الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكافر ذميا أو مستأمنا وجبت إعانته وحمايته ورفع الظلم عنه، كما تجب إعانة المسلم ونصرته مطلقا إن كان خصمه حربيا.
وجاءت أحاديث كثيرة تؤيد أخوة الدين،
جاء في الصحيح: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه»
وفي الصحيح أيضا: «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه»
وفي الصحيح كذلك: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتواصلهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالحمّى والسهر» «المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشدّ بعضه بعضا، وشبّك بين أصابعه صلى الله عليه وسلم» .
وأخرج أحمد عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن المؤمن من أهل الأديان بمنزلة الرأس من الجسد، يألم المؤمن لأهل الإيمان، كما يألم الجسد لما في الرأس» .
فقه الحياة أو الأحكام:
يستدل بالآيات على ما يأتي:
1 -
يجب على ولاة الأمور وحكام الدول الإسلامية الإصلاح بين فئتين متقاتلتين مسلمتين، بالدعوة إلى كتاب الله لهما أو عليهما، وبالنصح والإرشاد، والجمع والتوفيق بين وجهات النظر.
2 -
فإن تعدّت إحدى الفئتين ولم تستجب إلى حكم الله وكتابه، وتطاولت وأفسدت في الأرض، فيجب قتالها باستعمال الأخف فالأخف حتى الفيئة إلى أمر الله، أي الرجوع إلى كتابه، فإن رجعت وجب حمل الفئتين على الإنصاف والعدل، فإن الله يحب العادلين المحقين، ويجازيهم أحسن الجزاء.
والفئة الباغية في اصطلاح الفقهاء: فرقة خالفت الإمام بتأويل سائغ في
الظاهر، باطل بطلانا مطلقا بحسب الظن لا القطع. أما المرتد فتأويله باطل قطعا، فليس باغيا، وكذا الخوارج في الاعتقاد دون قتال المسلمين وهم صنف من المبتدعة يكفّرون من أتى بمعصية كبيرة، ويسبّون بعض الأئمة، ليسوا بغاة، وكذلك مانع حق الشرع لله أو للعباد ليس باغيا، لأنه لا تأويل له.
ولا بد أن يكون للبغاة شوكة وعدد وعدد يحتاج الإمام في دفعهم إلى كلفة ببذل مال أو إعداد رجال، فإن كانوا أفرادا يسهل ضبطهم فليسوا بأهل بغي.
وأكثر العلماء على أن البغاة ليسوا بفسقة ولا كفرة، لقوله تعالى:{وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} . وقال علي رضي الله عنه: إخواننا بغوا علينا، ولكنهم يخطئون فيما يفعلون، ويذهبون إليه من التأويل، مثل الخوارج الذين خرجوا على عليّ رضي الله عنه، ومثل معاوية وأتباعه كانوا بغاة للحديث المشهور أن عمارا تقتله الفئة الباغية، ومثل مانعي الزكاة في عهد أبي بكر.
3 -
في قوله تعالى: {وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} دليل على أن المؤمن بارتكاب المعصية الكبيرة كالقتل وعقوق الوالدين وأكل الربا وأكل مال اليتيم لا يخرج عن كونه مؤمنا، لأن الباغي جعل من إحدى الطائفتين، وسماهما تعالى مؤمنين.
4 -
إن قتال الفئة الباغية لدفع الصائل. وفصل العلماء الحكم في البغاة فقالوا: إن اقتتلت فئتان على البغي منهما جميعا، أصلح بينهما، فإن لم يصطلحا وأقامتا على البغي، قوتلتا.
وإن كانت إحداهما باغية على الأخرى، فالواجب أن تقاتل فئة البغي إلى أن ترضى بالصلح، فإن تم الصلح بينها وبين المبغي عليها، وجب عقده بالقسط والعدل. فإن أثيرت شبهة أزيلت بالحجة النيّرة والبرهان القاطع الدال على الحق. وفي الآية دلالة على أن اعتقاد مذاهب أهل البغي لا يوجب قتالهم ما لم
يقاتلوا، لأنه تعالى قال:{فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا.} .
