الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المؤمنين، أعقبه ببيان خصائصهما، فذكر وظائف الرسول صلى الله عليه وسلم الثلاث (وفي الأحزاب: الخمس) ومدحه وأبان فائدة بعثته ليرتب عليه ذكر البيعة، فذكر بيعة الرضوان بين النّبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وأشاد بإخلاص المبايعين ونصرة دين الله تعالى، وأوضح جزاء ناقض العهد، ومن أوفى بالعهد.
التفسير والبيان:
{إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً} أي إننا أرسلناك يا محمد رسولا شاهدا تشهد على الخلق وعلى أمتك تبليغ الرسالة، ومبشّرا بالجنة المؤمنين المطيعين، ومنذرا مخوّفا بالنار الكافرين العصاة.
{لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ، وَتُعَزِّرُوهُ، وَتُوَقِّرُوهُ، وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} أي إنا أرسلناك لتؤمنوا بالله ورسوله-والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأمته- وتقووا وتؤيدوا الله بنصرة دينه ورسوله، وتعظّموه، وتنزّهوا الله عما لا يليق به من الشرك والولد والصاحبة والتّشبيه بالمخلوقات، على الدوام، أو في الغداة والعشي، أي أول النهار وآخره، والمراد صلاة الفجر وصلاة الظهر والعصر، كما قال ابن عباس. والمراد بتعزير الله: تعزير دينه ورسوله صلى الله عليه وسلم.
قال الزمخشري: والضمائر-في الأفعال الثلاثة غير الأول-لله عز وجل، ومن فرّق الضمائر فقد أبعد.
وبعد بيان أنه مرسل، قال الله عز وجل تشريفا وتعظيما وتكريما ليبيّن أن من بايعه فقد بايع الله تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ، يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} أي إن الذين يبايعونك أيها النّبي بيعة الرضوان بالحديبية تحت الشجرة على قتال قريش، إنما يبايعون الله، أي يطيعونه ويعاهدونه على امتثال أوامره، لأنهم
باعوا أنفسهم من الله بالجنة، ولأن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم هي طاعة الله تعالى في الحقيقة.
ثم أكّد هذا المعنى بقوله: {يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} أي أن عقد الميثاق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كعقده مع الله سبحانه على السواء، وأن الله هو حاضر معهم يسمع أقوالهم ويرى مكانهم ويعلم ضمائرهم وظواهرهم، وهو تعالى المبايع بواسطة رسوله صلى الله عليه وسلم، كقوله تعالى:{إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ، يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ، وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ، وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ، فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ، وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة 111/ 9]. وأن نعمة الله عليهم بالهداية فوق إجابة البيعة، كما قال تعالى:{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا، قُلْ: لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ، بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ} [الحجرات 17/ 49]. والخلاصة:
أن قوله: {يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} استئناف مؤكد للكلام السابق من أن مبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم مبايعة لله تعالى.
{فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ، وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ، فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} أي يتفرّع عن البيعة مع الله أنه من نقض العهد مع النّبي صلى الله عليه وسلم، فإنما وبال ذلك وضرره على الناقض نفسه، لا يجاوزه إلى غيره.
ومن وفّى بالعهد وثبت عليه، ونفّذ ما عاهد عليه الرّسول صلى الله عليه وسلم في البيعة، فسيؤتيه الله ثوابا جزيلا، ويدخله الجنة، كما قال تعالى:{لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ، فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ، وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} [الفتح 18/ 48].
وهذه البيعة كما تقدّم هي بيعة الرّضوان التي كانت تحت شجرة سمرة بالحديبية، وكان الصحابة رضي الله عنهم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ على الأصح ألفا وأربع مائة، وقيل: ثلاث مائة أو خمس مائة.