الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تاج التفاسير لكلام الملك الكبير للامام محمد عثمان الميرغنى
إنه تفسير فى جزءين، كل منهما يقرب من ستمائة صحيفة، وهو مؤلف على سبيل الايجاز على غرار تفسير الامامين الجليلين: جلال الدين المحلى، وجلال الدين السيوطى.
أما مؤلف هذا التفسير الجليل: فهو امام من كبار الائمة فى العصر الحديث وكان له أثر كبير فى نشر الدعوة الاسلامية فى افريقيا، وكان من أثر تبشيره أن اعتنق الاسلام على يديه عشرات الألوف من الوثنيين.
ولقد اتخذ الاسلوب الموفق للدعوة وذلك أنه كان صوفيا قد تجرد من الطمع والشره واخذ الاجر على دعوته.
كان متواضعا، رفيقا، زاهدا، عابدا، ذاكرا صاحب اوراد وحضرات، فكان بذلك يجذب العدد الكثير إلى الاسلام.
ولد رضى الله عنه فى الطائف فى سنة 1308 هجرية، وفقد والديه صغيرا فكفله عمه، وأخذ الامام فى الدراسة والتعليم، فحفظ القرآن وتعلم العلم وأصبح فى مكانة علمية مرموقة ودفعته نزعته الدينية وشعوره الروحى الفطرى أن يتلمس الطريق إلى الله على مذهب التصوف وبعد دراسة علمية عند هؤلاء وأولئك استقر به المقام عند الشيخ أحمد بن ادريس الفاسى الذى كان يتخذ من مكة مقاما، وهو الذى وجهه إلى الرحلة التبشيرية.
سافر الامام إلى مصر والحبشة واريتريا، وتوقف فى اريتريا فترة من الزمن هاديا مرشدا، وقد كان يسكن جبال اريتريا كثير من القبائل الوثنية فانغمس فيهم، ولما رأوا النور فيه والاشراق تابعوه وأخذوا عليه العهد، ولما اطمأن إلى خلفائه فى اريتريا ذهب إلى صعيد مصر، ومكث فترة سافر بعدها إلى السودان
متنقلا بين سهوله وجباله شرقا وغربا، ولما وصل كردفان أسس فيها مسجدا كعادته فى كل مكان يطيل فيه الاقامة السنية التى تسمى الآن الختمية. أما مدينة سواكن فإنه أسس بها ثلاثة مساجد.
ومن الطريف أنه أسس فى هذه المدينة مدرسة لتعليم المرأة فكانت أول مدرسة أسست للمرأة فى السودان، ومن هذه المسألة تبين افقه الواسع وفكره الثاقب.
وفى أثناء هذه الرحلات الكثيرة كان يؤلف فى المسائل التى تعرض له أثناء سياحته.
ان مشاكل المجتمعات كثيرة، ولا بد لها من حل فكان الامام كلما عرضت له مشكلة ألف فيها حتى لا تكون فتواه كلاما ينسى على مر الزمن.
ومن مؤلفاته، وربما كان اهمها كتابه «تاج التفاسير» الفه فى الربع الثانى من القرن الثانى عشر الهجرى، يقول بعض من كتبوا عنه:
«وقد امتاز تفسيره بوضوح الاسلوب والخلوص من مصطلحات العلوم والفنون، فهو يتناول الآيات الكريمة ويفسرها تفسيرا يقوم على الدلالات اللغوية وربطها بما ترمى إليه من المعانى الشرعية والروحية فى أسلوب مبين، وعبارة موجزة واضحة لا لبس فيها ولا غموض.
وقد خلا هذا الكتاب من الاسرائيليات ومن الاسهاب فى القصص التاريخى، والتزم بما جاء فى أوائل السور المرموزة من التفسير الاشارى، وان كان لا يتعرض اليه- فيما عدا ذلك- إلا قليلا مما لا يتعارض مع ما يرمى اليه النظام الحكيم- هذا مع العناية بالقراءات فى غير اسهاب ولا تطويل، بالاضافة إلى ذكر الاحاديث النبوية الواردة فى فضائل السور.
أما المؤلف نفسه فإنه يقول فى تواضع جم:
«لقد رسخ فى الخاطر الغائر منذ سنوات مع التماس بعض الاحباب
الاكابر، والاخلاء أصحاب الخاطر العاطر، تأليف تفسير لكلام من لا يحيط بعلوم سواه، ولا يعلم اجمال وتفصيل ما به العلوم غير مصطفاة، ولكن عبر كل وبحسب ما اقتبس من مشكاة بحر انواره، فافتقيت الاثر، واستمددت منه ومن كتب أخباره المستمدين منه فوضعت هذا التفسير واختصرته الاختصار الذى لا يفيد دونه الصغار ولا الكبار وجعلته فى عبارة سهلة يفهمها العوام والخواص ومزجه بالسنة الغراء» أ. هـ.
