الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير أبى حيان البحر المحيط، والنهر الماد- ومنهجه فيهما
لقد شغل أبو حيان زمنا مديدا بخدمة القرآن وعلوم اللغة حتى قارب الستين من عمره ثم تفرغ لتفسير القرآن بعد أن حصل ادوات المفسر العالم الذى أدرك ما به سعادته الأبدية.
يقول أبو حيان فى مقدمة البحر المحيط.
وبعد: فإن المعارف جمة، وهى كلها مهمة، وأهمها ما به الحياة الأبدية، والسعادة السرمدية، وذلك علم كتاب الله هو المقصود بالذات، وغيره من العلوم كالادوات، هو العروة الوثقى، والوزر الأوفى الأقوى، والحبل المتين والصراط المستقيم- وما زال يختلج فى ذكرى ويلح فى فكرى أنى إذا بلغت الأمد الذى يتفضض فيه الأديم، ويتنغص برؤيتى النديم، وهو العقد الذى يحل عرى الشباب المقول فيه: إذا بلغ الرجل الستين فإياه وأيا الشراب، الوذ بجانب الرحمن واقتصر على النظر فى تفسير القرآن، فأتاح الله لى ذلك قبل بلوغ العقد وبلغنى ما كنت أروم من ذلك القصد .. وكان ذلك فى أواخر سنة عشر وسبعمائة وهى أول سنة سبع وخمسين من عمرى، فعكفت على تصنيف هذا الكتاب .. فكم حوى من لطيفة فكرى مستخرجها ومن غريبة ذهنى منتجها، تحصلت بالعكوف على علم العربية ..
وقد ذكر أبو حيان فى مقدمته على البحر المحيط منهجه فى هذا السفر الضخم الذى يقع فى ثمانى مجلدات كبيرة ينتفع بها الباحثون فى علوم القرآن على وجه العموم والباحثون فى علوم اللغة من نحو وصرف على وجه الخصوص يقول:- وترتيبى فى هذا الكتاب: أنى ابتدأت أولا بالكلام على مفردات الآية
التى افسرها لفظة لفظة فيما يحتاج إليه من اللغة والاحكام النحوية التى لتلك اللفظة قبل التركيب، وإذا كان للكلمة معنيان او معان ذكرت ذلك فى أول موضع فيه تلك الكلمة لينظر ما يناسب لها من تلك المعانى فى كل موضع تقع فيه فيحمل عليه.
ثم أشرع فى تفسير الآية ذاكرا سبب نزولها إذا كان لها سبب ونسخها ومناسبتها وارتباطها بما قبلها حاشدا فيها القراءات شاذها ومستعملها ذاكرا توجيه ذلك فى علم العربية ناقلا أقاويل السلف والخلف فى فهم معانيها.
متكلما على جليها وخفيها بحيث أنى لا اغادر منها كلمة وان اشتهرت حتى اتكلم عليها مبديا ما فيها من غوامض الاعراب ودقائق الأدب من بديع وبيان مجتهدا أنى لا أكرر الكلام فى لفظ سبق فى جملة تقدم الكلام عليها ولا فى أية فسرت بل اذكر فى كثير منها الحوالة على الموضع الذى تكلم فيه على تلك اللفظة أو الجملة أو الآية، وأن عرض تكرير فمزيد فائدة ناقلا أقاويل الفقهاء الأربعة وغيرهم فى الأحكام الشرعية مما فيه تعلق باللفظ القرآنى محيلا على الدلائل التى فى كتب الفقه، وكذلك ما نذكره من القواعد النحوية أجيل فى تقريرها والاستدلال عليها على كتب النحو، وربما اذكر الدليل إذا كان الحكم غريبا أو خلاف مشهور ما قال معظم الناس بادئا بمقتضى الدليل وما دل عليه ظاهر اللفظ مرجحا له لذلك ما لم يصد عن الظاهر ما يجب اخراجه به عنه منكبا فى الاعراب عن الوجوه التى تنزه القرآن عنها مبينا أنه مما يجب أن يعدل عنه وأنه ينبغى أن يعدل إلى أحسن اعراب وأحسن تركيب إذ كلام الله تعالى افصح الكلام فلا يجوز فيه جميع ما يجوزه النجاة فى شعر الشماخ والطرماح وغيرهما من سلوك التقارير البعيدة والتراكيب القلقة والمجازات المعقدة، ثم اختتم الكلام فى جملة من الآيات التى فسرتها افرادا وتركيبا بما ذكروا فيها من علم البيان والبديع ملخصا. ثم اتبع آخر الآيات بكلام منثور أشرح به مضمون تلك الآيات على ما اختاره من تلك المعانى ملخصا جملها فى أحسن تلخيص، وقد ينجر معها ذكر معان لم تتقدم فى التفسير، وصار ذلك نموذجا
لمن يريد أن يسلك فيما بقى من سائر القرآن وستقف على هذا المنهج الذى ذكرته إن شاء الله
…
الخ.
ويقول أبو حيان عن منهجه فى تفسيره الثانى المسمى:
(النهر الماد) والمطبوع بهامش البحر المحيط:
وبعد: فإنى لما صنفت كتابى الكبير المسمى بالبحر المحيط فى علم التفسير عجز عن قطعه- لطوله- السبائح، وتفلت له عن اقتناصه البارح منه والسائح، فأجريت منه نهرا تجرى عيونه، وتلتقى بأبكاره فيه عيونه لينشط الكسلان فى اجتلاء جماله، ويرتوى الظمآن بارتشاف زلاله وربما نشأ فى هذا النهر ما لم يكن فى البحر، وذلك لتجدد نظر المستخرج للآلية المبتهج بالفكرة فى معانيه، وما اخليته من أكثر ما تضمنه البحر من نقوده، بل اقتصرت على يواقيت عقوده، ونكبت فيه عن ذكر ما فى البحر من أقوال اضطربت بها الحجة واعراب متكلف تعاصرت عنه خججه، وتفكيك اجزاء يخرج بها الكلام عن براعته ويتجرد من فاخر بلاغته ونصاعته، وهذا النهر مده من بحر ليس له جزر فيعسر وروده على من حظه فى النحو نزر، لأن ادراك عويص المعانى مرتب على تقدم معرفة المبانى:
ولما اثرت در هذا النهر من بحره، ونثرت حليه على مفرق الزمان وجيده ونحوه: سميته بالنهر الماد من البحر، والله أسأل أن يعيننا على ذلك- ويلطف بنا فى الدارين هنا وهناك.