الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير ابن باديس
وابن باديس هو عبد الحميد بن محمد المصطفى بن مكى بن باديس، ولد فى أسرة صنهاجية من اعرق الاسر فى العلم والنسب، ومكانة الاسرة فى العلم يصف جانبا منها ابن خلدون حينما يقول:
انه اجتمع اربعون عمامة من أسرة باديس فى وقت واحد فى التدريس والافتاء والوظائف الدينية.
وهذا العدد فى أسرة واحدة فى وقت واحد دليل كاف على صلتها الوثيقة بالعلم والاسرة تنحدر عن الصنهاجيين الذين كانوا ملوكا وحكاما، وكان من انبهم المعز بن باديس.
ولد ابن باديس فى سنة 1308 هـ 1889 م ميلادية وأخذ منذ الطفولة فى التعليم بحفظ القرآن الكريم كما ألف الوسط الذى يعيش فيه من بدئهم بحفظ القرآن الكريم، ثم أخذ يتزود من علوم العربية وعلوم الاسلام.
ثم شد الرحال الى جامع الزيتونة بتونس الذى كان مزدهرا بالعلم والعلماء، ارتحل الى الزيتونة وهو كبير السن وقد تزود بقسط وافر من العلوم، وانتهت دراسته بها سنة 1912 ثم سافر الى الحج والزيارة، وهناك التقى ببعض الجزائريين النابهين، منهم الشيخ البشير الابراهيمى، واخذوا يتدارسون الوضع السياسى فى الجزائر والاحتلال الفرنسى الجاثم على صدرها، يدبر الامر فى عنف لجعلها فرنسية لغة وثقافة، واتفقوا على أن النهضات المستقرة الناجحة انما تقوم على اساس من الايمان الوثيق، وبدون الايمان لا تنجح نهضة فى الشرق الاسلامى ولا تستقر.
ومن هنا كان السر فى انشاء «جمعية العلماء المسلمين الجزائريين» سنة 1931 م وكانت سن ابن باديس اذ ذاك 42 عاما.
وكان ابن باديس حلقة فى سلسلة معينة من التيار الفكرى الذى ينتسب اليه كثير من الذين يتجهون الى الاصلاح على نهج جمال الدين الافغانى.
وفى ذلك يقول الشيخ البشير الابراهيمى رحمه الله:
«ان هذه النهضة المباركة المنتشرة اليوم فى الاقطار الاسلامية بشير خير، بقرب رجوع المسلمين الى هذه الهداية، لان هذه النهضة بنيت اصولها على الدعوة الى كتاب الله وتفهمه والعمل به» وقد كان من بواكير ثمار هذه النهضة فى باب التأليف: تفسير الامام النقاد: «محمود الآلوسي» على ما فيه من تشدد فى المذهبية. وتفسير الامير «صديق حسن خان» .
ثم جاء إمام النهضة بلا منازع، وفارس الحلبة بلا مدافع الاستاذ الامام «محمد عبده» فجلا بدرسه فى تفسير كتاب الله عن حقائقه التى حام حولها من سبقه ولم يقع عليها وكانت تلك الدروس آية على أن القرآن لا يفسر الا بلسانين:
وبه وبشيخه «جمال الدين» استحكمت هذه النهضة واستمر مريرها.
ثم جاء الشيخ «محمد رشيد رضا» جاريا على ذلك النهج الذى نهجه محمد عبده فى تفسير القرآن، كما جاء شارحا لآرائه وحكمته وفلسفته فى الدين والاخلاق والاجتماع.
ثم جاء اخونا وصديقنا الاستاذ الشيخ «عبد الحميد بن باديس» قائد تلك النهضة بالجزائر، بتفسيره لكلام الله على تلك الطريقة وهو ممن لا يقصر عمن ذكرناهم فى استكمال وسائلها من ملكة بيانية راسخة، وسعة اطلاع
على السنة وتفقه فيها وغوص على اسرارها، واحاطة وباع مديد فى علم الاجتماع البشرى وعوارضه، والمام بمنتجات العقول ومستحدثات الاختراع
…
ومستجدات العمران، يمد ذلك قوة خطابية قليلة النظير، وقلم كاتب لا تفل له شباة.
ولقد مكث ابن باديس يدرس تفسير القرآن الكريم فى مدى خمسة وعشرين عاما دون فتور أو انقطاع، وحينما اتمه كان يوم عيد فى الجزائر وعن ذلك يقول الشيخ البشير «بارك الله فى عمر الاستاذ فأتم تفسير كتاب الله ببيانه المشرق فى خمس وعشرين عاما، من غير ان تختل اعماله العلمية الكثيرة، ولا أعماله المستغرقة لدقائقه فى سبيل النهضة.
وعرفت الامة الجزائرية قيمة ما اتم الله على يد الاستاذ فاحتفلت بهذا الختم كأعظم ما تحتفل أمة ناهضة باثر ناجح من جهودها.
وكان من الاحسان فى هذا العمل العظيم ومن الاحسان للنهضة أن تسجل من هذا الاحتفال صورة منبهة على حقيقته فصدر عدد من (الشباب) وهو لسان حال هذه النهضة- خاصا بهذه المنقبة، مخلدا لهذا الاثر، مسجلا لبعض أوصافه وما قيل فيه.
ونحن بمالنا من الصلة الوثيقة بهذه النهضة، ومن العمل النزر فيها نغتبط بهذه الخطوة السديدة، وهذه المرحلة الجديدة، التى تمت بختم التفسير.
وعن ابن باديس يقول الدكتور: محمد البهى:
«والامام عبد الحميد بن باديس» رئيس جمعية العلماء بالجزائر، وباعث النهضة الاسلامية العربية فيها، وفائد الثورة ضد الاستعمار الفرنسى فى هذه البلاد العزيزة، واحد العلماء المصلحين المفكرين الرواد فى الوطن الاسلامى والعربى، وهم- مع الاسف- لم يكونوا كثرة فى العدد وان كانوا قوة فى الاثر».
ودخل بن باديس فى صراع لا هوادة فيه مع الاستعمار والمستعمرين، ومن طريف ما يرويه فى ذلك قوله:
«اذكر اننى- ابن باديس- لما زرت المدينة المنورة، واتصلت فيها بشيخى الاستاذ أحمد الونيسى، وشيخى أحمد الهندى، أشار على الاول بالهجرة الى المدينة، وقطع كل علاقة لى بالوطن وأشار على الثانى، وكان عالما حكيما بالعودة الى الوطن وخدمة الاسلام والعربية فيه بقدر الجهد فحقق الله رأى الشيخ الثانى ورجعنا الى الوطن بقصد خدمته، فنحن لا نهاجر، نحن حراس الاسلام والعربية والقومية فى هذا الوطن.