الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفائدة إعادة هذا الدليل بعد المذكور في الآية السابقة: هو أن قوله:
{فَأَنْبَتْنا بِهِ} استدلال بالنبات نفسه، أي الأشجار تنمو وتزيد، فكذلك بدن الإنسان بعد الموت ينمو ويزيد، بأن يرجع إليه قوة النشوء والنماء كما يعيدها إلى الأشجار بواسطة ماء السماء.
{رِزْقاً لِلْعِبادِ، وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً، كَذلِكَ الْخُرُوجُ} أي أنبتنا كل ما ذكر للرزق، أي إن إنبات النباتات والأشجار والنخيل، ليكون أرزاقا وأقواتا للعباد. وأحيينا بالماء بلدة مجدبة، لا ثمار فيها ولا زرع، وإن الخروج من القبور عند البعث كمثل هذا الإحياء الذي أحياء الله به الأرض الميتة، فكما أن هذا مقدور لله، فذلك أيضا مقدور له. وهذا تشبيه قريب الإدراك، ومن واقع الحياة الملحوظة المجاورة للإنسان، وهو أيضا تفخيم لشأن الإنبات، وتهوين لأمر البعث في مقدور القدرة الإلهية.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلّت الآيات على ما يأتي:
1 -
القرآن كثير الخير والمنفعة عظيم المجد والقدر والرفعة، وقد أقسم الله به للدلالة على ما فيه من الخيرات.
2 -
لقد تعجب الكفار من قريش من أمرين: إرسال رسول بشر يخوفهم من عذاب الله من جنسهم وهو محمد صلى الله عليه وسلم، وإمكان حدوث البعث والمعاد والرجوع إلى الحياة بعد الموت مرة أخرى.
3 -
إن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وعالم بكل شيء، فهو سبحانه قادر على إحياء الموتى، عالم بما تؤول إليه الأجساد من ذرأت متفتتة وعظام بالية، ولا يشتبه عليه جزء أحد على الآخر، وقادر على جمعها وتأليفها
وإحيائها مرة أخرى، كما خلق الناس جميعا في مبدأ الأمر من التراب:{مِنْها خَلَقْناكُمْ، وَفِيها نُعِيدُكُمْ، وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى} [طه 55/ 20].
4 -
إن سبب تكذيب الكفار بالبعث وبالمعاد وعنادهم: هو تكذيبهم بالحق الثابت الذي لا شكّ فيه، وهو القرآن الكريم المنزل من عند الله، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والنبوة الثابتة بالمعجزات، فصاروا في أمر دينهم في قلق واضطراب.
5 -
الأدلة على قدرة الله تعالى العظيمة لإثبات البعث وإمكانه كثيرة، منها خلق الكون المشتمل على السموات المبنية بغير أعمدة، المزينة بالكواكب المنيرة، الخالية من الشقوق والصدوع، والمتضمن الأرض البديعة الجميلة التي بسطها الله لتصلح للعيش الهنيء المريح، وثبتها بالجبال الراسخات الشامخات، وأنبت فيها النباتات والأشجار ذات الألوان المختلفة والأشكال العجيبة والروائح العطرة والثمار الطيبة اليانعة.
فعل الله ذلك تبصيرا وتنبيها للعباد على قدرته، وتذكيرا لكل عبد راجع إلى الله تعالى، مفكّر في قدرته.
6 -
ومن أدلة القدرة الفائقة لله تعالى إنزال المطر الكثير البركة والنفع من السحاب، الذي أنبت به البساتين، والحبوب المحصودة زروعها، المقتاتة على مدار العام، والنخيل الطوال الشاهقات ذات الطلع (وهو أول ما يخرج من ثمر النخل).
7 -
وكما أحيا الله هذه الأرض الميتة، فكذلك يخرج الناس أحياء بعد موتهم. وهذا دليل الإبقاء للأشياء المخلوقة بعد ذكر دليل الإحياء، فأبان تعالى أولا أنه يحيي الموتى، ثم بيّن أنه يبقيهم.