الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النبي، حيث قالوا: جئناك بالأثقال والعيال، ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان. فرد الله تعالى عليهم قائلا:
{قُلْ: لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ، بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} أي قل أيها الرسول: لا تعدوا أيها الأعراب إسلامكم منّة علي، فإن نفع ذلك إنما يعود عليكم، ولله المنة عليكم فيه، فهو سبحانه الذي يمن عليكم، إذ أرشدكم إلى الإيمان وأراكم طريقه، ووفقكم لقبول الدين، إن كنتم صادقين فيما تدعونه. وفي هذا إيماء إلى أنهم كاذبون في ادعائهم الإيمان.
وذلك كما
قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار يوم حنين: «يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلاّلا، فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرقين فألّفكم الله بي؟ وكنتم عالة فأغناكم الله بي؟ قالوا: بلى، الله ورسوله أمنّ وأفضل» .
ثم أكد الله تعالى علمه بكل شيء، فقال:
{إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ} أي إن الله عليم بما ظهر وما غاب في جميع أنحاء السموات والأرض، ومن جملة ذلك:
ما يسّره كل إنسان في نفسه، والله مطّلع على كل شيء من أعمالكم، فهو مجازيكم بالخير خيرا، وبالشر شرا. والآية تكرار وتأكيد الإخبار بعلم الله بجميع الكائنات، وبصره بأعمال المخلوقات، ليترسخ ذلك في الأذهان، ويستقر في أعماق القلوب، ويتمثل دائما في النفوس.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
1 -
موضوع الآيات توبيخ من في إيمانه ضعف بعد الآيات السابقة التي فيها حث عموم الناس على تقوى الله تعالى.
فلا يكفي الإسلام الظاهري، وإنما لا بد من الإيمان والإذعان القلبي، ولا يكفي الإسلام اللغوي، وهو الخضوع والانقياد خوفا من القتل، ودخولا في زمرة أهل الإيمان والسلم.
2 -
إن أخلص الناس الإيمان لله تعالى وفّر لهم ثوابا عظيما لأعمالهم، ولم ينقصهم شيئا من أجورهم.
3 -
لا حرج على من تأخر إيمانه، فالله سبحانه غفار لذنوب عباده كلها بمشيئته، رحيم بهم فلا يعذبهم بعد التوبة.
4 -
إن عناصر الإيمان الجوهرية في الآية: هي الإيمان بالله وحده لا شريك له، والإيمان بأن محمدا رسول الله وخاتم الأنبياء والرسل، وعدم الارتياب في شيء، بل لا بد من عقيدة ثابتة ويقين كامل لا يتزعزع أبدا، والجهاد في سبيل الله بالأموال والأنفس محكّ الإيمان ودليله، والمؤمنون هم الذين صدّقوا ولم يشكّوا وحققوا ذلك بالجهاد والأعمال الصالحة، وهم الذين صدقوا في إيمانهم، لا من أسلم خوف القتل ورجاء الكسب.
ويجب أن يكون الجهاد من أجل نصرة دين الله والدعوة إلى سبيله، أو لاسترداد الحقوق المغتصبة والبلاد المحتلة، لذا
قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه عن أبي موسى الأشعري: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» وقال تعالى في الدفاع عن البلاد: {وَقِيلَ لَهُمْ: تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا} [آل عمران 167/ 3].
5 -
لا حاجة لإعلام الله تعالى بأن الإنسان مؤمن، فهو سبحانه يعلم بالدين الذي يكون الناس عليه، ويعلم كل شيء في الكون، والآية تجهيل لهم في قوله:
{أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ؟} .
6 -
إن نفع الإيمان يعود للمؤمن نفسه، فلا يصح لأحد أن يمتن بإسلامه على
أحد، بل المنة والفضل والنعمة لله عز وجل الذي وفق عباده للإيمان، وأرشدهم إليه ودلّهم عليه.
والصادقون هم الذين يعترفون بهداية الله لهم، والهداية هنا بمعنى الدلالة.
وقوله: {أُولئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ} تعريض بأن الأعراب سبب النزول كاذبون، ولهذا قال تعالى:{قُلْ: لَمْ تُؤْمِنُوا} وذلك تأديب لهم.
7 -
ظاهر الآية يدل على أن أولئك الأعراب لم يكونوا مؤمنين إيمانا صحيحا، بل كانوا مسلمين إسلاما ظاهريا، والإيمان أخص، والإسلام أعم، كما تقدم، ولم يكونوا منافقين، فلو كانوا منافقين لعنفوا وفضحوا كما فعل الله تعالى في سورة براءة.
8 -
إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ومن ذلك ما في الضمائر والقلوب، فهو تعالى يعلم الإيمان الحقيقي من الإيمان الكاذب، ويعلم المقاصد والغايات، والمخاوف والأطماع، والبواعث التي تدفع إلى الدخول في الإسلام.