الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن لابن الزملكانى
إن الذين يكتبون عن زوايا من إعجاز القرآن يتعرضون تعرضا عميقا لتفسيره فى كثير من آياته، وهم فى ذلك مفسرون من أعلى طبقات المفسرين.
ومن هؤلاء كمال الدين عبد الواحد بن عبد الكريم الزملكانى المتوفى سنة 651 هـ صاحب كتاب: «البرهان» الكاشف عن أعجاز القرآن، الذى نشرته مديرية الأوقاف بالعراق بتحقيق نفيس قامت به الدكتورة خديجة الحديثى والدكتور أحمد مطلوب.
والزملكانى نسبة إلى زملكان بدمشق.
وقد درس حتى أصبح اماما من أئمة اللغة والأدب ووصل به أمر الوظائف إلى أن تولى القضاء، وهذا يدل على أنه مع ضربه بسهم نافذ فى الأدب فإنه انغمس أيضا فى الفقه فكان له قدم فيه ..
وقد كتب عدة كتب منها:- 1 - التبيان.
ولقد اهتم مؤلفنا بإعراب القرآن الكريم، فكتب كتاب:
2 -
المفيد فى إعراب القرآن المجيد.
3 -
الخصائص النبوية على أن كتب صاحب البرهان تدل على أنه اهتم اهتماما كاملا بالسيرة النبوية الشريفة فألف فيها كتاب «الخصائص النبوية» .
ولقد اجتذبت الخصائص النبوية كثيرا من المؤلفين، منهم الإمام السيوطى الذى كتب كتابا ضخما فى الخصائص، وهو كتاب نفيس
…
ويؤلف المؤلفون أيضا فى الخصائص تحت عنوان «الشمائل» .
ومن اشهر الكتب فى ذلك كتاب «الشمائل» للترمذى.
وعنه يقول صاحب شذرات الذهب:
ابن الزملكانى العلامة كمال الدين عبد الواحد بن خطيب زملكا أبو محمد عبد الكريم بن خلف الأنصارى السماكى الشافعى صاحب علم المعانى والبيان، كان قوى المشاركة فى فنون العلم خيرا متميزا ذكيا سريا ولى قضاء صرخد، ودرس مدة ببعلبك، وله نظم رائق، وهو جد الكمال الزملكانى المشهور، واسطة عقد البيت، وتوفى عبد الواحد فى المحرم بدمشق وكان له ولد يقال له أبو الحسن على، إمام جليل، وافر الحرمة، حسن الشكل، درس بالامينية وتوفى فى ربيع الأول سنة تسعين وستمائة، وقد نيف على الخمسين.
وفيه يقول صاحب طبقات الشافعية:
عبد الواجد بن عبد الكريم بن خلف: الشيخ كمال الدين أبو المكارم، ابن خطيب زملكا.
قال أبو شامة: كان عالما خيرا متميزا فى علوم عدة، ولى القضاء بصرخد، ودرس ببعلبك.
قلت: وهو جد الشيخ كمال الدين محمد بن على بن عبد الواحد الزملكانى، وكانت له معرفة تامة بالمعانى والبيان، وله فيهما مصنف، وله شعر حسن، توفى فى المحرم بدمشق سنة احدى وخمسين وستمائة ..
