الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير والبيان:
{حم، تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} أي إنه تعالى كما بدأ سورة الجاثية هو الذي أنزل القرآن على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وليس من عند محمد صلى الله عليه وسلم كما يزعم المشركون، وهو مع هذا التنزيل موصوف بالعزة التي لا يفوقها شيء، فهو القوي القاهر الذي لا يغلب، وهو الحكيم في تدبيره وصنعه وأقواله وأفعاله، يضع كل أمر في موضعه. وإذا كان الأمر كذلك، فما على الناس إلا الإيمان بالقرآن والتصديق بما جاء فيه، والإيمان بصدق محمد صلى الله عليه وسلم في نبوته، وفيما دعا إليه من التوحيد الخالص، وإثبات البعث والجزاء، ودعوة الناس إلى سعادة الدنيا والآخرة، والأخلاق الكاملة النافعة.
{ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى، وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ} أي ما أوجدنا وأبدعنا السموات العلا، والأراضي السفلى وما بينهما من سائر المخلوقات إلا خلقا ملتبسا بالحق الذي تقتضيه المشيئة الإلهية، وليس على وجه العبث والباطل، فليس خلقها عبثا ولا باطلا.
وقد خلقناها إلى مدة معينة محددة لا تزيد ولا تنقص، وهي يوم القيامة، فإن السموات والأرضين والمخلوقات تنتهي، وتتبدل السموات والأرض بغيرها.
أما الذين جحدوا بالله، بالرغم من هذه الأدلة، ومن إنزال الكتب، وإرسال الرسل، فهم لا هون عما يراد بهم، مولّون عما خوّفوا به في القرآن من البعث والحساب والجزاء، غير مستعدين له، وسيعلمون غب ذلك وعاقبته.
وبعد إثبات وجود الإله ووقوع الحشر والبعث يوم القيامة، ردّ الله تعالى على عبدة الأوثان بقوله:
{قُلْ: أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ، أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ
شِرْكٌ فِي السَّماواتِ} أي قل أيها النبي لهؤلاء المشركين العابدين مع الله غيره:
أخبروني وأرشدوني عن حال آلهتكم من الأصنام وأصحاب القبور، بعد التأمل في خلق السموات والأرض وما بينهما، هل استطاعوا الاستقلال بخلق شيء في الأرض، وهل لهم مشاركة في ملك السموات والتصرف فيها؟ الواقع أنهم لم يخلقوا شيئا ولا شركة لهم في السموات والأرض، فكيف تعبدون مع الله الخالق لكل شيء غيره وتشركون به؟ {اِئْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} أي أحضروا لي دليلا مكتوبا قبل القرآن مما نزل على الأنبياء كالتوراة والإنجيل يدل على صحة عبادتكم لآلهتكم، أو بقية من علم الأولين والأنبياء السابقين يرشد إلى صحة هذا المنهج الذي نهجتموه، إن كنتم صادقين في ادعائكم ألوهية الأصنام.
والمعنى: لا دليل لكم نقليا ولا عقليا على ذلك.
وبعد أن نفى الله تعالى القدرة عن الأصنام في الخلق وغيره، أتبعه بنفي العلم عنهم من كل الوجوه، فقال:
{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ، وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ} أي لا أحد أضل وأجهل ممن يعبد من دون الله أصناما، ويطلب منها ما لا تستطيعه إلى يوم القيامة، فإنه دعا من لا يسمع، فكيف يطمع في الإجابة؟ والأصنام التي يدعونها غافلون عمن دعاها، لا يسمعون ولا يعقلون، لكونهم جمادات.
والمعنى: أن الأصنام لا قدرة لها على شيء، ولا علم لديها بشيء، فما هي إلا جماد، وعبادة الجماد محض الضلال، وهذا يستدعي التوبيخ والتهكم.
وقوله: {إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ} تأبيد على عادة العرب، أي ما دامت الدنيا.