الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نفسه، وزجّها في نيران جهنم، وإصغائه لوساوس الشيطان وإغراءاته، وتأثره بها بسبب خلل رأيه، وضعف عقله، وميله إلى الفجور.
التفسير والبيان:
{وَقالَ قَرِينُهُ: هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ} أي قال الملك الموكل به بابن آدم:
هذا ما عندي من كتاب عملك معدّ محضر بلا زيادة ولا نقصان. وقال مجاهد:
هذا كلام الملك السائق يقول: هذا ابن آدم الذي وكلتني به قد أحضرته، واختار ابن جرير: أنه يعم السائق والشهيد.
وفسر الزمخشري القرين هنا بأنه هو الشيطان الذي قيض للإنسان في قوله تعالى: {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً، فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف 36/ 43] ويشهد له قوله تعالى بعدئذ: {قالَ قَرِينُهُ: رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ} يقول الشيطان: هذا شيء لديّ وفي ملكتي عتيد لجهنم، والمعنى: أن ملكا يسوقه، وآخر يشهد عليه، وشيطانا مقرونا به يقول: قد اعتدته لجهنم وهيّأته لها بإغوائي وإضلالي.
وقد رجحت الرأي الثاني، لأن الشيطان هو قرين كل فاجر، يقول لأهل المحشر، أو لسائر القرناء: قد هيّأت قريني لجهنم.
{أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّارٍ عَنِيدٍ، مَنّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ، الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ، فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ} أي يقول الله تعالى للسائق والشهيد:
اطرحا في جهنم كل من كفر بالله أو أشرك به شريكا آخر، مكابر معاند للحق وأهله، كثير الكفر والتكذيب بالحق، معارض له بالباطل مع علمه بذلك.
وهو أيضا كثير المنع للخير كالزكاة، ولا يؤدي ما عليه من الحقوق، ولا يبذل خيرا لأحد من قريب أو فقير بصلة رحم أو صدقة، ويمنع أقاربه عن الدخول في الإسلام، قيل: نزلت في الوليد بن المغيرة، كما تقدم، كان يمنع بني
أخيه من الإسلام، وكان يقول: من دخل منكم في الإسلام، لم أنفعه بخير ما عشت.
وهو متعد على الناس بالفحش والأذى والبطش، متجاوز الحد في الإنفاق من ماله، ظالم لنفسه لا يقر بتوحيد الله، شاكّ في الحق وفي أمره وفي دين الله، ومشكك غيره.
لكل هذا أكد الله تعالى إلقاءه في جهنم فقال للملكين، أو لمالك خازن النار جريا على عادة الكلام في مخاطبة الواحد بخطاب الاثنين: فألقياه في النار ذات العذاب الشديد.
جاء في الحديث: أن عنقا من النار يبرز للخلائق، فينادي بصوت يسمع الخلائق: إني وكّلت بثلاثة: بكل جبّار عنيد، ومن جعل مع الله إلها آخر، وبالمصوّرين، ثم تنطوي عليهم.
وأخرج الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يخرج عنق من النار، يتكلم يقول: وكّلت اليوم بثلاثة: بكل جبار عنيد، ومن جعل مع الله إلها آخر، ومن قتل نفسا بغير نفس، فتنطوي عليهم، فتقذفهم في غمرات جهنم» .
ثم ذكر الله تعالى صورة من الحوار بين الكافر والشيطان قرينه، فقال:
{قالَ قَرِينُهُ: رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ، وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} أي يقول الشيطان عن قرينه الذي وافى القيامة كافرا، متبرئا منه: يا ربنا ما أضللته أو أوقعته في الطغيان، بل كان هو في نفسه ضالا، مؤثرا الباطل، معاندا للحق بعيدا عنه، فدعوته فاستجاب لي، ولو كان من عبادك المخلصين لم أقدر عليه، أي وكأن الكافر يريد الاعتذار قائلا: يا ربّ إن قريني الشيطان أطغاني، فأجاب القرين الذي قيض له وهو الشيطان:{رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ} .
وهذا اعتراف بالحقيقة، كما قال الشيطان في آية أخرى:{وَقالَ الشَّيْطانُ لَمّا قُضِيَ الْأَمْرُ: إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ، وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ، وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ، فَاسْتَجَبْتُمْ لِي، فَلا تَلُومُونِي، وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ، ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ، إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ، إِنَّ الظّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} [إبراهيم 22/ 14].
{قالَ: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ، وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} أي قال الرب عز وجل لهما-للكافر وقرينه الشيطان: لا تتخاصموا ولا تتجادلوا عندي في موقف الحساب، فإني تقدمت إليكم في الدنيا بالإنذار والوعيد، وأعذرت إليكم على ألسنة الرسل، وأنزلت الكتب، وقامت عليكم الحجج والبراهين، والمراد أن اعتذاركم الآن غير نافع لدي.
وأضاف الله تعالى برد آخر قائلا:
{ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، وَما أَنَا بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ} أي قضيت ما أنا قاض، ولا يغير حكمي وقضائي، ولا خلف لوعدي، بل هو كائن لا محالة، وقد قضيت عليكم بالعذاب بسبب كفركم، فلا تبديل له، ولا أعذب أحدا ظلما بغير جرم اجترمه أو ذنب اقترفه أو أذنبه بعد قيام الحجة عليه.
ثم أكد الله تعالى حلول العذاب في جهنم قائلا:
{يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ: هَلِ امْتَلَأْتِ؟ وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟} أي اذكر يا محمد لقومك وأنذرهم حين يقول الله تعالى لجهنم: هل امتلأت بالأفواج من الجنّة والناس؟ فتنطق جهنم وتجيبه قائلة: هل بقي شيء من زيادة تزيدونني بها؟ والمراد أنها اكتفت وامتلأت بما ألقي فيها، أي لا أسع أكثر من ذلك فإني قد