(1)
.
5 -
في الآية دليل واضح على وجوب قتال الفئة الباغية المعلوم بغيها على الإمام أو على أحد من المسلمين، وعلى إبطال قول من منع من قتال المؤمنين، محتجا بحديث أخرجه الجماعة (أحمد وأصحاب الكتب الستة) عن ابن مسعود:
«سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر» . ونص الآية صريح في الرد على هذا، 6 - قال ابن العربي: هذه الآية أصل في قتال المسلمين، والعمدة في حرب المتأولين، وعليها عوّل الصحابة، وإياها عنى النبي صلى الله عليه وسلم
بقوله: «تقتل عمّارا الفئة الباغية»
(2)
أي عمار بن ياسر.
7 -
لا خلاف بين الأمة أنه يجوز للإمام تأخير القصاص إذا أدّى ذلك إلى إثارة الفتنة أو تشتيت الكلمة.
8 -
الأمر بقتال البغاة فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، ولذلك تخلّف قوم من الصحابة رضي الله عنهم عن هذا الأمر، كسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمرو، ومحمد بن مسلمة وغيرهم، وصوّب ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه عملهم، واعتذر إليه كل واحد منهم بعذر قبله منه.
9 -
قوله تعالى: {فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ} يدل على أن من العدل في صلحهم ألا يطالبوا بما جرى بينهم من دم ولا مال، فإنه تلف على تأويل، وفي طلبهم تنفير لهم عن الصلح واستمرار في البغي.
10 -
ما يبدأ به البغاة: إذا خرجت على الإمام العدل فئة خارجة باغية
(1)
تفسير القرطبي: 317/ 16، أحكام القرآن للجصاص: 401/ 3
(2)
أحكام القرآن: 1705/ 4
ولا حجة لها، قاتلهم الإمام بالمسلمين كافة أو بمن فيه كفاية، ويدعوهم قبل ذلك إلى الطاعة والدخول في الجماعة، وهو الحق الذي دعا الله إليه قبل القتال، فإن أبوا من الرجوع والصلح قوتلوا. ولا يقتل أسيرهم ولا يتبع مدبرهم، ولا يذفّف
(1)
على جريحهم، ولا تسبى ذراريهم
(2)
ولا أموالهم. وإذا قتل العادل الباغي أو الباغي العادل وهو وليّه لم يتوارثا، ولا يرث قاتل عمدا على حال. وأما الذين لهم تأويل بلا شوكة فيلزمهم ضمان ما أتلفوا من نفس ومال كقطاع الطرق إذا قاتلوا.
11 -
ما استهلكه البغاة: إن ما استهلك أثناء تجمع البغاة والخوارج للقتال والتفرق عند انتهاء الحرب من دم أو مال، لا ضمان فيه بالإجماع.
12 -
أموال البغاة وأسراهم وجرحاهم: اختلف الفقهاء في أموال البغاة التي أخذت منهم أثناء قتالهم، فقال محمد بن الحسن: لا تكون أموالهم غنيمة، وإنما يستعان بسلاحهم وكراعهم (خيولهم) على حربهم، فإذا انتهت الحرب رد المال إليهم.
وروي عن أبي يوسف أن ما وجد في أيدي أهل البغي من كراع وسلاح، فهو فيء يقسم ويخمس، وإذا تابوا لم يؤخذوا بدم ولا مال استهلكوه.
وقال مالك والأوزاعي والشافعي: ما استهلكه الخوارج من دم أو مال، ثم تابوا لم يؤخذوا به، وما كان قائما بعينه ردّ إليهم.
وقال أبو حنيفة: يضمنون.
وأما أسراهم وجرحاهم فلا يقتلون.
(1)
تذفيف الجريح: الإجهاز عليه.
(2)
الذراري: النساء والأطفال.
