الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإمام أبو العباس المرسى وتفسيره
لم يكن أبو العباس معنيا بالحديث عن نفسه، ولم يكن مهتما بالتاريخ لحياته انه لم يتحدث عن اسرته، ولم يتحدث عن نفسه، ولم يشد بأفعاله، لقد فنى فى أبى الحسن، فلم يكن فى آفاقه فراغ للحديث عن نفسه، ثم فنى فى الدعوة إلى الله بعد أبى الحسن، فلم يكن فى آفاقه فراغ للحديث عن نفسه.
ويحدثنا التاريخ أنه ولد فى الاندلس «مرسية» التى ينسب إليها، ولد سنة- 616 هـ 1219 م، ويتصل نسبه بالانصار الذين أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن حبهم من علامات الايمان، ان نسبه يتصل بسعد بن عبادة، سيد الخزرج.
ولد فى «مرسية» ونشأ بها، حيث كان والده يعمل فى التجارة، ويبدو أن حالة الوالد كانت من اليسر بحيث مكنته من ارسال ابنه إلى مؤدب لتعلم القرآن، والتفقه فى أمور الدين، يقول أبو العباس:- «كنت وأنا صبى، عند المؤدب، جاء رجل فوجدنى اكتب فى لوح، فقال الصوفى لا يسود بياضا، فقلت: ليس الأمر كما زعمت، ولكن لا يسود الصحائف بسود الذنوب» .
هذه القصة تدل دلالة واضحة على ذكاء غير عادى، وعلى مهارة وفهم لا يوجدان فى المستوى العام، فى اطفال المكاتب، وترسم أيضا اتجاها إلى الصلاح، والتقوى منذ هذه السن المبكرة.
وعن بعض حوادثه مع المؤدب يقول: عمل إلى جانب دارنا خيال خيال الستار، وأنا اذ ذاك صبى فحضرته، فلما أصبحت اتيت إلى المؤدب، وكان من أولياء الله تعالى، فأنشد حين رآنى.
يا ناظرا صور الخيال تعجبا
…
وهو الخيال بعينه لو أبصرا
فخجل أبو العباس، وعزم فى نفسه أن يأخذ فى حياته مسلك الجد.
وأعظم حادث فى حياة أبى العباس هو صلته بأبى الحسن الشاذلى وعن بدء هذه الصلة يقول: فلما نزلت بتونس، وكنت اتيت من «مرسية» - وأنا إذ ذاك شاب- سمعت بذكر الشيخ أبى الحسن الشاذلى، فقال لى رجل:
تمضى بنا إليه، فقلت حتى استخير الله فنمت تلك الليلة، فرأيت كأنى أصعد إلى رأس جبل، فلما علوت فوقه، رأيت هنالك رجلا، عليه برنس أخضر، وهو جالس، وعن يمينه رجل، وعن يساره رجل فنظرت إليه، فقال:
عثرت على خليفة الزمان، قال: فانتبهت.
فلما كان بعد صلاة الصبح، جاءنى الرجل الذى دعانى إلى زيارة الشيخ فسرت معه فلما دخلنا عليه، رأيته بالصفة التى رأيته بها فوق الجبل، فدهشت .. فقال لى: عثرت على خليفة الزمان، ما اسمك؟ فذكرت له اسمى، ونسبى، فقال لى:- رفعت لى منذ عشر سنين، وبهره أبو الحسن بهره بحديثه المنطلق، والهاماته المندفعة وسلوكه الربانى، فلازمه أبو العباس ملازمة المريد الصادق لشيخه العارف.
ورأى الشاذلى فيه فطرة طاهرة، ونفسا خيرة، واستعدادا طيبا، للاقبال على الله: فمنحه وده، وغمره بعنايته، وأخذ فى تربيته تربية تؤهله ليكون خليفة من بعده.
وحدث فى تونس سوء التفاهم بين الشاذلى، وقاضى القضاة ابن البراء، هذا الخلاف الذى سبق ان فصلناه فى كتابنا عن «المدرسة الشاذلية» وكانت نتيجته ان غادر الشاذلى تونس، ميمها شطر الديار المصرية، ورافقه فى هذا السفر جماعة كان على رأسهم أبو العباس.
واستمر أبو العباس مع الشاذلى يسير فى ضوء تربيته، ومنهج طريقه لا يحيد عنه قيد شعره إلى ان كانت وفاة الشاذلى.
