الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإمام محمد عبده وتفسيره
لعل خير ما يعرف بالشيخ محمد عبده ما كتبه عن نفسه ونقله عنه صاحب المنار فى كتاب خاص سماه: تاريخ الاستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، وفيه يقول:
عرفت أنى ابن عبده خير الله، من سكان قرية محلة نصر بمركز شبراخيت من مديرية البحيرة، ووقر فى نفسى احترام والدى، ونظرت إليه أجل الناس فى عينى، ومسكن من هيبته فى قلبى ما لا أجده لأحد من الناس اليوم عندى.
ويقول وجدت والدى يقرى الضيف، ويؤوى الغريب، ويفتخر باكرام النزيل وذلك كان يزيد منزلته من نفسى علوا، وأنا لا أفهم من هذا إلا أنه شىء يفتخر به بدون أن أعقل له علة .. وبالجملة كنت أعتقد أن والدى أعظم رجل فى القرية وكل من فيها دونه، وهو بذلك كان أعظم رجل فى الدنيا فإن الدنيا عندى لم تكن أوسع من قرية محلة نصر.
أما والدتى فكانت منزلتها بين نساء القرية لا تنزل عن مكانة والدى، وكانت ترحم المساكين وتعطف على الضعفاء، وتعد ذلك مجدا وطاعة لله وحمدا، ولم أزل أجد أثر ما وعيت من ذلك فى نفسى إلى اليوم ..
أما عن تدرجه فى التعليم والطلب فيقول:
تعلمت القراءة والكتابة فى منزل والدى، ثم انتقلت إلى دار حافظ قرآن قرأت عليه وحدى جميع القرآن أول مرة، ثم اعدت القراءة حتى اتممت حفظه جميعه فى مدة سنتين، بعد ذلك حملنى والدى إلى طنطا حيث كان أخى لأمى الشيخ مجاهد رحمه الله لا جود القرآن فى المسجد الأحمدى لشهرة
قرائه بفنون التجويد، وكان ذلك فى سنة 1279 هجرية .. ثم فى سنة احدى وثمانين جلست فى دروس العلم وقضيت سنة ونصفا لا أفهم شيئا لرداءة طريقة التعليم، فادركنى اليأس من النجاح، وهربت من الدرس وحاول أخى اكراهى على طلب العلم فأبيت، وانتهى الجدال بتغلبى عليه، فأخذت ما كان لى من ثياب ومتاع، ورجعت إلى محلة نصر على نية أن لا أعود إلى طلب العلم وتزوجت فى سنة 1282 على هذه النية.
ثم يواصل الحديث عن تدرج حياته فى التعليم فيقول:
بعد أن تزوجت بأربعين يوما جاءنى والدى ضحوة نهار وألزمنى بالذهاب إلى طنطا لطلب العلم، وبعد احتجاج وتمنع وإباء لم أجد مندوحة عن اطاعة الأمر ..
ولم يواصل السير إلى طنطا، لقد تغلبت عليه نزعة الهرب من طلب العلم والعزوف عن تحصيله فتخلف فى قرية بها عدد كثير من أقاربه، وانطلق مع أقرانه من الشباب يلهو ويلعب وفى هذه القرية التقى بأحد أخوال أبيه وهو الشيخ درويش.
وكان الشيخ درويش قد أخذ عن بعض الشيوخ طريقة الشاذلية، وكان يحفظ الموطأ، وبعض كتب الحديث، ويجيد حفظ القرآن وفهمه، ثم رجع من أسفاره إلى قريته هذه، واشتغل بما يشتغل به الناس من فلح الأرض، وكسب الرزق بالزراعة.
وتدرج معه الشيخ درويش فى ترويضه على العلم، والعودة به إلى رحاب المعرفة فأعطاه كتابا يحتوى على رسائل كتبها السيد محمد المدنى إلى بعض مريديه بالأطراف وسأله أن يقرأ له فيها شيئا لضعف بصره، وما زال به حتى قرأ بضعة أسطر فاندفع يفسر له معانى ما قرأ بعبارة واضحة غلبت اعراضه وسبقت إلى نفسه، وقاومت نزعته إلى اللعب واللهو.
وان هى الا أيام قليلة حتى صار أبغض شىء إليه ما كان يحبه من لعب ولهو
وفخفخة وزهو وعاد أحب شىء إليه ما كان يبغضه من مطالعة وفهم .. ثم سأل الشيخ عن الطريقة فقال: الاسلام وعن الورد فقال: القرآن، ولم تمض أيام حتى رأى نفسه يطير فى عالم آخر غير الذى كان يعهد، فاتسع له ما كان ضيقا، وصغر عنده من الدنيا ما كان كبيرا، وعظم عنده من أمر العرفان والنزوع بالنفس إلى جانب القدس ما كان صغيرا وتفرقت عنه جميع الهموم ولم يبق إلا هم واحد وهم أن يكون كامل المعرفة، كامل أدب النفس.
ويتابع الشيخ حديثه فيقول:
وفى منتصف شوال من تلك السنة ذهبت إلى الازهر، وداومت على طلب العلم على شيوخه، مع محافظتى على العزلة والبعد عن الناس، حتى كنت استغفر الله إذا كلمت شخصا كلمة لغير ضرورة وفى اواخر كل سنة دراسية كنت اذهب إلى (محلة نصر) لا قيم بها شهرين- من منتصف شعبان إلى منتصف شوال وكنت عند وصولى إلى البلد أجد خال والدى الشيخ درويش قد سبقنى إليه فكان يستمر معى بدراستى القرآن والعلم إلى يوم سفرى.
كان الشيخ يدارسه ويسأل ماذا قرأت؟ ثم يوجهه إلى دراسة علوم أخرى إلى جانب ما يدرس بالأزهر كالمنطق والحساب والهندسة، واستجابة لتوجيهه كان يلتمس هذه العلوم عند من يعرفها فتارة كان يخطئ فى الطلب وأخرى يصيب إلى أن جاء السيد جمال الدين الأفغانى إلى مصر أواخر سنة 1286، فوجد عنده ما ابتغاه من العلوم وشاركه فى الدعوة إلى الاصلاح ثم عرض نفسه على مجلس الامتحان فى سنة 1294 هجرية للحصول على العالمية فخرج منه بالدرجة الثانية، وصار مدرسا من مدرسى الجامع الأزهر، وأخذ يقرأ العلوم الكلامية والمنطقية وغيرها.
ومع ما وصل إليه فى العلوم ظل يطلب العلم، ويتحدث عن ذلك فيقول:
بدأت بتعلم اللغة الفرنسية عند ما كانت سنى أربعا وأربعين سنة، فبحثت عن معلم فوجدت استاذا لا بأس به، فتعلمت مبادئ اللغة الفرنسية،