الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبب النزول:
نزول الآية (11):
{ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى} :
قال قتادة: نزلت يوم أحد والنّبي صلى الله عليه وسلم في الشّعب، إذ صاح المشركون: يوم بيوم، لنا العزّى ولا عزّى لكم، فقال النّبي صلى الله عليه وسلم:«قولوا: الله مولانا، ولا مولى لكم» وقد تقدّم ذلك.
نزول الآية (13):
أخرج أبو يعلى وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال:
لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم تلقاء الغار، نظر إلى مكة، فقال: أنت أحبّ بلاد الله إليّ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك، لم أخرج منك، فأنزل الله:{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ} الآية. وذكره الثعلبي أيضا عن قتادة وابن عباس، وهو حديث صحيح.
المناسبة:
بعد أن أبان الله تعالى مصير الكافرين والمؤمنين، ونعى على الأولين، وأثنى على الآخرين تنبيها على وجوب الإيمان، حضّ على النظر في آثار الأمم المتقدّمة، والتأمل في أحوال المؤمنين والكافرين، للعبرة والعظة، وإدراك أن الله ناصر المؤمنين وخاذل الكافرين، ومنعم على أهل الإيمان والصلاح بالجنة، بسبب تبيّنهم الحق، ومعاقب الكفار بالنار، بسبب اتباعهم أهواءهم في عبادة الأوثان.
التفسير والبيان:
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ، فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها؟} أي أفلم يمش هؤلاء المشركون بالله تعالى
المكذبون لرسوله صلى الله عليه وسلم في الأرض أرض عاد وثمود وقوم لوط وغيرهم ليعتبروا، فيروا كيف كان مصير الأمم السالفة، وما آل إليه أمر الكافرين من قبلهم، فإن آثار العذاب في ديارهم بسبب تكذيبهم وكفرهم باقية، لقد هدّم الله عليهم ديارهم، وأهلكهم واستأصلهم، فلم يبق من الأهل والولد والمال شيئا يذكر، ونجّى الله تعالى المؤمنين من بين أظهرهم.
ولهؤلاء الكافرين المكذبين ولجميع الأمم الكافرة أمثال عاقبة من قبلهم من الكفرة. وقد عوقب كفار قريش في الدنيا بالهزيمة المنكرة في بدر وفتح مكة، ولهم عقاب أشدّ في نار جهنم في الآخرة.
وسبب العقاب ما قال تعالى:
{ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ} أي ذلك التدمير والاستئصال للكافرين، ونجاة المؤمنين بسبب أن الله ناصر عباده الذين آمنوا بالله تعالى وأطاعوا رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن الكافرين الجاحدين بالله تعالى والمكذبين رسوله صلى الله عليه وسلم لا ناصر لهم يدفع عنهم العذاب، فوقعت العقوبة بهم.
ولما بيّن الله تعالى حال المؤمنين والكافرين في الدنيا، بيّن حالهم في الآخرة، فقال:
1 -
{إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ} أي إن الله ينعم يوم القيامة على عباده الذين آمنوا بالله وصدقوا به وعملوا صالح الأعمال، فقاموا بالفرائض واجتنبوا المعاصي، بدخول الجنات (البساتين) التي تجري الأنهار من تحت قصورها، تكريما لهم.
2 -
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ، وَالنّارُ مَثْوىً لَهُمْ} أي والذين جحدوا بوجود الله وتوحيده وكذبوا رسوله ينتفعون بمتاع الدنيا، ويأكلون منها كأكل الأنعام (الإبل والبقر والغنم) لا همّ لهم إلا بطونهم
وفروجهم، ساهون عن العاقبة، لاهون بما هم فيه، ولهذا
ثبت في الحديث الصحيح عند أحمد والشيخين والترمذي وابن ماجه عن ابن عمر: «المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء» .
ونار جهنم يوم جزائهم مسكن ومنزل لهم يستقرون فيه.
والخلاصة: أن الله يدخل المؤمن الجنة، والكافر النار في عالم الآخرة.
ثم هدّد الله تعالى مشركي مكة وأوعدهم بقوله:
{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ، أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ} أي وكثير من أهل المدن والأمم السالفة ذات القوة والنفوذ كانوا أشدّ بأسا وقوة من أهل مكة الذين أخرجوك منها، فأهلكناهم، ولم يجدوا لهم ناصرا ولا معينا يدفع عنهم العذاب، فبالأولى من هو أضعف منهم، وهم قريش.
وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لأهل مكة في تكذيبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سيّد وخاتم الأنبياء. فإذا أهلك الله عز وجل عتاة الأمم الذين كذبوا الرّسل، فسيفعل الأمر نفسه بأمثالهم، وإن امتنع إيقاع عذاب الاستئصال في الدنيا بسبب الرسول صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة، فإن العذاب لهم كائن لا محالة في الآخرة.
ثم أبان الله تعالى سبب التفرقة في جزاء الفريقين، فقال على طريق الإنكار:
{أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ} أي أفمن كان على بصيرة ويقين من أمر دينه وبما جبل عليه من الفطرة السليمة بتوحيد الله، كمن زيّن له سوء عمله فرآه حسنا، وهو عبادة الأوثان، والإشراك بالله، واقتراف المعاصي، واتبعوا أهواءهم في عبادتها، وانهمكوا في أنواع الضلالات، بلا شبهة توجب الشّك، فضلا عن حجة صحيحة. والمعنى لا يستوي الفريقان.