الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسنن ابن ماجة احدى وعشرين يوما والموطأ فى تسعة عشر يوما وطالع بنفسه لنفسه كتاب تقريب التهذيب لابن حجر مع تصحيح سهو القلم فيه وضبطه وتحشيته من نسخة مصححة جدا ثم قال: وهذه الكتب قرأتها اثر بعضها فأجهدت نفسى وبصرى حتى رمدت.
ولقد ذكرنا ذلك لنعرف بهمته العالية واطلاعه الواسع وعلمه الغزير ولشدة عنايته بالاصلاح واخلاصه فى بث الدعوة ونشر الدين والحرص على التجديد.
اتهم بالدعوة إلى مذهب جديد فى الدين سمى بالمذهب الجمالى وقبض عليه وحقق معه ولكنه رد التهمة وأثبت براءته فأخلى سبيله.
ولم تخل حياته من التنقل والارتحال فرحل إلى مصر وزار المدينة وعاد إلى دمشق فانقطع فى منزله للتصنيف والقاء الدروس الخاصة والعامة فى التفسير والأدب وعلوم الشريعة إلى أن وافاه الموت فى شهر رجب من سنة اثنين وثلاثين وثلاثمائة وألف من الهجرة.
رحمه الله ونفع به.
تفسير القاسمى
إذا أحببت أن تقرأ تفسيرا كاملا للقرآن لا تجد فيه خرافة ولا أسطورة ولا شيئا من الإسرائيليات المذمومة التى حشيت بها التفاسير فعليك بكتاب الإمام القاسمى (محاسن التأويل) الذى فسر به القرآن الكريم تفسيرا يعتبر نموذجا إلى حد كبير ..
وقد تحدث القاسمى فى مقدمة تفسيره فقال بعد أن أثنى على القرآن:
(وإنى كنت حركت الهمة إلى تحصيل ما فيه من الفنون والاكتمال باثمد مطالبه لتنوير العيون فاكببت على النظر فيه وشغفت بتدبير لآلئ عقوده ودراريه
وتصفحت ما قدر لى من تفاسير السابقين وتعرفت- حين درست- ما تخللها من الغث والثمين- ورأيت كلا- بقدر وسعه- حام حول مقاصده، وبمقدار طاقته جال فى ميدان دلائله وشواهده، وبعد أن صرفت فى الكشف عن حقائقه شطرا من عمرى ووقفت على الفحص عن دقائقه قدرا من دهرى أردت أن انخرط فى سلك مفسريه الأكابر قبل أن تبلى السرائر وتفنى العناصر).
وقد استخار الله تعالى فى تسميته وتأليفه ثم شرع فى تنفيذ ما عزم عليه فكان هذا الكتاب الجليل.
وكان شروعه فى هذا التفسير بعد تكرار الاستخارة فى العشر الأول من شوال سنة ست عشرة وثلاثمائة وألف من الهجرة وما أن تم هذا العمل الجليل حتى تفسيرا حافلا فى سبعة عشر مجلدا.
فسد فراغا وحقق نفعا للعامة والخاصة ونفع الله به المسلمين.
والناظر فى هذا التفسير يجد أن مؤلفه قد أفرد جزءا كاملا مقدمة لتفسيره وفى هذه المقدمة يتجلى منهجه فى التفسير بل فى التأليف عموما.
لقد ناقش قضايا عامة وخطيرة فيما يتصل بالتفسير ونقل كثيرا عن مشاهير العلماء فى الأصول والتفسير وسائر العلوم القرآنية.
لقد تحدث عن مصادر التفسير وعد أن أصولها أربعة:
الأول: النقل عن النبى صلى الله عليه وسلم وعلى المفسر بطريق النقل أن يحذر من الضعيف والموضوع.
الثانى: الأخذ بقول الصحابى اذ هو المعاصر للتنزيل والفاهم لجو القرآن.
الثالث: الأخذ بمطلق اللغة.
الرابع: التفسير بما يقتضيه معنى الكلام ومفهوم الشرع.
ومصادر مقدمته غالبا من الشيوخ المعروفين:
الإمام الشاطبى والإمام ابن تيمية وشذرات من كلام العز بن عبد السلام، والإمام الغزالى والراغب الاصفهانى وبعض العلماء المحدثين مثل الشيخ محمد عبده والشيخ رشيد رضا.
لقد كان الإمام القاسمى بوفرة اطلاعه ودقة فهمه وأمانته فى النقل ينتقى أجود الأقوال فيما يختص بموضوع بحثه ثم ينقله فى كتبه وعلى هذا النهج جرى فى تفسيره، فتفسيره أشبه ما يكون بحديقة غناء لا ترى فيها إلا زرعا ناضرا أو وردا عاطرا ولا تجد فيه ما يؤذى النفس ويثير الشعور ويمتاز هذا التفسير الجليل زيادة على التحرى فى النقل وحسن الاختيار والبعد عن الضعيف والموضوع بما يأتى:
1 -
العناية بالمعانى اللغوية للمفردات وتوجيه الاعراف فى سهولة ويسر دون تفريع أو تطويل.
2 -
اعتماده فى تفسير القرآن على القرآن ثم على السنة الصحيحة ثم على أقوال الصحابة وآراء السلف الصالح.
