الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم أكد الله تعالى نفي العلم بعبادة الناس لها بقوله:
{وَإِذا حُشِرَ النّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً، وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ} أي وإذا جمع الناس العابدون للأصنام في موقف الحساب، كانت الأصنام لهم أعداء، تتبرأ منهم وتلعنهم، وكانوا جاحدين مكذبين منكرين لعبادتهم، فيخلق الله الحياة في الأصنام فتكذبهم، وتتبرأ الملائكة والمسيح وعزير والشياطين ممن عبدوهم يوم القيامة.
ونظير الآية قوله سبحانه: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا، كَلاّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ، وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} [مريم 81/ 19 - 82] أي سيكذبونهم ويعادونهم في وقت أحوج ما يكونون إليهم. وقال تعالى حكاية عن إبراهيم الخليل عليه السلام: {وَقالَ: إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً، مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ، وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، وَمَأْواكُمُ النّارُ، وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ} [العنكبوت 25/ 29].
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات البينات إلى ما يأتي:
1 -
تأكيد مطلع سورة الجاثية: وهو كون مصدر القرآن من الله العزيز الحكيم، لا من عند محمد صلى الله عليه وسلم ولا غيره من العرب أو العجم.
2 -
دلت آية: {ما خَلَقْنَا السَّماواتِ.} . على أمور ثلاثة: هي إثبات الإله بخلق هذا العالم، وإثبات أن إله العالم عادل رحيم، لقوله تعالى:{إِلاّ بِالْحَقِّ} أي إلا لأجل الفضل والرحمة والإحسان، وإثبات البعث والقيامة، إذ لو لم توجد القيامة لتعطل استيفاء حقوق المظلومين من الظالمين، ولتعطل إيفاء الثواب للمطيعين، وإقامة العقاب على الكافرين، وذلك ينافي كون خلق السموات والأرض وما بينهما بالحق.
3 -
دل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ} على أن الكفار معرضون عن هذه الدلائل، غير ملتفتين إليها، وهذا كما ذكر الرازي يدل على وجوب النظر والاستدلال، أي لتكوين العقيدة وتصحيحها، وعلى أن الإعراض عن الدليل مذموم في الدين والدنيا.
4 -
بعد إثبات أصول العقيدة الثلاثة المتقدمة، فرّع الله تعالى عنها التفاريع، فرد على عبدة الأصنام بأنها عديمة القدرة على خلق الأشياء، وغير عالمة أصلا بعبادة الوثنيين لها، وكل من الأمرين ينفي صلاحيتها للعبادة، فهي لا قدرة لها أصلا على الخلق والفعل، والإيجاد والإعدام، والنفع والضر، وهي جمادات لا تسمع دعاء الداعين، ولا تعلم حاجات المحتاجين، وإذا انتفى العلم والقدرة من كل الوجوه، لم يبق مسوغ للعبادة ببديهة العقل، فهي لا تضر ولا تنفع.
ثم وبخ الله تعالى عبدة الأصنام، وأبان لهم أنه لا أحد أضل وأجهل ممن يعبد الأوثان، وهي إذا دعيت لا تسمع، ولا يتصوّر منها الإجابة لا في الحال، ولا بعد ذلك إلى يوم القيامة.
5 -
أرشد قوله تعالى: {أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} إلى جواز الاعتماد على الخط المكتوب، وكان الإمام مالك رحمه الله يحكم بالخط إذا عرف الشاهد خطه، أو عرف الحاكم خطه أو خط من كتب إليه، فيحكم به، ثم رجع عن ذلك حين ظهر في الناس ما ظهر من الحيل والتزوير، وقد روي عنه أنه قال:«يحدث الناس فجورا، فتحدث لهم أقضية» .
ولكن أجاز مالك الأخذ بشهادة الشهود على أن هذا خط الحاكم وكتابه، وكذلك الوصية، أو خط الرجل باعترافه بمال لغيره يشهدون أنه خطه، ونحو ذلك.
6 -
قال ابن العربي: إن الله تعالى لم يبق من الأسباب الدالة على الغيب