الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير الإمام البغوى
هو الإمام الحافظ الشهير محيى السنة أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوى الشافعى المحدث المفسر، صاحب التصانيف وعالم أهل خراسان.
وصفه ابن الأهول فقال:
«هو صاحب الفنون الجامعة، والمصنفات النافعة، مع الزهد والورع والقناعة ومن مظاهر زهده ما قاله صاحب شذرات الذهب من انه كان سيدا زاهدا قانعا يأكل الخبز وحده، فليم فى ذلك فصار يأكله بالزيت ..
ولد فى بغشور، والنسبة إليها بغوى على غير قياس، وقيل: اسم المدينة «بغ» بليدة بين هراة ومرو والروذ من بلاد خراسان.
نشأ شافعى المذهب بحكم البيئة التى عاش فيها، والعلماء الذين تلقى عنهم وكانت له آثار قيّمة فى المذهب الشافعى، حيث أنه ألف فيه كتابه (التهذيب) ونحى فيه منحى أهل الترجيح والاختبار والتصحيح، لا يتعصب لمذهبه، ولا يندد بغيره، رائده الوصول إلى ما يراه أقرب إلى النصوص، وأوفق لمبادئ الدين.
وكان داعيا إلى الاعتصام بالكتاب والسنة، ناشرا لعلومهما، موضحا لما يوجهان إليه، فألف فى ذلك التآليف النافعة التي أهلته لأن يكون بحق «محيى السنة» .
وكما هو دأب العلماء قام علمه على دعامتين هامتين:
أولا- الأخذ من العلماء، وقد اشتهر من أساتذته: الإمام الحسين بن محمد المروزى القاضى، فقيه خراسان، وشيخ الشافعية فى زمنه واحد مشاهير العلماء، المتوفى سنة 462 هـ.
والإمام الفقيه الفاضل أبو الحسن على بن يوسف الجوينى المعروف بشيخ الحجاز المتوفى سنة 463 هـ.
والمحدث الفاضل أبو بكر يعقوب بن أحمد الصيرفى النيسابورى المتوفى سنة 466 هـ.
ثانيا: الأخذ من الكتب والاطلاع على ما أثر عن العلماء
…
وكان الإمام البغوى محدثا فاضلا سمع الكثير من الحفاظ، وروى عنهم الصحاح والسنن والمسانيد والأجزاء من أجود الطرق وأوثقها وأوفاها وجالس علماء اللغة
وحمل عنهم الكتب التى ألفت فى غريب الحديث وبيان معانيه، قال الحافظ الذهبى: الإمام العلامة القدوة الحافظ، شيخ الإسلام، محيى السنة، صاحب التصانيف
…
وقال ابن نقطة: إمام حافظ ثقة صالح ..
وقال السبكى: وكان البغوى يلقب بمحيى السنة، وبركن الدين، ولم يدخل بغداد ولو دخلها لاتسعت ترجمته، وقدره عال فى الدين وفى التفسير وفى الحديث، متسع الدائرة نقلا وتحقيقا. وكان الشيخ تقى الدين السبكى يقول:
قل ان رأيناه يختار شيئا إلا وإذا بحث عنه وجد أقوى من غيره، هذا مع اختصار كلامه وهو يدل على نبل كبير، وهو حرى بذلك، فإنه جامع لعلوم القرآن والسنة والفقه وقد انتج هذا النشاط العلمى الكبير مؤلفات قيمه منها:
1 -
مجموعة من الفتاوى ضمنها فتاوى شيخه أبو على الحسين بن محمد المروزى.
2 -
التهذيب فى فقه الإمام الشافعى، وهو تأليف محرر، مهذب، مجرد من الأدلة غالبا.
3 -
شرح السنة.
4 -
معالم التنزيل وهو التفسير المشهور.
وقد قدم لتفسيره مقدمة، بينت منهجه، وحددت خطته، وأبانت عن
مقصده، وبينت جوانب من علمه الواسع فى مجال الدراسات القرآنية.
إنه يقول فى مقدمته بعد الحمد والثناء:
أما بعد: فإن الله جل ذكره أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، رحمة للعالمين، وبشيرا للمؤمنين، ونذيرا للمخالفين، اكمل به بنيان النبوة، وختم به ديوان الرسالة، واتم به مكارم الأخلاق، ومحاسن الأفعال، وأنزل عليه بفضله نورا هدى به من الضلالة، وأنقذ به من الجهالة، حكم بالفلاح لمن تبعه، وبالخسران لمن أعرض عنه بعد ما سمعه، واعجز الخليقة عن معارضته، وعن الاتيان بسورة من مثله فى مقابلته، ثم سهل على الخلق مع إعجازه تلاوته، ويسر على الألسن قراءته، أمر فيه وزجر، وبشر وأنذر، وذكر المواعظ ليتذكر، وقص عن أحوال الماضيين ليعتبر، وضرب الأمثال ليتدبر، ودل على آيات التوحيد ليتفكر، ولا حصول لهذه المقاصد منه إلا بدراية تفسيره وإعلامه، ومعرفة أسباب نزوله وأحكامه والوقوف على ناسخه ومنسوخه، ومعرفة خاصه وعامة، ثم هو كلام معجز، وبحر عميق لا نهاية لاسرار علومه، ولا إدراك لحقائق معانيه وقد ألف ائمة السلف فى أنواع علومه كتبا كل على قدر فهمه، ومبلغ علمه، نظرا للخلق، فشكر الله تعالى سعيهم، ورحم كافتهم، فسألنى جماعة من أصحابى المخلصين، وعلى اقتباس العلم مقبلين، كتابا فى معالم التنزيل وتفسيره فأجبتهم إليه معتمدا على فضل الله تعالى وتيسيره، واقتداء بالماضين من السلف فى تدوين العلم ابقاء على الخلف، وليس على ما فعلوه مزيد، ولكن لا بد فى كل زمان من تجديد ما طال به العهد، وقصر بالطالبين فيه الجد والجهد، تنبيها للمتوقفين، وتحريضا للمتثبطين، فجمعت بعون الله تعالى وحسن توفيقه فيما سألوا كتابا متوسطا بين الطويل الممل، والقصير المخل، ارجو أن يكون مفيدا، لمن أقبل على تحصيله مزيدا ..