والقول الأصح: ما فعله الصحابة في حروبهم، لم يتبعوا مدبرا، ولا ذفّفوا على جريح، ولا قتلوا أسيرا، ولا ضمنوا نفسا ولا مالا، وهم القدوة في ذلك،
قال ابن عمر قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا عبد الله أتدري كيف حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة؟ قال: الله ورسوله أعلم، فقال: لا يجهز على جريحها، ولا يقتل أسيرها، ولا يطلب هاربها، ولا يقسم فيئها» وأخرج الحاكم مثل ذلك عن ابن مسعود، وروي مثله عن ابن عباس.
أما ما كان قائما رد بعينه.
13 -
أقضية البغاة وأحكامهم: لو تغلب البغاة على بلد، فأخذوا الصدقات، وأقاموا الحدود، وحكموا فيهم بالأحكام، لم تثنّ عليهم الصدقات ولا الحدود، ولا ينقض من أحكامهم إلا ما كان خلافا للكتاب أو السنة أو الإجماع، كما تنقض أحكام أهل العدل والسنة.
وأما أقضيتهم في الخصومات، فقال أبو يوسف ومحمد: لا ينبغي لقاضي الجماعة أن يجيز كتاب قاضي أهل البغي ولا شهادته ولا حكمه، إلا أن يوافق رأيه، فيستأنف القضاء فيه
(1)
.
14 -
لا يجوز أن ينسب إلى أحد من الصحابة خطأ مقطوع به، إذا كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوا وأرادوا الله عز وجل، وهم كلهم لنا أئمة، وقد أمرنا بالكف عما شجر بينهم، وألا نذكرهم إلا بخير، لحرمة الصحبة ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سبّهم، وأن الله غفر لهم، وأخبر بالرضا عنهم. وقد سئل بعضهم عن الدماء التي أريقت فيما بينهم فقال:{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ، وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ، وَلا تُسْئَلُونَ عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة 134/ 2]. وسئل بعضهم عنها أيضا فقال: «تلك دماء قد طهّر الله منها يدي، فلا أخضّب بها لساني» أي
(1)
أحكام القرآن للجصاص: 403/ 3
تحرزا من الوقوع في خطأ، والحكم على بعضهم بما لا يكون مصيبا فيه. وقال ابن فورك: إن سبيل ما جرى بين الصحابة من المنازعات، كسبيل ما جرى بين إخوة يوسف مع يوسف.
15 -
إنما المؤمنون إخوة في الدين والحرمة، لا في النسب، ذكر القرطبي:
أخوّة الدين أثبت من أخوة النسب، فإن أخوّة النسب تنقطع بمخالفة الدين، وأخوة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب
(1)
.
جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تجسّسوا ولا تحسّسوا ولا تناجشوا
(2)
، وكونوا عباد الله إخوانا».
وقد سبق إيراد أحاديث كثيرة في تآخي المسلمين، فالمسلمون إخوة، وكأن الإسلام أب لهم، ينتمون إليه كما ينتمي الإخوة إلى أبيهم:
أبي الإسلام لا أب لي سواه
…
إذا افتخروا بقيس أو تميم
16 -
في آية {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} والتي قبلها دليل كما تقدم على أن البغي لا يزيل اسم الإيمان، لأن الله تعالى سماهم إخوة مؤمنين، مع كونهم باغين، قال الحارث الأعور: سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه -وهو القدوة-عن قتال أهل البغي من أهل الجمل وصفّين: أمشركون هم؟ قال: لا، من الشرك فرّوا، فقيل: أمنافقون؟ قال: لا، لأن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا، قيل له: فما حالهم؟ قال: إخواننا بغوا علينا.
وفي هذه الآية دليل على جواز إطلاق لفظ الإخوة بين المؤمنين من جهة
(1)
تفسير القرطبي: 322/ 16
(2)
التحسس: الاستماع لحديث القوم، والتجسس: تتبع العورات والمعايب، والتناجش: أن تزيد في ثمن سلعة ولا رغبة لك في شرائها.