الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات فى غريب القرآن للراغب الأصفهانى
ويسمى هذا الكتاب عادة: «المفردات للراغب الأصفهانى» .
أما الراغب الأصفهانى فإنه من أهل اصبهان أو أصفهان.
ولما تزود من العلم بحظ كاف يمم شطر بغداد، وكانت محط أنظار العلماء واشتهر بها شهرة واسعة.
ولا نعلم فى يقين متى كان ميلاده ولكن وفاته كانت على التقريب سنة 502 هـ، 1108 م.
ولقد كان الراغب أديبا قمة فى الأدب، وكان عالما من أئمة العلماء، وفقيها من خيرة الفقهاء. ولكن المادة التى كانت مدار تخصصه وشهرته كانت:
القرآن.
لقد انغمس فى أنوار القرآن واتخذه نبراسا لآرائه وسلوكه، وواتاه فى ذلك تمكنه من اللغة وذوقه الجميل فى الأدب.
ولقد ألف فى الجو القرآنى:
1 -
جامع التفاسير، وهو تفسير مستفيض، وإن كان لم يكمل، وقد طبعت مقدمته مبينة عن فضل عظيم للمؤلف فى مجال العلم بالقرآن وما ينبغى للمفسر. وقد اقتبس الإمام البيضاوى وغيره من هذا التفسير كثيرا.
2 -
حل متشابهات القرآن.
3 -
تحقيق البيان فى تأويل القرآن.
4 -
المفردات الذى سنتحدث عنه إن شاء الله.
ولكن إذا كانت هذه المؤلفات متصله بالقرآن مباشرة، فإن الكثير من
مؤلفاته الأخرى مستمد من القرآن الكريم، ونابع من أنواره، ومن ذلك مثلا كتاب:
وهو كتاب نفسى جدا ويقال: إن الإمام الغزالى قدس الله روحه كان لا يفارق هذا الكتاب فى حل ولا ترحال، وهذا الكتاب جدير بالاقتناء، وقد كان الشيخ محمد عبده عليه رحمة الله يستفيد منه كثيرا، وهو كتاب فى الأخلاق الإسلامية مصدره القرآن والسنة الشريفة.
وله كتاب آخر بعنوان: «الأخلاق» وأحيانا يسمى أخلاق الراغب، وهو كتاب يستمد أيضا من القرآن الكريم.
أما فى الأدب واللغة فله كثير من المؤلفات منها:
«محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء، وقد طبع فى القاهرة فى جزءين وهو يضم ظرائف وملحا مما وقع بين الأدباء أو مما كتبوه فى مؤلفاتهم.
وله فى هذا المجال:
«أفانين البلاغة» .
«وهو كتاب يبين إبانة واضحة عن المدى العظيم فى احاطة المؤلف بالبلاغة وعمق نظرته فيها، ولكن الطريف فى مؤلفات هذا العالم القمه هو كتابه:
«أدب الشطرنج» .
وهو كتاب له مفهومه الواسع فى حياة المؤلف انه يدل على:
1 -
لم يكن المؤلف متزمتا ولا متصنعا للتزمت.
2 -
كان المؤلف مرحا ولا يتنافى مرحه مع وقار العلم وكرامة العلماء.
3 -
كان المؤلف ذكيا يتحدى بذكائه فى هذه اللعبة: لعبة الذكاء والأذكياء.
أما مكانة المؤلف فى نظر العلماء فيكفينا أن نقول: إن الإمام فخر الدين الرازى صاحب التفسير المشهور والذى بلغ فى علم الكلام القمة، كان يقرن الراغب الأصفهانى بحجة الإسلام الإمام الغزالى.
والواقع أن بينهما شبها كبيرا، وألوان الشبه: ان كلا منهما كان من أهل السنة وكان كلاهما يرد على المعتزلة، وكان كلاهما مهتما بالأخلاق، وذلك لأن الأخلاق من الأسس الأصيلة التى تقوم عليها المجتمعات الصالحة.
وكتابة «المفردات» الذى نكتب عنه اليوم من الكتب التى لا غنى لعالم من علماء الإسلام عنها، وهو يتحدث فيه عن مفردات القرآن: يتتبع اللفظ فى الآيات القرآنية شارحا له فيها متحدثا عن مفاهيمه فى مختلف المواضع مستأنسا على ذلك بالحديث الشريف أو بأشعار العرب، وقد أجاد إجادة تامة فى الوصول إلى غايته وهى تفسير ألفاظ القرآن.
