الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السراج المنير للخطيب الشربينى
يقول المؤلف فى هذا التفسير:
ولقد يظن بعض الناس من هذه الكلمة أن الخطيب الشربينى يجب الفخر أو يشعر بالخيلاء، ولكن ذلك أبعد الأشياء عن فطرته.
ولقد كانت فطرته التى صقلتها دراسته الدينية من أنقى الفطر وأطهرها وإذا نظرت إلى حياته فإنك تجده من كبار العلماء.
تلقى العلم على أعلام عصره مثل الشيخ أحمد البرلسى، والنور المحلى، والشهاب الرملى وغيرهم.
ولقد أجازوه بالافتاء والتدريس فى حياتهم، فدرس وأفتى فى حياة أشياخه، وقد انتفع بعلمه: تدريسا وكتبا خلق لا يكادون يحصون.
ومن كتبه شرح كتاب المنهاج وشرح كتاب التنبيه وهما شرحان نفيسان أقبل الناس على قراءتها وكتابتهما فى حياته، وله على الغاية شرح مطول حافل.
وكان الشيخ يستخدم علمه فى كل الظروف، وكان حركة لا تهدأ فإنه كان حينما يحج لا يركب، وإنما يستمر سائرا على قدميه إلى أن يبلغ به التعب مداه فيركب إلى أن يستريح ثم يعود إلى السير من جديد.
وكان إذا خرج من بلدته «بركة الحاج» إلى الحج لم يزل يعلم الناس مناسك الحج ومناسك الحج لا يعلمها كثير من الذاهبين إلى بيت الله الحرام،
فكان الشيخ يعلمهم المناسك ويعلمهم آداب السفر وذلك أن للسفر فى الجو الإسلامى آدابا معينة هى من آداب الإسلام.
وكان يحث رفاقه على الصلاة ويعلمهم القصر أثناء السفر والجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء.
وكان هو يكثر فى الطريق من قراءة القرآن، ومن الذكر والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم.
أما حينما يكون بمكة فإنه يكثر من الطواف فإنه العبادة المفضلة فيما يتعلق بالنوافل حينما يكون الإنسان بالمسجد الحرام.
وكان يكثر من الصوم فى السفر وفى مكة.
وكان يؤثر على نفسه فقد كان يحاول دائما أن يكون من الذين يؤثرون على أنفسهم، ولو كان بهم خصاصة.
ويقول المؤرخون: أجمع أهل مصر على صلاحه ووصفوه بالعلم والعمل، ووصفوه بالزهد والورع، ووصفوه بكثرة النسك والعبادة. ومما يدل على اتجاهه إلى العبادة ومرضات الله تعالى أنه حينما كان يحل شهر رمضان يعتكف فى أول يوم من الشهر ويستمر فى المسجد عابدا مصليا قائما قارئا للقرآن ولا يخرج من الجامع إلا بعد صلاة العيد.
ويقول المؤرخون حينما ينتهون من الحديث عن حياته:
«وبالجملة: كان آية من آيات الله تعالى، وحجة من حججه على خلقه» .
ومع أنه كان بهذه المكانة العلمية والاجتماعية، فإنه كان يؤثر «الخمول» كما تقول الكتب التى تؤرخ له، وما كان الشيخ خاملا، كلا، وهو صاحب هذا النشاط الجم، وإنما يقصدون بالخمول أنه ما كان يجرى وراء دنيا وما كان يتهافت على المناصب ولا يقف بأبواب الحكام.
ولقد أعلن الشيخ عن ظروف تاليف الكتاب، وعن منهجه فى التأليف من حيث الحجم، ومن حيث التزام الصحة فى الروايات، ومن حيث النحو، ومن حيث القراءات وفى كل ذلك يقول:
«
…
ثم سألنى بعد ذلك جماعة من أصحابى المخلصين
…
أن أجعل لهم تفسيرا وسطا بين الطويل الممل، والقصير المخل، فأجبتهم إلى ذلك ممتثلا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه أبو سعيد الخدرى رضى الله تعالى عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال:
«ان رجالا يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون فى الدين، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا» .
واقتداء بالماضين من السلف فى تدوين العلم ابقاء على الخلف. وليس على ما فعلوه مزيد، ولكن لا بدّ لكل زمان من تجديد ما طال به العهد، وقصر للطالبين فيه الجد والجهد، تنبيها للمتوقفين، وتحريضا للمتثبطين، وليكون ذلك عونا لى، وللقاصرين مثلى مقتصرا فيه: على أرجح الأقوال، وإعراب ما يحتاج إليه عند السؤال وترك التطويل بذكر أقوال غير مرضية وأعاريب محلها كتب العربية، وحيث ذكرت فيه شيئا من القراءات فهو من السبع المشهورات، وقد اذكر بعض أقوال وأعاريب لقوة مداركها أو لورودها ولكن بصيغة «قيل» ليعلم أن المرضى أولها
…
ولقد حاول الشيخ حقا أن يجرد كتابه عن الروايات الضعيفة وينتقد ما ذكره منها المفسرون ولكنه هو لم يسلم من إيراد بعضها، ولكن يلاحظ أن الروايات الضعيفة التى يأتى بها عليها جميعها سمة الموعظة والغبرة، وليس فيها ما يمس أمرا من أمور الدين فى أصوله أو فى فروعه.
