحوهم رضي الله عنهم: لو كان هذا الدين حقا وكان ما جاء به محمد من القرآن والنبوة خيرا ما سبقونا إلى الإيمان به، ظنا منهم أنهم سبّاقون إلى المكارم، وأن لهم وجاهة عند الله، وله بهم عناية.
وقد غلطوا في ذلك غلطا فاحشا، فإن الله سبحانه يصطفي للنبوة ولدينه من يشاء، والآية كقوله تعالى:{وَكَذلِكَ فَتَنّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا: أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا} [الأنعام 53/ 6] أي يتعجبون كيف اهتدى هؤلاء دوننا.
وقوله تعالى: {لِلَّذِينَ آمَنُوا} معناه كما ذكر الزمخشري: لأجلهم، يعني أن الكفار قالوا لأجل إيمان الذين آمنوا: لو كان خيرا ما سبقونا إليه. ويصح أن يكون المعنى: وقال الذين كفروا للذين آمنوا، على وجه الخطاب، كما تقول: قال زيد لعمرو، ثم تترك الخطاب وتنتقل إلى الغيبة، كقوله تعالى:
{حَتّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يونس 22/ 10].
ثم وصف الله تعالى حال أولئك الكفار بعد ذلك القول وأجاب عنه بقوله:
{وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ، فَسَيَقُولُونَ: هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ} أي وحين لم يهتدوا بالقرآن، ظهر عنادهم، وسيقولون بعدئذ: هذا كذب مأثور عن الناس الأقدمين، كما قالوا:{أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ} بقصد انتقاص القرآن وأهله. وهذا هو الكبر الذي
قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم والترمذي عن ابن مسعود:
«الكبر: بطر الحق، وغمص-أو غمص-الناس» أي احتقارهم. وبطر الحق:
دفعه ورده.
ثم ذكر الله تعالى دليلا على صدق القرآن وصحته، فقال:
{وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً، وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا، وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ} أي ومما يدل على أن القرآن حق وصدق وأنه من عند الله: اعترافكم بإنزال الله التوراة على موسى، الذي هو إمام وقدوة يقتدى به في الدين، وهو رحمة لمن آمن به، وهذا القرآن الموافق للتوراة في أصول الشرائع مصدق لكتاب موسى ولغيره من الكتب الإلهية المتقدمة، أنزله الله حال كونه بلغة عربية واضحة فصيحة يفهمونها، من أجل أن ينذر به هذا النبي من عذاب الله الذين ظلموا أنفسهم وهم مشركو مكة، ويبشر به المؤمنين الذين أحسنوا عملا، فهو مشتمل على النذارة للكافرين، والبشارة للمؤمنين. وهو ليس إفكا قديما كما يزعمون، بدليل توافقه مع التوراة.
وبعد ذكر شبهات المنكرين، ذكر الله تعالى حال المؤمنين وجزاءهم قائلا:
{إِنَّ الَّذِينَ قالُوا: رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا، فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ، وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} أي إن الذين جمعوا بين التوحيد والاستقامة على منهج الشريعة، لا يخافون من وقوع مكروه بهم في المستقبل، ولا يحزنون من فوات محبوب في الماضي، وجزاؤهم ما قال تعالى:
{أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها، جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} أي أولئك المؤمنون الموحدون المستقيمون على أمر الله هم أهل الجنة، ماكثين فيها على