وقد رتب كتابه على ترتيب الحروف الهجائية، وذلك ليسهل الكشف فيه.
وهذا الكتاب يعتبره المؤلف «حلقة» بين حلقتين، احداهما سابقة قد تحققت أما الثانية: فإنها كانت فى عزم المؤلف عند ما شرع فى تأليف هذا الكتاب، ونترك المؤلف يعبر عن ذلك بقلمه، إنه يقول:
«وقد استخرت الله تعالى فى إملاء كتاب مستوفى فيه مفردات ألفاظ القرآن على حروف التهجى فتقدم ما أوله الألف ثم الباء على ترتيب حروف المعجم معتبرا فيه أوائل حروفه الأصلية دون الزوائد والإشارة فيه إلى المناسبات التى بين الألفاظ المستعارات منها والمشتقات حسبما يحتمل التوسع فى هذا الكتاب واحيل بالقوانين الدالة على تحقيق مناسبات الألفاظ على الرسالة التى عملتها مختصة بهذا الباب ففي اعتماد ما حررته من هذا النحو استغناء فى بابه من المثبطات عن المصارعة فى سبيل الخيرات وعن المسابقة إلى ما حثنا عليه بقوله تعالى سابقوا إلى مغفرة من ربكم سهل الله علينا الطريق إليها واتبع هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ونسأ فى الأجل بكتاب ينبئ عن تحقيق الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد وما بينها من الفروق الغامضة فبذلك يعرف
اختصاص كل خبر بلفظ من الألفاظ المترادفة دون غيره من أخواته نحو ذكره القلب مرة والفؤاد مرة والصدر مرة ونحو ذكره تعالى فى عقب قصة إن فى ذلك لآيات لقوم يؤمنون وفى أخرى لقوم يتفكرون وفى اخرى لقوم يعلمون وفى أخرى لقوم يفقهون وفى أخرى لأولى الأبصار وفى أخرى لذى حجر وفى أخرى لأولى النهى ونحو ذلك ما بعده يحق الحق ويبطل الباطل وأنه باب واحد فيقدر أنه إذا فسر الحمد لله بقوله الشكر لله ولا ريب فيه بلا شك فيه فسر القرآن ووفاه التبيان جعل الله لنا التوفيق رائدا والتقوى سائقا ونفعنا بما اولانا وجعله لنا من معاون تحصيل الزاد المأمور به فى قوله تعالى وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى. (سورة البقرة الآية 197) وأما مقدمة الكتاب فإنها تتحدث فى أسلوب رائق عن القرآن الكريم إذ يقول:
«الحمد لله رب العالمين وصلواته على نبيه محمد وآله أجمعين قال الشيخ أبو القاسم الحسين بن محمد بن الفضل الراغب رحمة الله اسأل الله أن يجعل لنا من أنواره نورا يرينا الخير والشر بصورتيهما ويعرفنا الحق والباطل بحقيقتهما حتى نكون ممن يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ومن الموصوفين بقوله تعالى:
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ.
(سورة الفتح الآية 4) وبقوله أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ. (سورة المجادلة الآية 22) كنت قد ذكرت فى الرسالة المنبهة على فوائد القرآن إن الله
تعالى كما جعل النبوة بنبينا مختتمة وجعل شرائعهم بشريعته من وجه منتسخة ومن وجه مكملة مننه تعالى:
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً (سورة المائدة الآية 3)
جعل كتابه المنزل عليه متضمنا ثمرة كتبه التى أولاها أوائل الأمم كما نبه عليه بقوله تعالى يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة وجعل من معجزة هذا الكتاب أنه مع قلة الحجم متضمن للمعنى الجم وبحيث تقصر الألباب البشرية عن احصائه والآلات الدنيوية عن استيفائه كما نبه عليه بقوله تعالى:
وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
(سورة لقمان الآية 27) لكن محاسن أنواره لا يثقفها إلا البصائر الجلية وأطايب ثمره لا يقطفها إلا الايدى الزكية ومنافع شفائه لا ينالها إلا النفوس النقية كما صرح تعالى به فقال فى وصف متناوليه:
إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ. فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ. لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ.
(سورة الواقعة الآية 77 و 78 و 79) وقال فى وصف سامعيه:
قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى.