3 -
اهتمامه بالآيات التى تحتاج إلى بحث واطالته النفس فيها وذلك أن فى القرآن آيات بينه واضحة لا تحتاج إلى بحث لأنها واضحة من ناحية المعنى.
وفى القرآن آيات واضحة ولكن بعض المفسرين قد حاول اثارة الجدل فيها أو أخطأ فى فهمها أو فسرها باسرائيليات أو انحرفت بها الأهواء على أى وضع كانت ويشتد اهتمام مفسرنا بمثل هذه الآيات .. شارحا ومبينا ومحققا للحق وكاشفا لزيف الباطل .. وينقل فى سبيل ذلك عن القدماء ما يؤيد فكرته ويتخذ من هذا التأييد كمصدر أول- القرآن نفسه فإنه يفسر بعضه بعضا ويتخذ كذلك الأحاديث الصحيحة الشريفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كمصدر آخر ثم ينقل عن العلماء القدامى وعن العلماء المحدثين ما يؤيد وجهة نظره، وهى فى الأغلب الأعم وجهة نظر سليمة.
4 -
اهتمامة بذكر وجوه القراءات مع الترجيح بينها يقول فى تفسير قوله تعالى:
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ.
(آية 36 من سورة البقرة) فأزلّهما الشيطان عنها: أى اذهبهما عن الجنة وأبعدهما يقال: نزل عن مرتبته وزل عن ذاك: اذا ذهب عنك
…
وزل من الشهر كذا .. وقال ابن جرير: فأزلهما بتشديد اللام بمعنى استنزلهما .. من قولك زل الرجل فى دينه إذا هفا فيه وأخطأ فأتى ما ليس له اتيان فيه .. وازله غيره إذ سبب له ما يزل من أجله فى دينه أو دنياه .. وقرئ (فأزلهما) بالألف من التنحية فأخرجهما مما كان فيه من الرغد والنعيم والكرامة.
لقد ذكر الإمام القاسمى كلا من القراءتين والمعنى على حسب كل قراءة ونقل من كلام العلماء ما يؤيد ما ذهب إليه.
أما عن العلماء الذين تأثر بهم الإمام القاسمى فأولهم الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وهو يهتم اهتماما واضحا بكل ما انفراد به من آراء: انه ينقل عن ابن تيمية رأيه فى مجازات القرآن، وهو من الآراء التى اشتهر بها ابن تيمية وخالف فيها كثيرا من العلماء وذكر ابن تيمية منهجه فى التفسير ورأيه فى مناهج المفسرين.
وتأثر فى منهجه بهذا المنهج فى التفسير.
ولقد أعجب القاسمى بالإمام محمد عبده ونقل عنه رأيه فى وجوه التفسير ومراتبه نقلا عن مقدمة تفسير الإمام محمد عبده المشهور .. لقد نقلها محبذا لها مقرا لكل ما فيها .. ونستطيع أن نقول بحق: لقد تأثر القاسمى بهذا المنهج ونسق بينه وبين منهج ابن تيمية فى تفسيره لكن هذا الإعجاب بالشيخ محمد عبده لم يمنعه من مخالفة الاستاذ الإمام فى مسائل الملائكة وآدم وابليس والسحر وغير ذلك- لم يقل برأى الإمام فى هذه الأمور وسار على رأى الجمهور فى أنها حقائق وليست تعبيرا بالمثال والإرشاد والتفهيم.
ولعل هذا يكشف لنا جانبا هاما من جوانب الإمام القاسمى لقد كان يعجب بقدر وكان يتحكم فيما يختار ولا ينساق وراء الآراء تبعا لشهرة قائلها وانتشارها بين الناس.
ومن المعالم البارزة فى هذا التفسير اعتناء المفسر بالربط بين الآيات المختلفة والكشف عن مظاهر الحكمة فى ترتيب القرآن .. ففي سورة البقرة مثلا يتحدث عن الانتقال من قصة آدم ودعوة بنيه إلى الدين إلى الحديث عن بنى إسرائيل فى قوله تعالى:
قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ. (البقرة: 38، 39، 40) يتحدث عن الصلة بين الآيات فيقول:
ولما قدم الله تعالى دعوة الناس عموما وذكر مبدأهم .. دعا بنى إسرائيل خصوصا وهم اليهود- لانهم كانوا أولى الناس- بالإيمان بالنبى صلى الله عليه وسلم لأنهم يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل فدعاهم تارة بالملاطفة وتارة بالتخويف وتارة بإقامة الحجة وتوبيخهم على سوء أفعالهم.
ونعود فنقول: إن التفسير تعبير حى عن الشيخ القاسمى فى سعة علمه ووفرة مراجعه وحسن انتقائه وسلامة منهجه ودقته فى التعبير واقتصاره على قدر الحاجة- وقد ضم عصارات الأفكار وخلاصة آراء العلماء فى كثير من الآفاق العلمية والفكرية والعملية كما عبر عنها القرآن.
ومما يلاحظ على الإمام القاسمى فى تفسيراته إن استمداده من الإمام ابن كثير بلغ حدا كبيرا .. انه يكاد يشبه تفسير الإمام ابن كثير فى كثير من