الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإمام القشيرى وتفسيره لطائف الإشارات
يمثل الإمام القشيرى اتجاها خاصا فى العلوم الإسلامية، إنه الاتجاه الصوفى فى أدق مظاهره وأنقى صوره: اتباع للسنة، وكشف لدقائق الطريق، ورد لما نسب إلى التصوف من مظاهر، وما التصق به من رسوم ..
والإمام القشيرى هو أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك زين الإسلام القشيرى نسبة إلى قبيلة بنى قشير العربية الأصيلة.
ولد فى قرية من نواحى نيسابور ومات أبوه وهو صغير، فاتجهت اسرته نحو العلم، فسمع من كبار الشيوخ، وتلقى عن كثير من العلماء ومن أهم هؤلاء الذين أثروا فى تكوين شخصيته العلمية وحياته الفكرية ابن فروك وأبو إسحاق الأسفرائني وغيرهم.
ثم ارادت المقادير أن يحضر درس: الأستاذ ابن على الدقاق، ليرى اخلاصا، ويرى تقوى، ويرى نورا يرتسم على وجهه، ويشرق من كلماته فينير قلوب السامعين، وبجذبهم إلى الله، وكانت فطرة القشيرى النقية على استعداد تام لسلوك الطريق، ورأى الإمام أبو على الدقاق فيه النجابة، فقبله فى زمرة مريديه، ثم اصطفاه فى زمرة أخصائه، وزوجه ابنته، مع كثرة أقاربها ..
وتأثر القشيرى بالشيخ الدقاق، وكان ذا شخصية قوية فيما يتصل بالتصوف والصوفية، دقيق البحث عميق الفكرة، رائد السلوك، يقول المناوى عنه:
كان لسان وقته، وإمام عصره، فارها فى العلم، محمود السيرة، مجهود السريرة، جنيدى الطريقة سرى الحقيقة، أخذ مذهب الشافعى عن القفال
والحصرى وغيرهما، وبرع فى الأصول وفى الفقه وفى العربية حتى شدت إليه الرحال فى ذلك، ثم أخذ فى العمل، وسلك طريق التصوف، وأخذ عن النصرآباذي .. قال ابن شهبة: (وزاد عليه حالا ومقالا، وعنه أخذ القشيرى صاحب الرسالة، وله كرامات ظاهرة ومكاشفات باهرة
…
وكما استفاد القشيرى من أساتذته تأثر بمن عاصره من العلماء، كما أثر فيهم، ومن أشهر هؤلاء:(السلمى وأبى المعالى الجويني إمام الحرمين).
وقد ألف الإمام القشيرى عددا من المؤلفات الهامة تدور فى مجملها حول التصوف، سواء أكان تحديدا لماهيته، أم فهما للقرآن على ضوئه، أو مناقشة للأمور التي تلازمه كالذكر ونحوه
…
ومن أهم هذه المؤلفات:
1 -
الرسالة القشيرية، كتبها المؤلف فى سنة سبع وثلاثين وأربعمائة إلى جماعة الصوفية ببلدان الإسلام.
كتبها تصحيحا لأوضاع كثيرة انحرفت، وبيانا لما ينبغى أن يكون عليه المريد الصادق.
لقد كانت هناك جوانب كثيرة فى الاجواء التي تزعم أنها صوفية قد دب إليها الفساد، وسلك بعض المدعين مسالك لا تمت إلى الدين ولا إلى التصوف بصلة، كما هو الشأن دائما فى المدعين المزيفين الذين يوجدون فى كل عصر وفى كل ميادين، فأشفق الإمام القشيرى على القلوب أن تحسب أن هذا الأمر- أى أمر التصوف- على هذه الجملة قد بنى قواعده، وعلى هذا النحو سار سلفه
…
وقاده هذا الاشفاق إلى أن يكتب هذه الرسالة مبينا فيها جانبين:
الجانب الأول: سيرة رجال التصوف وبعض أقوالهم، وذكر فى هذا الجانب كثيرا من أعلام الصوفية كنماذج يسير المريد على هديهم
…
أما الجانب الثاني: فإنه مبادئ السلوك ومناهجه ..