(سورة فصلت الآية 44) وذكرت أنه كما لا تدخل الملائكة الحاملة للبركات بيتا فيه صورة أو كلب كذلك لا تدخل السكينات الجالبة للبينات قلبا فيه كبر وحرص:
الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ. (سورة النور الآية 26)
ودللت فى تلك الرسالة على كيفية اكتساب الزاد الذى يرقى كاسه فى درجات المعارف حتى يبلغ من معرفته أقصى ما فى قوة البشر أن يدركه من الأحكام والحكم فيطلع من كتاب الله على ملكوت السموات والأرض ويتحقق أن كلامه كما وصفه بقوله ما فرطنا فى الكتاب من شىء جعلنا الله كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم.
إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ.
(سورة القصص الآية 56) وذكرت أن أول ما يحتاج أن يشتغل به العلوم اللفظية ومن العلوم اللفظية تحقيق الألفاظ المفرقة فتحصيل معانى مفردات ألفاظ القرآن فى كونه من أوائل المعاون لمن يريد أن يدرك معانيه كتحصيل اللبن فى كونه من أول المعاون فى بناء ما يريد أن يبنيه وليس ذلك نافعا فى علم القرآن فقط بل هو نافع فى كل علم من علوم الشرع فألفاظ القرآن هى لب كلام العرب وزبدته وواسطته وكرائمه وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء فى احكامهم وحكمهم وإليها مفزع حذاق الشعر والبلغاء فى نظمهم ونثرهم وما عداها وعدا الألفاظ المتفرعات عنها والمشتقات منها هو بالإضافة إليها كالقشور والنوى بالإضافة إلى أطايب الثمرة، والحثالة والتبن بالإضافة إلى لبوب الحنطة.
والآن نورد نماذج من الكتاب:
1 -
(آدم) أبو البشر قيل: سمى بذلك لكون جسده من اديم الأرض وقيل لسمرة فى لونه يقال رجل آدم نحو اسمر وقيل سمى بذلك لكونه من عناصر مختلفة وقوة متفوقة كما قال تعالى «امشاج نبتليه» ويقال جعلت فلانا أدمة أهل أى خلطته بهم وقيل سمى بذلك لما طيب به من الروح المنفوخ فيه المذكور فى قوله ونفخت فيه من روحى وجعل له به العقل والفهم والروية التى فضل بها على غيره كما قال تعالى:
وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا.
(سورة الاسراء الآية 70) وذلك من قولهم الادام وهو ما يطيب به الطعام وفى الحديث لو نظرت إليها فإنها أحرى أن يؤدم بينكما أى يؤلف ويطيب.
2 -
(الرزق) يقال للعطاء الجارى تارة دنيويا كان أم أخرويا وللنصيب تارة ولما يصل إلى الجوف ويتغذى به تارة يقال أعطى السلطان رزق الجند ورزقت علما قال:
وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ.
(سورة المنافقون الآية 10) أى من المال والجاه، والعلم وكذلك قوله:
وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ.
(سورة البقرة الآية 2) كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ (سورة البقرة الآية 172) وقوله وتجعلون رزقكم أنّكم تكذّبون أى وتجعلون نصيبكم من النعمة تحرى الكذب وقوله وفى السماء رزقكم قيل عنى به المطر الذى به حياة الحيوان وقيل هو كقوله وأنزلنا من السماء وقيل تنبيه أن الحظوظ بالمقادير، وقوله تعالى:
فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ.
(سورة الكهف) أى بطعام يتغذى به وقوله تعالى:
وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ رِزْقاً لِلْعِبادِ.
(سورة ق الآية 10)
قيل عنى به الأغذية ويمكن أن يجمل على العموم فيما يؤكل ويلبس ويستعمل وكل ذلك مما يخرج من الأرضين وقد قيضه الله بما ينزله من السماء من الماء وقال فى العطاء الأخروى:
وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. (سورة آل عمران الآية 169) أى يفيض الله عليهم النعم الأخروية وكذلك قوله:
وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا. (سورة مريم الآية 62) وقوله:
إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ. (سورة الذاريات الآية 58) فهذا محمول على العموم والرزاق يقال لخالق الرزق ومعطيه والمسبب له وهو الله تعالى ويقال ذلك للانسان الذى يصير به وصول الرزق والرزاق لا يقال إلا لله تعالى وقوله:
وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ.
(سورة الحجر الآية 20) أى يسبب فى رزقه ولا مدخل لكم فيه وقوله:
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ.
(سورة النحل الآية 73) أى ليسوا بسبب فى رزق بوجه من الوجوه، وبسبب من الأسباب ويقال ارتزق الجند اخذوا أرزاقهم والرزقة ما يعطونه دفعة واحدة، وهذا الكتاب النفيس مطبوع عدة طبعات.