ومع كثرة خوضه فى التفسير وفى الفقه، ومع كونه كان قاضيا معروفا فإن نزعة الأدباء إلى الشعر خصوصا من كانت عنده الوهبة، قد غلبت عليه، فكان يقول شعرا، بل كان يبدأ كعادة الشعراء قصائده بغزل فى غاية العذوبة، وفى بعض قصيدة له يقول:
أطرفك ام هاروت يعقد لى سحرا
…
أريقك أم طالوت يعصر لى خمرا
وما العيش إلا أن أرى لك عاشقا
…
وما الموت إلا أن تعذبنى هجرا
جمالك يكسو كل حسن ملاحة
…
ومنطقك الاسماع يملؤها درا
عذارك لام كل صدفك صاده
…
ولا غروان تضحى العيون به سهرى
وفى فيك أم عقد اللآلى منظم
…
فكان ظلام الليل فى ضوئه ظهرا
أليس ببدع أن تصيد قلوبنا
…
وأن تكثر القتلى وأن ترخص الأسرى
وكان يقول الشعر فى المدح، ومن قصيدة له فى مدح الوزير أبى الحسن على الأمين:-
أسد فريسته أغاثه مدنف
…
أخنى عليه الدهر فى تجواله
جبل على الأبطال عند نزالهم
…
يا ويح من يدعى ليوم نزاله
السعد فى نظراته، والموت فى
…
سطواته، والفضل فى أفعاله
عجبا أبا الحسن الوزير غضنفر
…
والخائفون امانهم بظلاله
أبت المكارم أن تجود لدهرها
…
بمثاله، ولغيره بخصاله
الصاحب الندب الجواد ومن له
…
شرف بمحتده وحسن فعاله
ومما ذكره الدكتور أحمد مطلوب من أهم آرائه التى عرضها فى البرهان ما يلي:
1 -
اختار الرأى القائل بأن البسملة من الفاتحة.
2 -
رد على أبى هلال العسكرى فى تعريف البلاغة وقال: ان الفصاحة من عوارض الألفاظ مع ملاءمة المعنى، والبلاغة من عوارض المعانى وهو تكميل المعنى باللفظ الذى يفهمه من قولهم (بلغ كذا) إذا انتهى إليه، فإن اللفظ إذا كمل معناه أوصله إلى القلب .. أو أنه من (بلغ الشيء فى نفسه) إذا انتهى نهايته، وبلغ حده ..
3 -
ذهب إلى ان ألم تر؟ بمنزلة: «هل رأيت» ؟ وذكر الادلة على ذلك.
4 -
أنكر الترادف بين الألفاظ غير القديمة، وأن من ادعى لها قدما فقد
زل قدما وسيعض بنانه يوم القيامة ندما، كيف والقديم واجب الوجود لذاته لا يقبل العدم، ولا يوصف بحلول فى صدور البشر، ولا يلحن أحد فيه بلسان أو قلم، ولا يضاف إلى لغة عرب ولا عجم ..
والنموذج الذى نذكره مكون فى الواقع من عدة نماذج، فهو نص يتضمن عدة نصوص يتحدث فيه المؤلف من:
«أسباب التقديم والتأخير فى الآيات القرآنية» .
يقول:
التقدم فى اللسان تبع للتقدم فى الجنان، على ما سنين أن الألفاظ تبع للمعانى والمعانى تتقدم باعتبارات خمسة:
الاول: تقدم العلة والسببية على المعلول والسبب، كتقديم المضيء على الضوء، وليس تقدما بالزمان لأن جرم الشمس ينفك عن الضوء.
الثانى: التقدم بالذات كالواحد مع الاثنين، وليس الواحد علة لوجود الاثنين بخلاف القسم الأول.
الثالث: بالشرف كتقدم الأنبياء صلى الله عليه وسلم على الاتباع، والعالم على الجاهل ..
الرابع: بالرتبة، كتقدم الإمام على الماموم، والجنس الأعلى على ما تحته إذا جعل مبدأ ..
الخامس: بالزمان، كالأبعد من الآن مع الاقرب إليه، ومنه تقدم الوالد على الولد، فإن الوالد وجد فى زمان لم يكن فيه الولد موجودا ..
فما كان من المعانى مقدما على غيره بأحد هذه الاعتبارات أو بأكثرها كان فى العبارة كذلك ..
ومن التقدم بالزمان: «وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم» .
ومنه: وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ. (سورة الانعام الآية 1).
