الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجاء في السيرة: أن عمر بن الخطاب قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ألست نبي الله حقا؟ قال: بلى، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذن؟ قال: إني رسول الله، ولست أعصيه وهو ناصري، قلت: أولست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: فأتيت أبا بكر، فقلت: يا أبا بكر: أليس هذا نبي الله حقا؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق، وعدونا على الباطل؟ قال:
بلى. قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا؟.
قال: أيها الرجل، إنه رسول الله، وليس يعصي ربه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه
(1)
، فو الله إنه لعلى الحق، قلت: أليس كان يحدثنا أنه سيأتي البيت ويطوف به؟ قال: بلى، قال: فأخبرك أنه آتيه العام؟ قلت: لا، قال: فإنك تأتيه وتطوف به
(2)
.
التفسير والبيان:
{لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ، لا تَخافُونَ، فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا، فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً} أي تالله لقد صدّق الله تعالى تأويل رؤياه التي رآها تصديقا مقترنا بالحق، أنكم ستدخلون المسجد الحرام بمشيئة الله في العام القابل، وليس في هذا العام عام الحديبية، حالة كونكم آمنين من العدو، ومحلقا بعضكم جميع شعره، ومقصرا بعضكم الآخر، وأنكم غير خائفين.
وهذا تأكيد للأمن، فإنه تعالى أثبت لهم الأمن حال الدخول، ونفى عنهم الخوف حال استقرارهم في البلد، لا يخافون من أحد. وكان ذلك في عمرة القضاء في ذي القعدة سنة سبع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية في ذي القعدة إلى
(1)
أي سر على نهجه.
(2)
انظر تفسير ابن كثير: 194/ 4 - 200
المدينة، أقام بها ذا الحجة والمحرم، وخرج في صفر إلى خيبر، ففتحها الله عليه بعضها عنوة، وبعضها صلحا.
فلما كان في ذي القعدة من سنة سبع خرج صلى الله عليه وسلم معتمرا هو وأهل الحديبية، فأحرم من ذي الحليفة، وساق معه الهدي، قيل: كان ستين بدنة، فلبّى، وسار أصحابه يلبّون. ثم دخل مكة بالسيوف مغمدة في قربها، كما شارط أهل مكة في صلح الحديبية.
ثم رتب الله تعالى على التصديق وسوء ظن القوم قوله: {فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا}
(1)
من الحكمة والمصلحة في تأخير الفتح إلى العام القابل، فجعل من دون ذلك الفتح فتحا آخر قريب الحصول، وهو فتح خيبر.
وقوله: {إِنْ شاءَ اللهُ} لتعليم العباد وإرشادهم إلى تعليق كل أمر بمشيئة الله.
ثم أكّد تعالى صدق الرؤيا بتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم في كل شيء بقوله:
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ، لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً} أي إن الله عز وجل هو الذي أرسل رسوله محمدا بالعلم النافع والعمل الصالح، وبما يرشد إلى طريق الهداية الصحيح، ودين الإسلام، ليعليه على كل الأديان، بنسخ سائر الديانات السابقة، وإظهار فساد العقائد الزائفة، وكفى بالله شهيدا على هذا الوعد من إظهار دينه على جميع الأديان، وعلى أن محمدا صلى الله عليه وسلم رسوله، وهو ناصره. وفي هذا رد على سهيل بن عمرو الذي أبي أن يكتب في مقدمة صلح الحديبية:«محمد رسول الله» وتسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم،
(1)
الفاء لعطف فَعَلِمَ على صَدَقَ وبما أن العلم متقدم على الرؤيا، فإن المراد بالتعقيب والترتيب علم الوقوع والشهادة لا علم الغيب.