الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(تفسير ابن تيمية)
كان لابن تيمية فهم ممتاز فى كتاب الله، ولم يؤلف تفسيرا خاصا، بل تناثر تفسيره فى ثنايا كتبه وفتاواه ورسائله، وكتب ما كتبه منه فى أوقات مختلفة بحسب المناسبات وقد قام جامع فتاواه عبد الرحمن بن محمد بن قاسم الجنيدى الحنبلى، يجمع ما كتبه فى مجال التفسير فى المجلد الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، من مجموع فتاوى ابن تيمية فلم تخل سورة من تناول ابن تيمية لآية أو آيات منها مما يسهل لنا فهم
منهجه فى التفسير
والبحث عن مطابقة هذا المنهج لما قام بتفسيره.
منهجه فى التفسير
:- قسم ابن تيمية التفسير إلى نوعين:- تفسير بالنقل، وتفسير بالعقل.
أما عن التفسير بالنقل فذكر أن النبى صلى الله عليه وسلم فسر القرآن كله للصحابة.
قال تعالى:
وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ.
(سورة النحل الآية 44) وذكر أن الصحابة فسروا القرآن للتابعين، وتحدث عن قلة الاختلاف بين الصحابة فى التفسير، ثم شاع الخلاف بعد عصرهم شيئا فشيئا حتى وصل إلى حالة من التضاد والتناقض.
ويرى ابن تيمية أن الخلاف بين السلف فى التفسير هو اختلاف تنوع
لا اختلاف تضاد كاختلافهم فى تفسير الصراط المستقيم حيث قال بعضهم هو القرآن.
وقال بعضهم: هو الإسلام، والقولان متفقان، لأن دين الإسلام هو اتباع القرآن ولكن كل واحد منهما نبه على وصف غير الوصف الآخر، وكذلك قول من قال هو السنة والجماعة وقول من قال: هو طريق العبودية، وقول من قال هو طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وامثال ذلك فهؤلاء كلهم اشاروا إلى ذات واحدة، يقصد اتباع القرآن، لكن وصفها كل منهم بصفة من صفاتها.
ويرى ابن تيمية أن أحدا من علماء المسلمين لم يقل باختصاص اللفظ العام الوارد بسبب حادث معين بهذا الحادث، وان الاختلاف إنما هو فى اختصاص هذا اللفظ بنوع ذلك السبب وما يشابهه أو شموله لكل ما يتناوله اللفظ.
فمثلا روى أن قوله تعالى:
وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ.
(سورة المائدة الآية 49) نزل فى بنى قريظة والنضير، واللفظ عام ليس فيه اختصاص: فهل يشمل هذا القول ما يماثل سبب النزول فقط، أو يعم كل حكم، وكل حاكم على مدى الزمان.
ولم يقل أحد بتعطيل الآية، أو الوقف عن الأخذ بها بعد زوال سببها وهم بنو قريظة وبنوا النضير، أو بعد زوال الوقت الذى نزلت فيه.
وقد تحدث ابن تيمية عن استطراد كثير من المفسرين بالنقل، فيما يفيد ولا دليل على الصحيح منه مثل اختلافهم فى لون كلب اصحاب الكهف ومقدار سفينة نوح ونوع خشبها ونحو ذلك- ويبين ان ما كان من هذا القبيل طريقه النقل الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم فهو مقبول كالعلم بأن اسم صاحب
موسى الخضر وان كان عن غير طريق صحيح إلى الرسول صلى الله عليه وسلم رددنا ما قطعنا بكذبه وتوقفنا فيما صح عن أهل الكتاب لقوله صلى الله عليه وسلم:
لا تصدقوا اهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا آمنا بما انزل الينا وما انزل اليكم والهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون.
ثم يتحدث ابن تيمية عن القسم الثانى من التفسير وهو التفسير بالعقل فيقول: ان فى هذا اللون من التفسير خطأ وهذا الخطأ له وجهان:- الأول:- قوم اعتقدوا معانى ثم ارادوا حمل الفاظ القرآن عليها فراعوا المعنى الذى رأوه واعتقدوه من غير نظر إلى ما تستحقه الفاظ القرآن من الدلالة والبيان، يريد انهم يحللوا من كل ما ورد مما يتصل بالآية كسبب النزول والناسخ والمنسوخ والبيان النبوى لكثير من الآيات.
الثانى:- قوم فسروا القرآن بمجرد ما يفيده اللفظ العربى من غير نظر إلى منزل القرآن والمنزل عليه والمخاطب به فراعوا جانب اللفظ وتركوا ما عداه وكل من الطريقتين الأخريين فيما يرى ابن تيمية خطأ وأحسن طرق التفسير فى نظره تفسير القرآن بالقرآن فإن لم يتيسر ذلك فسرناه بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، قال الشافعى رحمه الله: كل ما حكم به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو بما فهمه من القرآن- ولهذا قال صلى الله عليه وسلم.
«الا انى اوتيت القرآن ومثله معه» أى السنة والسنة ايضا تنزيل عليه بالوحى كما ينزل القرآن لا انها لا تتلى كما يتلى.
وإذا لم يتيسر التفسير بالقرآن والسنة رجعنا إلى اقوال الصحابة لا سيما كبراؤهم وعلماؤهم كالخلفاء الراشدين وابن مسعود وابن عباس وغيرهم.
فهم الدين شاهدوا التنزيل وعاصروا اسباب النزول وعرفوا الناسخ من المنسوخ وتلمسوا الجوانب المحيطة بالقرآن والمعانى التى اشار إليها الرسول صلى الله عليه وسلم وهم انضر الناس فهما واقدرهم على الاجتهاد والاستنباط.
