الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أضواء من السيرة على سبب نزول السورة (صلح الحديبية وبيعة
الرضوان):
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى في المنام وهو في المدينة المنورة أنه دخل مكة، وطاف بالبيت، فأخبر أصحابه بذلك، ففرحوا فرحا عظيما.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة في ذي القعدة من السنة السادسة من الهجرة معتمرا (زائرا البيت الحرام) لا يريد حربا، ومعه ألف وخمس مائة (1500) من المهاجرين والأنصار ومسلمي الأعراب، وساق معه الهدي
(1)
، وأحرم بالعمرة من «ذي الحليفة» وخرج معه من نسائه أم سلمة رضي الله عنها.
ولم يكن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه غير سلاح المسافر: السيوف في القرب، فبعث عينا له من خزاعة، يخبره عن قريش، فلما أصبح قريبا من «عسفان» -موضع بين مكة والمدينة-على مرحلتين من مكة، أتاه عينه بشر بن سفيان الكعبي قائلا: يا رسول الله، هذه قريش علمت بمسيرك، فخرجوا ومعهم العوذ المطافيل (النوق ذات اللبن والأولاد) أي عازمين قاصدين طول الإقامة، وقد نزلوا بذي طوى، يحلفون بالله، لا تدخلها عليهم أبدا، وقد جمعوا لك الأحابيش (جماعة من الناس ليسوا من قبيلة واحدة) وجمعوا لك جموعا، وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت.
فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ عثمان بن عفان إلى قريش يبلّغهم قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يريد إلا العمرة، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عثمان قد قتل، فدعا المسلمين إلى البيعة، واجتمعوا تحت الشجرة-شجرة الرضوان، فبايعوه على القتال وألا يفروا، وتسمى بيعة الشجرة أو بيعة الرضوان، قال سلمة بن الأكوع رضي
(1)
يسن للقادم إلى مكة أن يهدي إلى الحرم شيئا من الأنعام (الإبل والبقر والغنم) ويسمى ذلك هديا.
الله عنه: «بايعناه وبايعه الناس على عدم الفرار، وأنه إما الفتح وإما الشهادة» . فأرعب ذلك المشركين وأرسلوا داعين إلى الصلح والموادعة، وكان قد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي بلغه من أمر عثمان كذب.
وقد أنزل الله في هذه البيعة قوله سبحانه: {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ.} . [الفتح 18/ 48]. وكان هذا الصلح هو الفتح، وبعد رجوعه إلى المدينة فتح الله عليه خيبر، فقسمها على أهل الحديبية لم يشركهم أحد غيرهم، وكانوا ألفا وخمس مائة، منهم ثلاث مائة فارس. وهذا قول سعيد بن المسيب، والمشهور أنهم كانوا أربع عشرة مائة.
ولما علمت قريش بهذا أرسلت سهيل بن عمرو لعقد الصلح، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا قال: أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل، وقال: اكتب بيننا وبينكم كتابا. فدعا الكاتب علي بن أبي طالب، وبدأ الاتفاق على بنود المعاهدة، بعد أن رفض سهيل كتابة «بسم الله الرحمن الرحيم» ، وكتب «باسمك اللهم» ورفض أيضا وصف محمد بالرسالة، فكتب:«محمد بن عبد الله» .
وتم الصلح على أن يكف الفريقان عن الحرب عشر سنين يأمن فيهن الناس، دون قتال ولا اعتداء، على أنه من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه، رده عليهم، ومن جاء قريشا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يردوه عليه، وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد صلى الله عليه وسلم وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه.
فسارعت خزاعة، فدخلت في عقد محمد صلى الله عليه وسلم وحالفته، وتواثبت بنو بكر، فدخلوا في عهد قريش وعقدهم.
وعلى المسلمين الرجوع عن مكة هذا العام، وإذا كان العام القادم خرجت
قريش من مكة، ودخلها المسلمون ثلاثة أيام، معهم سلاح الراكب، السيوف في القرب.
وقد اعترض بعض كبار المسلمين مثل عمر بن الخطاب على الصلح، لعدم تكافؤ شروطه، وإجحافه بالمسلمين، ولكنه كان في الحقيقة نصرا كبيرا، لأن قريشا اعترفوا بمكانة المسلمين، وتمت الهدنة التي استراح فيها المسلمون عن الحروب والمعارك التي شغلتهم وأضعفتهم، وتمكن المسلمون من القيام بدعوة الإسلام في ظل الأمن والسلام، ودخل في الإسلام كثير من العرب.
فكان ذلك فتحا مبينا، أو تمهيدا لفتح مكة، قال الزهري:«فما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم منه..» فقد كان عدد المسلمين وقت الصلح ألفا وخمس مائة أو أربع مائة، ثم صاروا عام فتح مكة بعد الصلح بسنتين عشرة آلاف، منهم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص. وقال ابن مسعود وجابر والبراء رضي الله عنهم: إنكم تعدون الفتح فتح مكة، ونحن نعد الفتح صلح الحديبية.
وبعد أن نحر النبي صلى الله عليه وسلم هديه حيث أحصر ورجع، وبعد انصرافه نزل عليه ليلا وهو في الطريق بين مكة والمدينة هذه السورة.
روى أحمد وأبو داود والنسائي وابن جرير عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: لما أقبلنا من الحديبية عرّسنا
(1)
فنمنا، فلم نستيقظ إلا والشمس قد طلعت، فاستيقظنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم نائم، فقلنا: أيقظوه، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقال: «افعلوا ما كنتم تفعلون، وكذلك يفعل من نام أو نسي» أي قضاء الصلاة، قال: وفقدنا ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطلبناها، فوجدناها قد تعلق خطامها بشجرة، فأتيته بها، فركبها، فبينا نحن نسير، إذ أتاه الوحي، قال: وكان إذا أتاه الوحي اشتد عليه، فلما سرّي عنه أخبرنا أنه أنزل عليه:
(1)
التعريس: نزول القوم من آخر الليل للنوم والاستراحة ثم الارتحال.