والملاحظ فى التفسير أن أسلوبه سهل وعبارته فصيحة، وأنه يعتمد كثيرا على تفسير الفخر الرازى، ولكنه لا يتبعه اتباعا أعمى وذلك أنه فى كثير من الأحيان يرد عليه وينتقده.
والمؤلف لا ينكر أنه استفاد من الذين سبقوه وإنما يعلن ذلك فى صراحة، أنه يقول: وقد تلقيت التفسير- بحمد الله- من تفاسير متعددة، رواية ودراية، عن أئمة ظهرت وبهرت مفاخرهم، واشتهرت وانتشرت مآثرهم
…
».
وهذه شيمة العلماء الأعلام: أنهم يعترفون بالفضل لأولى الفضل فلا ينقصهم الاعتراف بل يزيدهم فضلا ورفعه.
وهاك نموذجا من تفسيره: قال فى قوله تعالى:
لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ، وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ، وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. (سورة البقرة: 284) «لله ما فى السموات وما فى الأرض» خلقا وملكا- قال الجلال السيوطى: وعبيدا ولعل ذكره بعد «ملكا» لئلا يتوهم أن «ما» لما لا يعقل «وان تبدوا» أى تظهروا
…
«ما فى أنفسكم» من السوء والعزم عليه «أو تخفوه» أى تسروه «يحاسبكم» أى يجزكم «به الله» يوم القيامة والآية حجة على من أنكر الحساب كالمعتزلة والروافض. «فيغفر لمن يشاء» مغفرته «ويعذب من يشاء» تعذيبه، وهذا صريح فى نفى وجوبه، وقرأ ابن عامر وعاصم برفع الراء من «يغفر» ، ورفع الياء من «يعذب» على الاستئناف، والباقون يجزمهما عطفا على جواب الشرط، وأدغم الراء المجزومة فى اللام: السوس.
وقول الزمخشرى، ومدغم الراء فى اللام مخطئ خطأ فاحشا ورواية عن ابن عمر يعنى: السوس- مخطئ مرتين: لأنه يلحن وينسب اللحن إلى أعلم الناس بالعربية مما يؤذن بجهل عظيم، والسبب فى نحو هذه الروايات قلة ضبط الرواة، والسبب فى قلة الضبط قلة الدراية ولا يضبط نحو هذا إلا أهل النحو مردود لأنه مبنى على القول بأن الراء إنما تدغم فى الراء لتكرره الفائت بإدغامها فى اللام
…
ورد بأن ذلك قراءة أبى عمرو وهى متواترة مع أن القول بامتناع ادغام الراء فى اللام إنما هو مذهب البصريين، وأما الكوفيون- بل وبعض البصريين كأبى عمرو فقائلون بالجواز- كما نقله عنهم أبو حيان- ونقل أبو عمرو والكسائى وأبو جعفر صحة ادغام:«صار لى» و «صار لك» عن العرب- ومن حفظ حجة على من لم يحفظ ووجه الجعبرى ادغام الراء فى اللام بتقارب مخرجيهما على رأى سيبويه وتشاركهما على رأى الفراء، وتجانسهما فى الجهر والانفتاح والاستقلال.
«والله على كل شىء قدير» فيقدر على جزائكم ومحاسبتكم
…
نموذج آخر فى تفسير قوله تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا، وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
الآية الأخيرة من سورة آل عمران:
«يا أيها الذين آمنوا اصبروا» على مشاق الطاعة، وما يصيبكم من الشدائد وعن المعاصى «وصابروا» أى وغالبوا أعداء الله فى الصبر على شدائد الحرب فلا يكونوا أشد صبرا منكم «ورابطوا» أى أقيموا فى الثغور رابطين خيلكم فيها مترصدين مستعدين للغزو، قال الله تعالى:«ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم» وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال «من رابط يوما وليلة فى سبيل الله كان كعدل صيام شهر وقيامه لا يفطر ولا ينفتل عن صلاته إلا لحاجة» وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من الرباط انتظار الصلاة بعد الصلاة» «واتقوا الله» فى جميع أحوالكم «لعلكم تفلحون» أى تفوزون فى الجنة وتنجون من النار وقال بعض العلماء:
اصبروا على السراء والضراء، ورابطوا فى دار الأعداء، واتقوا اله الأرض والسماء لعلكم تفلحون فى دار البقاء ..
رحم الله الخطيب الشربينى ونفع بعلمه
…
هذا وبالله التوفيق.