الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات اللغوية:
{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} أنث الفعل {كَذَّبَتْ} لمعنى قوم {وَأَصْحابُ الرَّسِّ} أصحاب بئر لم تطو أي لم تبن، كانوا مقيمين عليها بمواشيهم، يعبدون الأصنام، وهم قوم باليمامة، وقيل:
أصحاب الأخدود، ونبيهم المزعوم: حنظلة بن صفوان أو غيره {وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ} الغيضة الكثيفة الملتفة الشجر، وهم قوم شعيب عليه السلام {وَقَوْمُ تُبَّعٍ} الحميري ملك اليمن، أسلم ودعا قومه إلى الإسلام، فكذّبوه {كُلٌّ} من المذكورين، أي كل واحد أو قوم منهم، أو جميعهم {كَذَّبَ الرُّسُلَ} إفراد الضمير لإفراد لفظه {فَحَقَّ وَعِيدِ} وجب نزول العذاب على الجميع، وحل عليهم وعيدي. وفيه تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وتهديد لهم، أي فلا يضيق صدرك من كفر قريش بك.
{أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ} أفعجزنا عن الإبداء حتى نعجز عن الإعادة؟ لم نعي به، فلا نعيا بالإعادة، من العيّ عن الأمر: العجز عنه {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} بل هم في شك وحيرة من البعث، أي هم لا ينكرون قدرتنا على الخلق الأول، بل هم في خلط وشبهة من خلق مستأنف، لما فيه من مخالفة العادة. وتنكير كلمة {بِالْخَلْقِ} لتعظيم شأنه والإشعار بأنه على وجه غير متعارف ولا معتاد.
المناسبة:
بعد بيان تكذيب مشركي قريش والعرب للنبي صلى الله عليه وسلم، ذكّرهم الله تعالى وهددهم بما عاقب به أمثالهم من المكذبين قبلهم في الدنيا كقوم نوح وغيرهم، تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر تعالى دليلا جديدا على البعث وهو خلق الأنفس في بداية أمر الخلق.
التفسير والبيان:
{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ، وَأَصْحابُ الرَّسِّ، وَثَمُودُ، وَعادٌ، وَفِرْعَوْنُ، وَإِخْوانُ لُوطٍ، وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ، وَقَوْمُ تُبَّعٍ، كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ، فَحَقَّ وَعِيدِ} أي إن الله سبحانه هدد كفار قريش بأن يعاقبهم بمثل ما عاقب به الأمم السابقة قبلهم، الذين كذبوا رسلهم، فعذبهم الله إما بالطوفان كقوم نوح عليه السلام، أو بالغرق في البحر كقوم فرعون، أو بريح صرصر عاتية كعاد قوم هود، أو
بالريح الحاصب التي تأتي بالحصباء وخسف الأرض وهم قوم لوط، أو بالصيحة وهم ثمود وأهل مدين وأصحاب الرس وأصحاب الأيكة قوم شعيب، أو بالخسف وهو قارون وأصحابه.
والسبب أن كلا من هذه الأمم كذب رسوله الذي أرسله الله إليه، فوجب عليهم ما أوعدهم الله تعالى، وحقّت عليهم كلمة العذاب على التكذيب، فليحذر المخاطبون أن يصيبهم مثلما أصاب هؤلاء الأقوام، لاشتراكهم في العلة، وتكذيبهم رسولهم كما كذب أولئك رسلهم.
ثم ذكر الله تعالى دليلا على إمكان البعث من الأنفس، فقال:
{أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ، بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ؟} أي أفعجزنا بالخلق المبتدأ الأول حين خلقناهم ولم يكونوا شيئا، أو بابتداء الخلق، فكيف نعجز عن بعثهم وإعادتهم مرة أخرى؟! الحق أننا لم نعجز، والإعادة أسهل من الابتداء، كما قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ، ثُمَّ يُعِيدُهُ، وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم 27/ 30] وقال جل جلاله: {وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ، قالَ: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} .
{قُلْ: يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس 78/ 36 - 79].
وجاء في الحديث القدسي الصحيح: «يقول الله تعالى: يؤذيني ابن آدم، يقول: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته» .
وإنما هم في شك وحيرة واختلاط من خلق مبتدأ مستأنف، وهو بعث الأموات، فهم معترفون بأن الله هو مبدئ الخلق أولا، فلا وجه لإنكارهم البعث. وهذا توبيخ للكفار وإقامة الحجة الواضحة عليهم.