فإن لم نجد التفسير فى اقوال الصحابة آخر ففيما اجمع عليه التابعون ثم تخيرنا فيما روى عنهم ثم لجأنا إلى الاجتهاد بالرأى فى حدود المنهج المقبول.
وهذا المنهج الذى رسمه ابن تيمية للتفسير منهج سلفى لا مجال للطعن فيه.
ولكن ابن تيمية فى تفسيره قد ابتعد فى بعض الأحيان عن هذا المنهج وإليك نموذجا من تفسيره:
سئل رضى الله عنه عن قوله تعالى:
ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ.
(سورة الانعام الآية 2) وقوله تعالى:
وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ.
وقوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ.
(سورة الرعد الآية 39) هل المحو الاثبات فى اللوح المحفوظ والكتاب الذى جاء فى الصحيح (ان الله تعالى كتب كتابا فهو عنده على عرشه) الحديث.
وقد جاء: «جف القلم» فما معنى ذلك فى المحو والاثبات؟
وهل شرع فى الدعاء ان يقول: «اللهم ان كنت كتبتنى كذا فامحنى واكتبنى كذا فإنك قلت: «يمحو الله ما يشاء ويثبت» .
وهل صح ان عمر كان يدعو بمثل هذا؟ وهل الصحيح عندكم ان العمر يزيد بصلة الرحم كما جاء فى الحديث؟ افتونا ماجورين.
فأجاب رضى الله عنه: الحمد الله رب العالمين.
أما قوله سبحانه: ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ فالاجل الأول هو أجل كل عبد الذى ينقضى به عمره، والأجل المسمى عنده هو اجل القيامة العامة.
ولهذا قال: «مسمى عنده» فإن وقت الساعة لا يعلمه ملك مقرب ولا نبى مرسل، كما قال: يسألونك عن الساعة ايان مرساها؟ قل: انما علمها عند ربى، لا يجليها لوقتها إلا هو بخلاف ما إذا قال مسمى.
كقوله: «إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى» إذ لم يقيد بأنه مسمى عنده، فقد يعرفه العباد وأما أجل الموت فهذا تعرفه الملائكة الذين يكتبون رزق العبد وأجله وعمله، وشقى او سعيد كما قال فى الصحيحين عن ابن مسعود: أحدكم يجمع خلقه فى بطن امه اربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث إليه الملك، فيؤمر بأربع كلمات فيقال، اكتب رزقه، وأجله وعمله، وشقى أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح فهذا الأجل الذى هو أجل الموت قد يعلمه الله لمن شاء من عباده.
وأما أجل القيامة المسمى عنده فلا يعلمه إلا هو.
وأما قوله: وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ فقد قيل ان المراد الجنس أى ما يعمر من عمر انسان، ولا ينقص من عمر انسان، ثم التعمير والتقصير يراد به شيئان:
«أحدهما» أن هذا يطول عمره، وهذا يقصر عمره، فيكون تقصيره نقصا له بالنسبة إلى غيره، كما ان المعمر يطول عمره، وهذا ينقص عمره، فيكون تقصيره نقصا له بالنسبة إلى غيره. كما ان التعمير زيادة بالنسبة إلى آخر.
وقد يراد بالنقص من العمر المكتوب، كما يراد بالزيادة الزيادة فى العمر المكتوب. وعن النبى صلى الله عليه وسلم انه قال: «من سره ان يبسط له فى رزقه،
وينسأ له فى اثره فليصل رحمه» وقد قال بعض الناس: ان المراد به البركة فى العمر، بأن يعمل فى الزمن القصير ما لا يعمله غيره إلا فى الكثير، قالوا: لأن الرزق: والأجل مقدران مكتوبان.
فيقال لهؤلاء تلك البركة. وهى الزيادة فى العمل، والنفع هى أيضا مقدرة مكتوبة وتتناول لجميع الأشياء.
والجواب المحقق: ان الله يكتب للعبد اجلا فى صحف الملائكة فإذا أوصل زاد فى ذلك المكتوب وان عمل ما يوجب النقص نقص من ذلك الكتاب.
ونظير هذا ما فى الترمذى وغيره عن النبى صلى الله عليه وسلم:
ان آدم لما طلب من الله ان يريه صورة الأنبياء من ذريته فأراه اياهم، فرأى فيهم رجلا له بصيص، فقال: من ذا يا رب؟ فقال: ابنك داود.
قال: فكم عمره؟ قال اربعون سنة. قال: وكم عمرى؟ قال: ألف سنة. قال: فقد وهبت له من عمرى ستين سنة. فكتب عليه كتاب، وشهدت عليه الملائكة، فلما حضرته الوفاة قال: قد بقى من عمرى ستون سنة. قالوا: وهبتها لابنك داود. فأنكر ذلك: فأخرجوا الكتاب، قال النبى صلى الله عليه وسلم فنسى آدم فنسيت ذريته: جحد آدم فجحدت ذريته، وروى انه كمل لآدم عمره ولداود عمره.
فهذا داود كان عمره المكتوب اربعين سنة، ثم جعله ستين، وهذا معنى ما روي عن عمر انه قال: اللهم ان كنت كتبتنى شقيا فامحنى واكتبنى سعيدا فإنك تمحو ما تشاء وتثبت. والله سبحانه عالم بما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون فهو يعلم ما كتبه له وما يزيده اياه بعد ذلك والملائكة لا علم لهم إلا ما علمهم الله والله يعلم الأشياء قيل كونها وبعد كونها.
فلهذا قال العلماء: ان المحو والاثبات فى صحف الملائكة، وأما علم الله سبحانه فلا يختلف ولا يبدله ما لم يكن عالما به، فلا محو فيه ولا اثبات.
وأما اللوح المحفوظ فهو فيه محو واثبات على قولين. والله سبحانه وتعالى أعلم.