فإن الظلمة سابقة على النور فى الإحساس، وكذلك الظلمة المعنوية سابقة على النور الوالد يؤيده قوله صلى الله عليه وسلم:
«إن الله خلق خلقه فى ظلمة ثم صب عليهم من نوره، فمن اصابه من ذلك النور اهتدى، ومن اخطأ ضل» .
ومنه قوله تعالى:
وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ.
فانتفاء العلم ظلمة، وهى متقدمة بالزمان على نور الادراكات ..
وقوله تعالى: «فى ظلمات ثلاث» إشارة إلى ظلمة الرحم، وظلمة البطن، وظلمة المشيمة ..
وقيل: ظلمة الصلب والرحم والبطن .. فهذه ظلمات ثلاث محسة.
وفى الآية الأولى: ظلمات ثلاث معقولة: فقد السمع والبصر والفهم
…
ومن التقدم بالذات قوله تعالى: «مثنى وثلاث ورباع» .
ونحوه: «ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم» .. الآية، وكذلك مراتب العدد، فكل مرتبه هى ادنى من الأخرى، فهى متقدمة على ما فوقها.
ومن التقدم بالسببية «العزيز» على «الحكيم» ، لأنه إذا عز حكم.
ومنه: «يحب التوابين ويحب المتطهرين» ، فإن التوبة سبب للطهارة ..
وكذلك: «كل افاك اثيم» فإن الافك سبب للإثم، وكذلك «معتد اثيم» .
ومن التقدم بالرتبة قوله تعالى:
يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ (سورة الحج الآية 27) فإن الذين يأتون رجالا الغالب انهم يكونون من المكان القريب، والاتيان على الضامر ان يكون من مكان بعيد على أنه قد ورد عن ابن عباس (رضى الله عنهما):
«وددت أنى لو حججت راجلا، فإن الله قدم الرجالة على الركبان فى القرآن» .
فجعله من باب التقدم بالفضيلة والشرف، والمعنيان موجودان عند كثير من العلماء ..
وقوله تعالى:
هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ.
(سورة ن الآية 11) وذلك لا يفتقر إلى مشى بخلاف النميمة فإنها نقل للحديث من مكان إلى مكان عن شخص إلى شخص.
ومن التقدم بالشرف قوله عز وعلا:
فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ.
(سورة المائدة الآية 6) فإن الوجه اشرف بالنسبة إلى أعضاء البدن، واليدان اشرف باعتبار الأعمال، والبدن سابق على عمله، والرأس اشرف من الرجلين لاشتماله على
القوى الدراكة وهى القوى المدركة والحافظة والحافظة، وذلك من عالم الغيب لا من عالم الشهادة .. فلا جرم تأخر عن الوجه واليدين إذ قواهما تظهر- فى عالم المشاهدة من الابصار والذوق والنطق ..
ومن التقدم بالشرف قوله تعالى: «من النبيين والصديقين» ..
ومنه تقديم السمع على البصر، وسميع على بصير، لأن السمع يدرك أخبار الأوائل والأواخر واحكام الآخرة .. وأيضا يدرك ما غاب وحضر، والبصر إنما يتعلق بالحاضر فكان ادراك السمع أعم، والأعم ابدا قبل الأخص بالرتبة .. وقد جعل تقديم الجن على الانس من التقديم بالشرف لاشتمال الجن على الملائكة، وقال سبحانه:«وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا» .
وقال الأعشى:
وسخر من جن الملائك سبعة قياما لديه يعملون بلا أجر ونحوه قوله تعالى:
لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ.
(سورة الرحمن الآية 74).
وقوله: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ ..
(سورة الرحمن الآية 39) وقوله تعالى:
وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً.
(سورة الجن الآية 5) الجن فى ذلك كله لا يتناول الملائكة لنزاهتهم عن العيوب، ولا يتوهم عليهم الكذب وسائر الذنوب، فلما لم يتناول الملائكة عموم لفظ الجن بدأ بالاتى لفضلهم ..