لقد بشر الشاذلى بأنه سيموت ويدفن بأرض لم يعص الله عليها قط، فلما كان فى طريقه إلى الحج ووصل إلى حميثرة، وقد خيم الركب للمبيت جمع أصحابه وأوصاهم بأشياء وأوصاهم حزب البحر، وقال لهم: حفظوه لأولادكم، فإن فيه اسم الله الأعظم.
وخلا بأبى العباس وحده رضى الله عنهما وأوصاه بأشياء، واختصه بما اختصه الله به من البركات.
وقال لأصحابه: إذا أنامت فعليكم بأبى العباس المرسى: فإنه الخليفة من بعدى، وسيكون له بينكم مقام عظيم، وهو باب من أبواب الله سبحانه يقول صاحب كتاب درة الأسرار نقلا عن نجل الشيخ أبى الحسن: وبات تلك الليلة متوجها إلى الله سبحانه، ذاكرا، أسمعه يقول: الهى، الهى.
فلما كان السحر سكن فظننا أنه نام، فحركناه فوجدناه ميتا، رحمه الله.
واستدعينا سيدى أبا العباس المرسى، فغسله وصلينا عليه، ودفناه بحميثرة، وهذا الموضع ببرية عيذاب، فى واد على طريق الصعيد.
يقول صاحب «درة الأسرار» وقد شربت من مائها، وزرت ضريحه، ورأيت له البركات نفع الله به فى الدنيا والآخرة.
وقال: ولما دفناه، اختلف اصحابه فى الرجوع، أو التوجه، فقال لهم سيدى أبو العباس: الشيخ أمرنى بالحج ووعدنى بكرامات، وتوجهنا، ورأينا تهوينا، وبركات، ورجعنا فى صحبته.
…
وظهر أبو العباس من بعد الشاذلى ظهورا عظيما، وظهرت له كرامات كثيرة على أنه كان يبدو واضحا من مواقف أبى الحسن مع أبى العباس ومن
حديثه عنه أنه: كان يعده للخلافة، بل لقد اقامه فيها بصورة تشبه أن تكون صريحة حينما استدعاه، وقال له: يا أبا العباس، تكلم بين الناس. فجلس فى جامع العطارين بالاسكندرية فعاصره بالكلام والتدريس والدعوة إلى الله عن اذنه وبأمر منه، وحمل أبو العباس لواء الدعوة إلى الله طيلة حياته متفانيا فيها، باذلا كل ما يستطيع فى سبيلها حتى انتهت به الحياة راضيا عن الله، مرضيا عنه من الله وكان ذلك فى الخامس والعشرين من ذى القعدة سنة 685 هـ- 1287 م، وكان يبلغ تقريبا سبعين عاما، رحمه الله رحمة واسعة.
ويروون له كرامات كثيرة منها على سبيل المثال: إن السلطان يعقوب، أمر بذبح دجاجة وخنق أخرى، وطبخها، وقدمها إليه، وجلس ليأكل معه، فلما نظر الشيخ أبو العباس إليهما، أمر الخادم برفع المخنوقة، وقال:
هذه جيفة، وقال: لولا تنجس الأخرى بالمرق النجس لأكلت منها، وقاله الشعرانى، قال المناوى، وقدم إليه رجل طعاما فيه شبهة يمتحنه فرده وقال كان الحاسبى، إذا مد يده إلى طعام فيه شبهة ضرب عرق باصبعه فأنا فى يدى ستون عرقا تضرب.
ومن كراماته التى انفرد بها عن غالب الأولياء تسليكه لنحو ثلاثين قاضيا، وكان يقول للعرشى: ليس الشأن أن تسلك كل يوم ألفا من العوام، بل ان تسلك فقيها واحدا فى مائة عام.
وقال الشيخ حسن العدوى فى كتابه «شرح البردة البوصيرية» .
قال بعضهم: صليت خلف الشيخ أبى العباس فشهدت الأنوار ملأت بدنه، وانبثقت من وجوده، حتى أنى لم استطع النظر إليه.
مات سنة 686 هـ بالاسكندرية، رحمه الله ا. هـ.
ومع ذلك فقبل ان ننتهى من الكرامات نقول انه رضى الله عنه كان يقول هذه الكلمة المخلصة.