وهاك نموذجا من تفسيره .. يقول تعالى:
إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ، لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (المائدة: 118، 119) يقول: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ أى تعذب من كفر منهم فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ لا شريك لك فيهم وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ أى تغفر لمن آمن منهم، فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ القادر على الثواب والعقاب الْحَكِيمُ فى تنزيل كل أحد منزله.
وفى الصحيحين: عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال:
«يا أيها الناس انكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلا، كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا انا كنا فاعلين، ألا وان أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم صلى الله عليه وسلم الا وانه يجاء يوم القيامة برجال من أمتى فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: يا رب أصحابى فيقال: انك لا تدرى ما أحدثوا بعدك؟ فأقول كما قال العبد الصالح: «وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شىء شهيد، ان تعذبهم فإنهم عبادك، وان
تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم» فيقال لى: «انهم لم يزالوا مرتدين على اعقابهم منذ فارقتهم» .
وفى الحديث أنه قام صلى الله عليه وسلم ليلة كاملة بآية، والآية: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
قال الله هذا يوم، وقرئ يوم، أى يوم القيامة «ينفع الصادقين» الذين صدقوا فى معاملة الله «صدقهم» .
وفى الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عليكم بالصدق، فإنه باب من أبواب الجنة وإياكم والكذب فإنه باب من أبواب النار» .
«لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار» محتوية على أشرف النعم بفضل الغفار «خالدين» فيها أبدا «لا يخرجون منها» رضى الله عنهم «وأحلهم بحبوحة رضاه» ورضوا عنه حيث أولاهم نعماه ودخول حماه، وشهود محياه.
ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وكيف لا وقد احتوى على النظر لوجه الله الكريم» أ. هـ.
ونموذج آخر من تفسيره: يقول الله تعالى:
إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ، ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ.
فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ. قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ.
وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ، وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ، انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. (الأنعام: 97، 98، 99) يقول:
«إن الله فالق» شاق «الحب» بالنبات «والنوى» من النخل «يخرج الحى كالإنسان والطير» من الميت «كالنطفة والبيضة» ومخرج الميت «كالنطفة والبيضة» من الحى «من الإنسان والطير» ذلكم الله «هو القادر على ذلك» فانى «فكيف» «تؤفكون» تصرفون عن توحيده، مع هذه الدلائل الواضحة- «فالق الإصباح» شاق عمود الصبح عن ظلمة الليل- وقرئ الأصباح بفتح الهمزة، فالق بالنصف «وجعل الليل سكنا» يسكن فيه الخلق من التعب، لأن فيه النوم، والنوم به الراحة، وقرئ .. وجعل الشمس والقمر وقرئ
بالجر، وقرئ بالرفع «حسبانا» تحسب بهما الأوقات «ذلك» تسييرهما بالحساب «تقدير العزيز» مقدرة لهما على السير المطلوب منهما العليم بكيفية سيرهما «وهو الذى جعل» خلق «لكم النجوم» رحمة منه لتهتدوا بها «فى سيركم» فى ظلمات البر والبحر وتعرفوا بها الجهات «قد فصلنا» بينّا الآيات الدالات على كمال قدرتنا «لقوم يعلمون» وفى ذلك يتفكرون، وفى الخبر قال صلى الله عليه وسلم:«تعلموا من النجوم ما تهتدون به فى ظلمات البر والبحر، ثم انتهوا» أخرجه ابن مردويه فى تفسيره «وهو الذى انشأكم» خلقكم «من نفس واحدة» أى آدم «فمستقر» فى الاصلاب ومستودع فى الارحام، «قد فصلنا الآيات» بيناها «لقوم يفقهون» وعن الله يفهمون «وهو الذى أنزل من السماء» لإغائة عباده «ماء» مطرا «فأخرجنا» لرزق عباده «به» الضمير للماء «نبات» نبت كل شىء من أصناف المنبت «فأخرجنا منه» أى من النبات «خضرا»
شيئا أخضر «نخرج منه» الضمير للخضر «حبا متراكبا» سنابل «ومن النخل» من طلعها وهو أول ما يخرج منها «قنوان» عراجي «دانية» قريب بعضها من بعض «وجنات» بساتين «من أعناب» أي من عنب وهو من أشرف الفواكه وأحسنها وألطفها، وفيه يقول الله لموسى فى مكالمته:«يا موسى لو كنت آكلا لأكلت الخبز بالعنب» وفى الجاف منه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالزبيب فإنه يكشف المرة ويذهب بالبلغم، ويشد العصب، ويذهب العياء، ويحسن الخلق، ويطيب النفس ويذهب الهم» رواه أبو نعيم.
«والزيتون» هو شجر أيضا شريف فيه بركة كثيرة «والرمان» وهو من ألطف الفواكه وأحسنها «مشتبها وغير متشابه» فى الألوان والطعوم «انظروا» معتبرين «إلى ثمره إذا أثمر» كيف يثمر ضعيفا كأنه لا ينتفع به «وينعه» كيف يعود ضخما ينفع ويلذ «ان فى ذلكم» من الأشياء المذكورة «لآيات» تدل على كمال قدرة الحق «لقوم يؤمنون» فإن نور الإيمان هو الذى به يهتدى.