المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

عبد الله بن سلام نزلت، وشهد شاهد من بني إسرائيل - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ٢٦

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الأحقاف

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌إثبات وجود الله تعالى ووحدانيته ووقوع الحشروالرد على عبدة الأوثان

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌شبهات المشركين حول الوحي والنبوة والقرآن-1

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌شبهات أخرى للكفار-2

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الوصية ببر الوالدين

- ‌1 -وصف الولد البار بوالديه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌2 -وصف الولد العاقّ لوالديه منكر البعث

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة هود عليه السلام مع قومه عاد

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فأجابه قومه قائلين:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إيمان الجن بالقرآن

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (29):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إثبات البعث والأمر بالصبر

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة محمّد عليه الصلاة والسلام

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌فضل السورة:

- ‌بيان الفرق بين الكفار والمؤمنين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أحكام القتال والأسرى والقتلى في سبيل الله ونصرة الإسلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌النظر في آثار الأمم السابقة والتأمل في أحوال المؤمنين والكافرين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (11):

- ‌نزول الآية (13):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌صفة نعيم الجنة وعذاب النار

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أوصاف المنافقين والمؤمنين

- ‌1 -حال المنافقين والمهتدين عند استماع آيات العقيدة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌2 -حال المنافقين والمؤمنين عند نزول الآيات العملية

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌3 -حال المنافقين بعد ردتهم وعند قبض أرواحهموالتذكير بحكمة الجهاد

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حال بعض كفار أهل الكتاب وبعض المؤمنين في الدنيا والآخرة

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (32):

- ‌نزول الآية (33):

- ‌نزول الآية (34):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تأكيد الحث على الجهاد بالتزهيد في الدنيا

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة الفتح

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌فضلها:

- ‌أضواء من السيرة على سبب نزول السورة (صلح الحديبية وبيعةالرضوان):

- ‌فضائل صلح الحديبية على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (1):

- ‌نزول الآية (2):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌آثار صلح الحديبية في المؤمنين والمنافقين والمشركين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌وظائف النّبي صلى الله عليه وسلم وفائدة بعثته ومعنى بيعته في الحديبية

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أحوال المتخلفين عن الحديبية

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (17):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء أهل بيعة الرضوان

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مغانم وفتوحات ونعم كثيرة أخرى للمؤمنين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌ذمّ المشركين وحكمة المصالحة يوم الحديبية

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تصديق رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم عام الفتح

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام

- ‌أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم والمرسل إليهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة الحجرات

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌طاعة الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم والتأدب في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (1):

- ‌نزول الآية (2):

- ‌نزول الآية (3):

- ‌نزول الآية (4):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الآداب العامة

- ‌1 -وجوب التثبت من الأخبار

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌2 -وسائل فض المنازعات الداخليةحكم البغاة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌3 -آداب المؤمن مع المؤمن ومع الناس كافة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (11):

- ‌نزول الآية (11) أيضا:

- ‌نزول الآية (11) كذلك:

- ‌نزول الآية (12):

- ‌نزول الآية (13):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أصول الإيمان الصحيح

- ‌ الْأَعْرابُ

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة ق

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌فضل السورة:

- ‌أوجه الشبه بين سورة ق وسورة ص:

- ‌إنكار المشركين البعث والرّد عليهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌التذكير بحال المكذبين الأولين

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تقرير خلق الإنسان وعلم الله بأحواله

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحوار بين الكافر وقرينه الشيطان يوم القيامة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حال المتقين

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تهديد منكري البعث وإثباته لهم مرة أخرىوأوامر للرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: عبد الله بن سلام نزلت، وشهد شاهد من بني إسرائيل

عبد الله بن سلام نزلت، وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله. وأخرج ابن جرير والترمذي وابن مردويه عن عبد الله بن سلام قال:«فيّ نزلت» ونزل فيّ: {قُلْ: كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ} [الرعد 43/ 13].