ثم ذكر الأسانيد التى اعتمدها فى تفسيره
…
ومن هنا ندرك أن كتابه من الكتب المعتبرة فى التفسير بالمأثور ..
ثم يقول: إن الناس كما انهم متعبدون باتباع أحكام القرآن وحفظ حدوده، فهم متعبدون بتلاوته، وحفظ حروفه، على سنن خط المصحف- اعنى الإمام- الذى اتفقت عليه الصحابة، وأن لا يجاوزوا فيما يوافق الخط ما قرأ به القراء المعروفون الذين خلفوا الصحابة والتابعين، واتفقت الأئمة على اختيارهم، وقد ذكرت فى الكتاب قراءة من اشتهر منهم بالقراءات واختباراتهم ..
أما عن استشهاده بالأحاديث والآثار فقد اختار فيه الصحيح المقبول، وترك الضعيف والموضوع- ويعبر عن ذلك قوله:
وما ذكرت من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أثناء الكتاب على وفاق آية أو بيان حكم، فإن الكتاب يطلب بيانه من السنة، وعليها مدار الشرع وأمور الدين من الكتب المسموعة للحفاظ ذائعة الحديث، واعرضت عن ذكر المناكير، وما لا يليق بحال التفسير فأرجو أن يكون مباركا على من أراده
…
ثم عقد عدة فصول بين يدى التفسير تتمثل فيما يلى:
فصل فى فضائل القرآن وتعليمه.
فصل فى فضائل تلاوة القرآن.
فصل فى وعيد من قال فى القرآن برأيه من غير علم
…
ونحن نلاحظ فما يتعلق بالإمام البغوى أن له جوانب تجعله من الطبقة الممتازة لقد استكمل عدة التفسير من اللغة فقد جالس علماء اللغة وتثقف عليهم كأحسن ما تكون الثقافة اللغوية وبعض الناس يظن أن اللغة كافية فى معرفة التفسير، ولكنهم مخطئون فلا بد فى التفسير من عناصر أخرى، منها:
السنة النبوية الشريفة: وقد برع فيها الإمام البغوى فهو محدث ممتاز وصلت به ثقافته فى الحديث إن سمى: محيى السنة، وكان محدثا ثقة وهو فى تقدير المحدثين: الإمام الحافظ الثقة.
وقد اتقن فن القراءات وأبان عنها فى تفسيره.
وكان مهذبا، أدبه القرآن والحديث ومن أثر هذا الأدب أن شكر فى مقدمة تفسيره السابقين من المفسرين واثنى عليهم.
ويرى الإمام البغوى- ونحن نؤيده فى ذلك تأييدا مطلقا- وجوب حفظ حروف القرآن على سنن خط المصحف الإمام اعنى الخط العثمانى الذى اتفقت عليه الصحابة، وان لا يجاوز وإنما يوافق ما قرأ به القراء المعروفون الذين خلفوا الصحابة والتابعين واتفقت الأئمة على اختيارهم.
كل ذلك يوضع فى كفة امتياز الإمام البغوى ..
ويتضح مجهوده فى التفسير بنماذج منه:
قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (سورة البقرة الآية 153) بالعون والنصرة (ولا تقولوا لمن يقتل فى سبيل الله أموات) نزلت فى قتلى بدر من المسلمين، وكانوا أربعة عشر رجلا، ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار، كان الناس يقولون لمن يقتل فى سبيل الله: مات فلان وذهب عنه نعيم الدنيا ولذتها، فأنزل الله تعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (سورة البقرة الآية 152) كما قال فى شهداء أحد: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ.
(سورة آل عمران الآية 169).
قال الحسن:
إن الشهداء أحياء عند الله تعالى تعرض أرزاقهم على أرواحهم فيصل إليهم الروح والفرح كما تعرض النار على أرواح الفرعون غدوة وعشية فيصل إليهم الوجع.
وقال تعالى: وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ (سورة الأنعام الآية 120) يعنى الذنوب كلها لأنها لا تخلوا من هذين الوجهين: قال قتادة: علانيته وسره، وقال مجاهد: ظاهره ما يعمله الإنسان بالجوارح من الذنوب وباطنه ما ينويه ويقصده بقلبه كالمصر على الذنب القاصد له.
قال الكلبى: كظاهره الزنا، وباطنه المخالفة، وأكثر المفسرين على أن ظاهر الإثم الاعلان بالزنا وهم أصحاب الرايات، وباطنه الاستسرار به، وذلك أن العرب كانوا يحبون الزنا، وكان الشريف منهم يتشرف فيسر به، وغير الشريف لا يبالى فيظهره، فحرمهما الله عز وجل ..
وقال سعيد ابن جبير: ظاهر الإسم نكاح المحارم، وباطنه الزنا ..
وقال ابن زيد: إن ظاهر الإثم التجرد من الثياب والتعرى فى الطواف، والباطن الزنا ..
وروى حيان عم الكلبى: ظاهر الإثم طواف الرجال بالبيت نهارا عراة، وباطنه طواف النساء بالليل عراة ..
إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ فى الآخرة .. بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (سورة الأنعام الآية 120) يكتسبون فى الدنيا ..