2 -
تفسيره المشهور: لطائف الاشارات «وسنتحدث عنه بالتفصيل» .
3 -
التيسير فى التفسير، مخطوط فى النهد ولندن.
4 -
حياة الأرواح والدليل على طريق الصلاح والفلاح، مخطوط بالاسكوريال.
5 -
المعراج وقد حققه الدكتور على حسن عبد القادر.
6 -
شكابة أهل السنة، ذكرها السبكى فى طبقات الشافعية كاملة ..
7 -
الفصول، وهو مخطوط بالقاهرة.
8 -
الوحيد النبوى، مخطوط بالقاهرة.
9 -
اللمع، مخطوط بالقاهرة.
10 -
شرح أسماء الله الحسنى، وقد طبعه مجمع البحوث الإسلامية ..
وهذه المؤلفات انما تدل على تمكن صاحبها من علوم الشريعة والحقيقة، ورعايته فى الحديث لما يقتضيه كل من العلمين، فلم يكن فى حديثه عن التصوف إلا معبرا عن الشريعة، ولم يكن فى حديثه عن الشريعة إلا موضحا لها ببعض المفاهيم الصوفية ..
وانتهى الأمر بالقشيرى إلى أن أصبح كما يقول عنه الإمام عبد الغافر:
الإمام مطلقا، الفقيه، المتكلم، الاصولي، المفسر، الاديب، النحوى، الكاتب، الشاعر لسان عصره، وسيد وقته، وسر الله بين خلقه، مدار الحقيقة، وعين السعادة، وقطب السيادة، من جمع بين الشريعة والحقيقة، كان يعرف الأصول على مذهب الاشعرى، والفروع على مذهب الشافعى ..
ولقد ترجم له صاحب كتاب «دمية القصر» أبو الحسن الباخرزى فقال:
جامع لأنواع المحاسن، تنقاد له صعابها ذلل المراسين، فلو قرع الصخر بصوت تخديره لذاب، ولو ربط ابليس فى مجلس تذكيره لتاب، وله فصل الخطاب فى فصل المنطق المستطاب، ماهر فى التكلم على مذهب الاشعرى، خارج فى احاطته بالعلوم عن الحد البشرى كلماته للمستفيدين فوائد وفوائد،
واعتاب منبره للعارفين وسائد ثم إذا عقد بين مشايخ الصوفية حبوته، ورأوا قربته من الحق وحظوته: تضاء لوا بين يديه، وتلاشوا بالإضافة إليه وطواهم بساطه فى حواشيه، وانقسموا بين النظر والتفكير فيه، وله شعر يتوج به رءوس معاليه، إذا ختمت به أذناب أماليه».
وتوفى يوم الاحد فى السادس عشر من شهر ربيع الأول عام 465 هـ خمس وستين وأربعمائة بمدينة (نيسابور) ودفن بجوار شيخه أبى على الدقاق رحمهما الله رحمة واسعة.
قدم الإمام القشيرى لتفسيره بمقدمة تشير إلى منهجه، وتبين طريقته فى تأليفه فقال:
الحمد الله الذى شرح قلوب أوليائه بعرفانه، وأوضح نهج الحق بلائح برهان لمن أراد طريقه، وأتاج البصيرة لمن ابتغى تحقيقه، وأنزل الفرقان هدى وتبيانا على صفيه محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله معجزة وبيانا، وأودع صدور العلماء معرفته وتأويله، وأكرمهم بعلم قصصه ونزوله، ورزقهم الإيمان بمحكمة ومتشابهه وناسخه، ووعده ووعيده، وأكرم الاصفياء من عباده بفهم ما أودعه من لطائف اسراره وأنواره، لاستبشار ما ضمنه من دقيق اشاراته، وخفى رموزه بما لوح لاسرارهم من مكنونات، فوقفوا بما خصوا به من أنوار الغيب على ما استتر عن أغيارهم، ثم نطقوا على مراتبهم وأقدارهم والحق سبحانه وتعالى يلهمهم بما به يكرمهم فهم به عنه ناطقون وعن لطائفه مخبرون وإليه يشيرون، وعنه يفصحون والحكم إليه فى جميع ما يأتون به ويذرون.
