الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حاشية الإمام الصاوى على الجلالين
والجلالين هنا هما جلال الدين المحلى، وجلال الدين السيوطى، وقد اشتركا فى تفسير القرآن غاية فى الإيجاز، وربما كان أوجز تفسير للقرآن.
أما الذى نتحدث عنه اليوم فهو حاشية العالم العلامة العارف بالله تعالى، الشيخ أحمد الصاوى المالكى على هذا التفسير.
والشيخ الصاوى إمام من أئمة علماء الأزهر، وصوفى من كبار الصوفية، وشيخه فى الطريق هو الامام الدردير الملقب بأبى البركات، شيخ الدردير هو الإمام الأكبر الشيخ الحفنى الملقب بأبى الأنوار ..
والشيخ الصاوى مالكى المذهب، خلوتى الطريقة، من اقليم الغريبة، بلدة «صان الحجر» بمصر، ولد سنة 1175 هـ 1761 ميلادية.
وكانت وفاته بالمدينة المنورة سنة 1241 هـ 1825 ميلادية.
وله كتب، وله حواش على بعض كتب شيخه الشيخ أحمد الدردير فى فقه المالكية.
وله شرح مشهور على صلوات الدردير طبع عدة مرات بالقاهرة.
وهو يسير فى تفسيره للقرآن على نمط العلماء المتزنين، وعلى نهج الصوفية الصادقين المتواضعين.
إنه يقول مثلا فى أوائل حاشيته مفسرا منهجه وطريقته:
وبعد: فيقول العبد الفقير الذليل أحمد بن محمد الصاوى المالكى الخلوتى:
ولما كان علم التفسير اعظم العلوم مقدارا، وأرفعها شرفا ومنارا، إذ هو
رئيس العلوم الدينية ورأسها، ومبنى قواعد الشرع واساسها، وكان كتاب الجلالين من أجل كتب التفسير، واجمع على الاعتناء به الجم الغفير، من أهل البصائر والتنوير، وجاءنى الداعى الالهى بقراءته، فاشتغلت به على حسب عجزى، ووضعت عليه ملخصة من حاشية شيخنا العلامة المحقق المدقق الورع الشيخ سليمان الجمل، مع زوائد وفوائد فتح بها مولانا من نور كتابه وإنما اقتصرت على تلخيص تلك الحاشية لكونى وجدتها ملخصة من جميع كتب التفسير التى بأيدينا تنسب لنحو عشرين كتابا منها البيضاوى وحواشيه، وحواشى هذا الكتاب
…
ومنها الخازن والخطيب والسمين وأبو السعود والكواشى والبحر والنهر والساقية والقرطبى والكاشف وابن عطية والتحبير والاتقان، ولم انسب العبارات لاصحابها غالبا اكتفاء بنسبة الأصل، والله على ما أقول وكيل، وهو حسبى وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى ..
وقد تلقيت هذا الكتاب من أوله إلى آخره مرتين عن العلامة الصوفى سيدى الشيخ سليمان الجمل وعن الامام أبى البركات العارف بالله تعالى استأذنا الشيخ أحمد الدردير، وعن أستاذنا العلامة الشيخ الامير، وكل من هؤلاء الأئمة تلقاه عن تاج العارفين شمس الدين سيدى محمد بن سالم الحفناوى، وعن أبى الحسن سيدى الشيخ على الصعيدى العدوى ومما يرويه فى مقدمته.
هذا الترتيب الذى نقرؤه توقيفى.
ونزل القرآن على النبى صلى الله عليه وسلم فى ثلاث وعشرين سنة على حسب الوقائع لقول الله تعالى:- وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (سورة الفرقان: 33) لكنه نزل لا على هذا الترتيب، فإنه نزل عليه ثلاث وثمانون سورة بمكة قبل الهجرة وبالمدينة احدى وثلاثون على التحقيق.
فأول ما نزل بمكة: اقرأ.
وآخر ما نزل بها: قيل: العنكبوت، وقيل: المؤمنون، وقيل المطففين، وأول سورة نزلت بالمدينة: البقرة.
وآخر سورة نزلت بها: المائدة.
وأما أول آية نزلت على الاطلاق: فأقرأ باسم ربك.
وآخر آية على الاطلاق: «واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله» .
ومن طريق ما يقوله فى مقدمته:
وعدة حروف القرآن: ألف ألف وخمسة وعشرون ألفا.
