الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نموذج من تفسيريه البحر المحيط، والنهر الماد (أولا: من البحر المحيط):
فى قوله تعالى:
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ لما ذكر تعالى- فى الآية السابقة- أن لكل وجهة يتولاها أمر نبيه أن يولى وجهه شطر المسجد الحرام من أى مكان خرج لان قوله:
فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها- فَوَلِّ وَجْهَكَ.
ظاهره أنه أمر له باستقبال الكعبة وهو مقيم بالمدينة فبين بهذا الأمر الثانى تساوى الحالين اقامه وسفرا فى أنه مأمور باستقبال البيت الحرام ثم عطف عليه.
وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ.
ليبين مساواتهم له فى ذلك أى فى حال السفر والأولى فى حال الإقامة، وقرأ عبد الله بن عمير (ومن حيث) بالفتح فتح تخفيف، وقد تقدم القول فى حيث فى قوله (وحيث ما).
وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ.
هذا اخبار من الله تعالى بأن استقبال هذه القبلة هو الحق أى الثابت الذى لا يعرض له نسخ ولا تبديل، وفى الأول قال:
وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ.
حيث كان الكلام مع سفهائهم الذين اعترضوا فى تحويل القبلة فرد عليه بأشياء منها:
إن علماء هم يعلمون أن تحويل القبلة حق من عند الله، وختم آخر هذه الآية بما ختم به آخر تلك من قوله:
وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ.
(سورة البقرة الآية 144) فى امتثال هذا التكليف العظيم الذى هو التحويل من جهة إلى جهة- وذلك هو محض التعبد فالجهات كلها بالنسبة إلى البارى تعالى مستوية فكونه خصها باستقبال هذه زمانا. ونسخ ذلك باستقبال جهة اخرى متأيدة لا يظهر فى ذلك فى بادئ الرأى إلا أنه تعبد محض فلم يبق فى ذلك إلا امتثال ما أمره الله به فأخبره تعالى أنه لا يغفل عن أعمالكم- بل هو المطلع عليها المجازى بالتواب من امتثل أمره- وبالعقاب من خالفه.
وجاء فى قوله (الحقّ من ربّك) - فى المكانين- وفى قوله: (وما الله) - فى المكانين- فحيث نبه على استدلال حكمته بالنظر إلى أفعاله ذكر الرب المقتضى للنعم، لينظر منها إلى النعم ونستدل بها عليه ولما انتهى إلى ذكر الوعيد ذكر لفظ الله المقتضى للعبارة التى من أخل بها استحق اليم العذاب
…
ويقول أبو حيان فى تفسيره الآية السابقة فى النهر الماد:
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ لما امر باستقبال الكعبة وهو عليه السلام مقيم بالمدينة بين تساوى الحالين فى الإقامة والسفر وبين بقوله: وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ تساوى جهاتهم وحاله عليه السلام فى ذلك- وختم هذه الآية بما ختم تلك الآية السابقة مبالغة فى امتثال هذا التكليف العظيم الذى هو تحويل من جهة إلى جهة وهو تعبد محض.