الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طريقتهم، الموصوفون بالصفات المتقدمة التائبون إلى الله المنيبون إليه، هم الذين يكرمهم الله، فيتقبل عنهم ما قدموا من صالح العمل، وأعمال الخير في الدنيا المنسجمة مع أوامر الله، ويعفو عنهم ويغفر لهم سيئاتهم وذنوبهم، فلا يعاقبهم عليها، إذ هي تتلاشى بجانب الحسنات:{إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ} [هود 114/ 11].
وهم في جملة أصحاب الجنة، وهذا حكمهم عند الله عز وجل، كما وعد الله من تاب إليه وأناب، فهو وعد منجّز لا خلف فيه ولا شك في حصوله، وهو الوعد الذي وعدهم الله به في كتبه وعلى لسان أنبيائه، والله منجز ما وعد.
وقوله: {أُولئِكَ} إشارة إلى الإنسان المذكور في قوله تعالى:
{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ} وجمعه باعتبار أفراد الإنسان الذين تحقق فيهم ما ذكر من الأوصاف من معرفة حقوق الوالدين، والرجوع إلى الله بسؤال التوفيق للشكر، وهو إيذان بأن هذه الأوصاف هي صفات الإنسانية الكاملة.
وقوله: {أَحْسَنَ ما عَمِلُوا} أي حسن ما عملوا، فيشمل الحسن والأحسن.
وقوله: {وَعْدَ الصِّدْقِ} مصدر مؤكد لما قبله، أي وعد الله أهل الإيمان أن يتقبل من محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم وعد الصدق.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
إن الإحسان إلى الوالدين فرض في الإسلام، لقوله تعالى:
{وَوَصَّيْنَا} والتوصية: الأمر، والأمر يقتضي الوجوب.
2 -
إن سبب وجوب الإحسان إلى الأبوين واضح وهو كونهما كانا سببا لوجود الأولاد، وتربيتهم وتنشئتهم، وعلى التخصيص الأم التي تعاني من أجل الولد معاناة شديدة ربما تضحي بحياتها له، فقد حملته بكره ومشقة، ووضعته بكره ومشقة، وسهرت على راحته الليالي الطوال، وعانت في حضانته ورضاعته عناء لا يقدر.
3 -
إن حق الأم كما تقدم بدلالة الآية أعظم من حق الأب، لأنه تعالى قال أولا:{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً} فذكرهما معا، ثم خص الأم بالذّكر، فقال:{حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً} وذلك يدل على أن حقها أعظم، وأن تحملها المشاق بسبب الولد أكثر.
4 -
دلت الآية أيضا كما تقدم على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، لأنه لما كان مجموع مدة الحمل والرضاع ثلاثين شهرا، وكان أقصى مدة الرضاع حولين كاملين، بقي أقل مدة الحمل ستة أشهر، بعد إسقاط مدة حولي الرضاع، وهي أربع وعشرون شهرا من الثلاثين. روي عن عمر أن امرأة رفعت إليه، وكانت قد ولدت لستة أشهر، فأمر برجمها، فقال علي: لا رجم عليها، وكذلك روي عن عثمان أنه همّ بذلك، فأبان له علي أو ابن عباس ما دلت عليه الآيات كما تقدم، فرجع عثمان عن قوله ولم يحدّها.
وروي أن الآية نزلت في أبي بكر الصديق، وكان حمله وفصاله في ثلاثين شهرا، حملته أمه تسعة أشهر، وأرضعته إحدى وعشرين شهرا.
5 -
ودلت الآية أيضا على أن أكثر مدة الرضاع سنتان، لأنه إذا دلت على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، فإنها تدل في الباقي من الثلاثين شهرا على أن أكثر مدة الرضاع حولان كاملان، وتأيّد هذا بآية:{وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ} [البقرة 233/ 2].
6 -
إن بلوغ الأشد يكون قبل الأربعين سنة، والآية تدل على أن الإنسان كالمحتاج إلى رعاية الوالدين له إلى مدة قريبة من مدة الأربعين سنة.
7 -
على الإنسان أن يشكر نعمة الله عليه إذا بلغ أربعين سنة، وهي مرحلة كمال العقل والبنية، وأن يطلب من الله تعالى توفيقه للعمل الصالح الذي يرضيه، وأن يجعل الصلاح ساريا في ذريته، راسخا متمكنا فيهم.
قال علي رضي الله عنه: هذه الآية: {رَبِّ أَوْزِعْنِي} نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه! أسلم أبواه جميعا، ولم يجتمع لأحد من المهاجرين أبواه غيره، فأوصاه الله بهما، ولزم ذلك من بعده.
ووالده: هو أبو قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم.
وأمه: أم الخير، واسمها سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد. وأم أبيه أبي قحافة:«قيلة» . وامرأة أبي بكر الصديق اسمها «قتيلة» بنت عبد العزّى.
وقال ابن عباس عن قوله تعالى: {وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ، وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي} : أجاب الله دعاء أبي بكر، فأعتق تسعة من المؤمنين يعذّبون في الله، منهم بلال وعامر بن فهيرة، ولم يدع شيئا من الخير إلا أعانه الله عليه. ولم يبق له ولد ولا والد ولا والدة إلا آمنوا بالله وحده، ولم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم هو وأبواه وأولاده وبناته كلهم إلا أبو بكر. وهذا دليل على استجابة دعاء أبي أبكر.
ومن فضائل أبي بكر: ما ذكر
في الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصبح منكم اليوم صائما؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكينا؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمن عاد منكم اليوم مريضا؟ قال أبو بكر:
أنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة».
8 -
دلت آية: {أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ.} . على أن الآية التي قبلها:
{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ.} . مرسلة، نزلت على العموم، وهو قول الحسن كما تقدم، فتشمل أبا بكر وغيره.
9 -
وهذه الآية أيضا تدل على أن المتصف بالصفات التي قبلها هو أفضل الناس، لأن الذي يتقبل الله عنه أحسن أعماله، ويتجاوز عن كل سيئاته، يجب أن يكون من أفاضل الخلق وأكابرهم.
وأجمعت الأمة على أن أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، لدلالة الآية عليه، وأنه هو أولا المراد منها، وتنطبق على أمثاله من بعده.
10 -
وصف الله تعالى هذا الداعي أنه طلب من الله تعالى ثلاثة أشياء: هي أن يوفقه الله للشكر على نعمته، وأن يوفقه للإتيان بالطاعة المرضية عند الله، وأن يصلح له في ذريته، وبذلك جمع جوانب السعادة النفسية والبدنية والخارجية. ويلاحظ منها أنه تعالى قدم الشكر على العمل، وأن طلب إلهام الشكر على نعم الله دليل على أنه لا يتم شيء من الطاعات والأعمال إلا بإعانة الله تعالى، وأنه لا يكفي كون الشيء صالحا في ظنه، يل يكون صالحا عنده وعند الله تعالى.
11 -
دل آخر الآية: {إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} على أن الدعاء لا يصح إلا مع التوبة والإسلام والانقياد لأمر الله تعالى.