وعدة آياته: ستة آلاف وستمائة وستة وستون آية.
ونصفه بحسب الآيات قوله تعالى فى سورة الشعراء:
فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (الآية رقم 45) ونصفه بحسب الحروف قوله تعالى:
لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (سورة الكهف: 74) فالنون من النصف الأول، والكاف من الثانى.
ونصفه بحسب السور: الحديد، والمجادلة من النصف الثانى ..
وعدة كلماته سبعة وسبعون ألفا وأربعمائة وخمسون كلمة.
وترتيب السور هكذا توقيفى.
وأما وضع أسمائها فى المصاحف، وتقسيمها إلى أعشار وأرباع، وأثلاث وأجزاء، وأحزاب فمن الحجاج الثقفى بأخذ من الصحابة فى وضع أسماء السور، وباجتهاد منه فى تقسيمه إلى ما ذكر ولذلك تجد ابتداء الربع وسط قصة.
وكان الامام الصاوى يأخذ على الحجاج أنه لم يراع المعنى فى ابتداء أرباع القرآن الكريم والنماذج التى نوردها نحاول أن تكون من خصائص الامام البيضاوى.
فهو عند قوله تعالى فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ (سورة البقرة: 152) يقول: معنى اذكرونى: تذللوا لجلالى.
اذكركم: اكشف الحجب عنكم، وافيض عليكم رحمتى واحسانى، وأحبكم، وأرفع ذكركم فى الملأ الاعلى، لما فى الحديث:(من تقرب إلى شبرا تقربت منه ذراعا).
وفى الحديث أيضا: إن الله إذا أحب عبدا نادى جبريل فقال له:
يا جبريل، إنى أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادى فى السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول فى الأرض.
وهذا من جملة الثمرات المعجلة، وأما المؤجلة فرؤية وجه ربه الكريم، ورفع الدرجات وغير ذلك ..
وينبغى للانسان أن يذكر الله كثيرا، لقوله تعالى:
وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً. (سورة الاحزاب: 35) ولا يلتفت لواش ولا رقيب، لقول السيد الحفنى خطابا للعارف بالله تعالى، استاذنا الشيخ الدردير:
يا مبتغى طرق أهل الله والتسليك
…
دع عنك أهل الهوى تسلم من التشكيك
أن اذكرونى لرد المعترض يكفيك
…
فاجعل سلاف الجلالة دائما فى فيك
ولا تترك الذكر لعدم حضورك مع الله فيه، فربما ذكر مع غفلة يجر لذكر
مع حضور، لأنهم شبهوا الذكر بقدح الزناد، فلا يترك الانسان القدح لعدم ايقاده من أول مرة مثلا، بل يكرر حتى يوقد، فإذا ولع القلب نارت الاعضاء فلا يقدر الشيطان على وسوسته، لقوله تعالى:- إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا (سورة الاعراف: 201) وخفت العبادة على الاعضاء فلا يكون على الشخص كلفة فيها، قال العارف:
إذا رفع الحجاب فلا ملاله
…
بتكليف الإله ولا مشقّة
ويكفى الذاكر من الشرف قول الله تعالى فى الحديث القدسى:
(أنا جليس من ذكرنى) وقوله تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (الأنفال: 45) وهل الأفضل الذكر مع الناس، أو الذكر فى خلوة؟ والحق التفصيل، وهو ان كان الانسان ينشط وحده، ولم يكن مدعوا من الله لهداية الناس، فالخلوة فى حقه أفضل وإلا فذكره مع الناس أفضل، إما لينشط أو لتقتدى الناس به.
نسأل الله أن يجعلنا من أهل ذكره.
وعند قوله تعالى:
وَاشْكُرُوا لِي (سورة البقرة: 152) يقول:
الحق أنه يتعدى بنفسه وباللام والمعنى واحد، وهو من عطف الخاص على لعام والنكتة فى الذكر، فإن المقاصد فى الذكر مختلفة، فمن قصد بذكره لدنيا فقط فهو دنى، ومن قصد بذكره الجنة والنجاة من النار فهو اعلى من لأول، ومن قصد بذكره شكر الله على خلقه إياه وانعامه عليه، ولم يقصد غيره فهو من المقربين لما فى الحديث: أفلا أكون عبدا شكورا.