‌المناسبة:

بعد تقرير التوحيد ونفي الأضداد والأنداد، ذكر الله تعالى أمر النبوة وشبهات المشركين حولها وحول القرآن، فأبان أنهم يسمون معجزة القرآن بالسحر، وأنهم متى سمعوا القرآن قالوا: إن محمدا افتراه واختلقه من عند نفسه، ثم أبطل تعالى شبهتهم، فقال: إن افتريته على سبيل الفرض، فإن الله تعالى يعاجلني بالعقوبة، وأنتم لا تقدرون على دفع العذاب عني، فكيف أقدم على هذه الفرية، وأعرّض نفسي لعقابه؟! ثم حكى عنهم نوعا آخر من الشبهات، وهو أنهم كانوا يقترحون عليه معجزات عجيبة، ويطالبونه بأن يخبرهم عن المغيبات، فأجابهم الله تعالى بأن يقول لهم النبي صلى الله عليه وسلم: لست بأول رسول أرسله الله، حتى تنكروا إخباري بأني رسول الله إليكم، وتنكروا دعوتي لكم إلى التوحيد، ونهي عن عبادة الأصنام، فإن كل الرسل إنما بعثوا لهذه الأهداف والغايات، وأنا من جنس الرسل وواحد منهم لا أستطيع ولا أقدر على الإتيان بالمعجزات والإخبار عن المغيبات، فذلك ليس في وسع البشر، وإنما هو بقدرة الله تعالى.

‌التفسير والبيان:

{وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمّا جاءَهُمْ: هذا سِحْرٌ مُبِينٌ} أي إذا تليت على المشركين آيات القرآن حال كونها بيّنة واضحة

ص: 16

جلية، قالوا في شأن الحق الذي أتاهم وهو القرآن: هذا سحر واضح وتمويه خادع، فكذبوا به وافتروا، وكفروا وضلوا.

ثم ذكر الله تعالى ما هو أشنع من وصف القرآن بالسحر ورد عليهم، فقال:

{أَمْ يَقُولُونَ: اِفْتَراهُ، قُلْ: إِنِ افْتَرَيْتُهُ، فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً} أي بل أيقولون: افترى محمد هذا القرآن واختلقه من عند نفسه، كذبا على الله؟ فرد الله تعالى عليهم: قل لهم أيها الرسول: لو افتريته وكذبت على الله على سبيل الفرض والتقدير كما تدّعون، وزعمت أنه أرسلني رسولا إليكم، ولم يكن الأمر كذلك، لعاقبني أشد العقوبة، ولم يقدر أحد من أهل الأرض، لا أنتم ولا غيركم أن يدفع عقابه عني، فكيف أقدم على هذه الفرية، وأعرّض نفسي لعقابه؟ وقوله:{أَمْ} للإنكار والتعجيب كما تقدم، كأنه قيل: دع هذا واسمع القول المنكر العجيب.

ونظير الآية قوله تعالى: {قُلْ: إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ، وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً، إِلاّ بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ} [الجن 23/ 72]. وقوله سبحانه:

{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ، لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ، فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ} [الحاقة 44/ 69 - 47] وذكر هنا:

{هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ، كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} أي الله أعلم بما تقولون في القرآن، وتخوضون فيه، من التكذيب له، والقول بأنه سحر وكهانة، كفى بالله شاهدا صادقا يشهد لي بأن القرآن من عنده، وبالبلاغ لكم، وبالتكذيب والجحود منكم، ومع كل هذا الذي صدر منكم فالله هو الغفور لمن تاب وآمن، وصدّق بالقرآن، وعمل بما فيه.

وهذا جمع بين الوعيد والتهديد والترهيب وبين الترغيب لهم في التوبة

ص: 17

والإنابة، وذلك كقوله تعالى:{وَقالُوا: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً، قُلْ: أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان 5/ 25 - 6].

ثم رد الله على المشركين شبهة أخرى هي اقتراح الإتيان بمعجزات، والإخبار عن مغيبات فقال:

{قُلْ: ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ، وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ} أي لست بأول رسول جاء إلى العالم، بل قد بعث الله قبلي كثيرا من الرسل، فما أنا بالأمر المبتدع الذي لا نظير له، حتى تستنكروني وتستبعدوا بعثتي إليكم، ولست أعلم ما يفعل بي ولا بكم في مستقبل الزمان في الدنيا وكذا يوم القيامة، هل أبقى في مكة أو أخرج منها؟ وهل أموت أو أقتل، وهل تعجل لكم العقوبة أيها المكذبون أم تمهلون؟ والمعنى: إني لا أعلم بما لي بالغيب، فأفعاله تعالى وما يقدره لي ولكم من قضاياه لا أعلمها

(1)

.

{إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ، وَما أَنَا إِلاّ نَذِيرٌ مُبِينٌ} أي إنما أتبع الوحي الذي ينزله الله علي في القرآن والسنة، ولا أبتدع من عندي شيئا، ولست إلا نذيرا لكم أنذركم عقاب الله وأخوفكم عذابه على نحو واضح ظاهر لكل عاقل.

وهذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يدري ما يؤول إليه أمره وأمر المشركين في دار الدنيا، أما في الآخرة فهو صلى الله عليه وسلم جازم أنه يصير إلى الجنة هو ومن اتبعه، وذلك في الجملة، ولا يقطع لشخص معين بالجنة إلا الذي نص الشارع على تعيينهم كالعشرة المبشرين بالجنة

(2)

، وابن سلام، والعميصاء، وبلال، وسراقة،

(1)

البحر المحيط: 56/ 8

(2)

وهم الخلفاء الراشدون الأربعة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وطلحة بن عبد الله، والزبير بن العوام، وأبو عبيدة بن الجراح، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم.

ص: 18

وعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر، والقرّاء السبعين الذين قتلوا ببئر معونة، وزيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة، وما أشبه هؤلاء رضي الله عنهم، والدليل على ذلك الحديث التالي:

أخرج أحمد والبخاري عن أم العلاء-وهي امرأة من نساء الأنصار-قالت:

«لما مات عثمان بن مظعون، قلت: رحمك الله أبا السائب، شهادتي عليك، لقد أكرمك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما يدريك أن الله أكرمه؟ أما هو فقد جاءه اليقين من ربه، وإني لأرجو له الخير، والله ما أدري-وأنا رسول الله- ما يفعل بي ولا بكم، قالت أمّ العلاء: فو الله لا أزكي بعده أحدا» .

وفي رواية الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس: «أنه لما مات قالت امرأته أو امرأة: هنيئا لك ابن مظعون الجنة، فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر مغضب، وقال: وما يدريك؟ والله، إني لرسول الله، وما أدري ما يفعل الله بي، فقالت: يا رسول الله، صاحبك وفارسك وأنت أعلم، فقال: أرجو له رحمة ربه تعالى، وأخاف عليه ذنبه» .

ثم أكد الله تعالى خسارة المشركين قائلا:

{قُلْ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَكَفَرْتُمْ بِهِ، وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ، فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ، إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ} أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين الكافرين بالقرآن: أخبروني إن كان هذا القرآن من عند الله في الحقيقة، والحال أنكم قد كفرتم به، وشهد شاهد من بني إسرائيل العالمين بما أنزل الله في التوراة على صحته وعلى مثله وهو القرآن، أو على مثل ما قلت، فآمن الشاهد بالقرآن لما تبيّن له أنه من كلام الله، وهذا الشاهد هو عبد الله بن سلام الذي أسلم بعد الهجرة، ثم تكبرتم عن الإيمان به، فقد ظلمتم أنفسكم

(1)

وكنتم

(1)

هذا جواب الشرط المحذوف لقوله: إِنْ المفهوم من قوله: إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي.. . والمفعول الثاني لقوله أَرَأَيْتُمْ مقدر، أي ألستم ظالمين؟

ص: 19

من الخاسرين. وقوله: {إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ} معناه لا يوفقهم إلى الخير، وهو استئناف بياني، تعليل لاستكبارهم.

وبعبارة أخرى: ما ظنكم أن الله صانع بكم إن كان هذا الكتاب الذي قد جئتكم به قد أنزله الله علي لإبلاغكم به، وقد كفرتم به وكذبتموه، ألستم تكونون أضل الناس وأظلمهم؟! أو ألستم كنتم ظالمين لأنفسكم؟ يدل على هذا الجواب المحذوف قوله:{إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ} .

والشاهد في رأي أكثر المفسرين هو عبد الله بن سلام، بدليل

ما ذكر صاحب الكشاف: «لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نظر-أي ابن سلام-إلى وجهه، فعلم أنه ليس بوجه كذاب، وتأمله فتحقق أنه هو النبي المنتظر، وقال له: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟ فقال صلى الله عليه وسلم:

أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت، وأما الولد، فإذا سبق ماء الرجل نزعه، وإن سبق ماء المرأة نزعته، فقال: أشهد أنك رسول الله حقا، ثم قال:

يا رسول الله، إن اليهود قوم بهت، وإن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني بهتوني عندك، فجاءت اليهود، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: أيّ رجل عبد الله فيكم؟ فقالوا: خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا، قال:

أرأيتم إن أسلم عبد الله؟ قالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج إليهم عبد الله، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، فقالوا: شرنا وابن شرنا، وانتقصوه، قال: هذا ما كنت أخاف يا رسول الله، وأحذر»

(1)

.

أما إنكار أن يكون الشاهد هو عبد الله بن سلام، لأن إسلامه كان بالمدينة

(1)

الكشاف: 119/ 3

ص: 20