الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نفرّ، فما نكث أحد منا البيعة إلا جدّ بن قيس، وكان منافقا اختبأ تحت إبط ناقته، ولم يثر مع القوم. ويلاحظ أن جابر جمع بين الروايتين.
وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة» .
المناسبة:
بعد أن بيّن الله تعالى حال المخلفين عام الحديبية، عاد إلى بيان حال الذين بايعوا تحت الشجرة، وذكروا فيما تقدم في قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ.} . فأبان جزاءهم في الدنيا والآخرة، وهو الظفر بغنائم كثيرة من خيبر، وأخبر الله عن رضاه عن أهل تلك البيعة في الآخرة، لصدق إيمانهم، وإخلاصهم في بيعتهم، وإنزال السكينة (الطمأنينة) عليهم وتثبيت قلوبهم وأقدامهم. والخلاصة: لما ذكر تعالى حال من تخلف عن السفر مع الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر حال المؤمنين الخلّص الذين سافروا معه. والآية دالة على رضى الله تعالى عنهم، ولذا سميت بيعة الرضوان.
التفسير والبيان:
{لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} أي تالله لقد رضي الله عن المؤمنين المخلصين الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة بيعة الرضوان، بالحديبية، على أن يقاتلوا قريشا ولا يفروا، وروي أنه بايعهم على الموت، وكان عددهم في الأصح ألفا وأربع مائة. وسميت بيعة الرضوان، لقوله تعالى:{لَقَدْ رَضِيَ اللهُ.} ..
روى البخاري أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: انطلقت حاجا، فمررت بقوم يصلّون، فقلت: ما هذا المسجد؟ قالوا: هذه الشجرة
حيث بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان، فأتيت سعيد بن المسيب، فأخبرته، فقال سعيد: حدثني أبي أنه كان ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، قال:
فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها، فلم نقدر عليها، فقال سعيد: إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يعلموها، وعلمتموها أنتم، فأنتم أعلم!! وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن نافع قال: بلغ عمر أن أناسا يأتون الشجرة التي بويع تحتها، فأمر بها، فقطعت.
{فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ، فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ، وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} أي فعلم الله ما في قلوبهم من الإيمان والصدق، والإخلاص والوفاء، والسمع والطاعة، فأنزل الطمأنينة وسكون النفس عليهم، وجازاهم فتح خيبر بعد انصرافهم من الحديبية، ثم أتبعه بفتح مكة وفتح سائر البلاد والأقاليم.
وفاء {فَعَلِمَ} للتعقيب، والفعل متعلق بقوله:{إِذْ يُبايِعُونَكَ.} .
وبما أن العلم بما في القلوب قبل الرضى، فيكون المراد كما يقول القائل: فرحت أمس إذ كلّمت زيدا، فقام إلي، أو إذ دخلت عليه فأكرمني، فيكون الفرح بعد الإكرام ترتيبا في المعنى، والآية كذلك إشارة إلى أن الرضا لم يكن عند المبايعة فحسب، بل عند المبايعة التي كان معها علم الله بصدقهم. وفاء {فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ.} . للتعقيب الواقعي، فإنه تعالى رضي عنهم، فأنزل السكينة عليهم.
{وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها، وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً} أي: وأثابهم أيضا مغانم كثيرة، وهي غنائم خيبر، وكان توزيع الغنائم تعويضا لهم عما تأملوه من غنائم أهل مكة، ومخصصا بأهل بيعة الرضوان.
وكان الله وما يزال غالبا كامل القدرة، مدبرا أمور خلقه على وفق الحكمة والسداد، وقد حقق لأهل بيعة الرضوان العز والنصر والرفعة في الدنيا والآخرة.