وقال الإمام أبو القاسم القشيرى رحمه الله:
وكتابنا هذا يأتى على ذكر طرف من اشارات القرآن على لسان أهل المعرفة اما من معانى مقولهم، أو قضايا أصولهم سلكنا فيه طريق الاقلال خشية الملال، مستجدين من الله تعالى عوائد المنة، متبرئين من الحول والمنة، مستعصمين من الخطإ والخلل، مستوفقين لاصوب القول والعمل ملتمسين أن
يصلى على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ليختم لنا بالحسنى بمنته وافضاله، وتيسر الاخذ فى ابتداء هذا الكتاب فى شهور سنة اربع وثلاثين وأربعمائة، وعلى الله إتمامه إن شاء الله تعالى عز وجل.
لقد بين فى هذه المقدمة أن كتابه إنما هو ذكر لطرف من اشارات القرآن على لسان أهل المعرفة، وهذه الاشارات دقيقة محكمة مختصرة، وهى وإن كانت تعبر عن الحقيقة فإنها لا تخالف الشريعة، فكل شريعة غير مؤيدة بالحقيقة فغير مقبول، وكل حقيقة غير مقيدة بالشريعة فغير محصول.
إن هذا التفسير يمثل مرحلة أخرى فوق مرحلة التفسير العادى الذى يعتمد على قواعد اللغة وألوان العلوم التى يحتاج إليها المفسر .. إنه كشف لذوق، وإبراز لا حساس تحصل من المجاهدة، وساعد عليه فضل الله تعالى الذى فجر ينابيع الفهوم ..
ومن هنا يعد مكملا لغيره من ألوان التفاسير لا مباينا لها، ويتعاون الجميع كل فى مجاله على فهم آيات القرآن الكريم.
ومن نماذج هذا التفسير:
قوله جل ذكره:
وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (سورة آل عمران الآية 146) «إن الذين درجوا على الوفاء، وقاموا بحق الصفاء، ولم يرجعوا عن الطريق وطالبوا نفوسهم بالتحقيق، وأخذوا عليها بالتضييق والتدقيق، وجدوا محبة الحق سبحانه ميراث صبرهم، وكان الخلف عنهم الحق عند نهاية أمرهم، فما زاغوا عن شرط الجهد، ولا زاغوا فى حفظ العهد، وسلموا
تسليما وخرجوا عن الدنيا وكان كل منهم للعهد مقيما مستديما، وعلى شرط الخدمة والوداد مستقيما .. »
قوله جل ذكره: يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (سورة الانفطار الآية 6) أى ما خدعك وما سول لك حتى عملت بمعاصيه؟ ويقال: سأله وكأنما فى نفس السؤال لقنه الجواب، يقول: غرنى كرمك بى ولولا كرمك لما فعلت، لأنك رأيت فسترت، وقدرت فأمهلت ..
لا استحلالا له ولكن طول حلمه عنه حمله على سوء خصاله وكما قلت:
يقول مولاى: أما تستحى
…
مما أرى من سوء أفعالك
قلت: يا مولاى رفقا فقد
…
جرأنى كثرة أفضالك
قوله جل ذكره: الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ، فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ أى ركب أعضاءك على الوجوه الحكمية فى أى صورة ما شاء، من الحسن والقبح والطول والقصر، ويصح أن تكون الصورة هنا بمعنى الصفة وفى بمعنى على فيكون معناه: على أى صفة شاء ركبك: من السعادة أو الشقاوة، والإيمان أو المعصية» هذا وقد قام الدكتور إبراهيم بسيونى بجهد مشكور فى تحقيق هذا التفسير واخراجه على صورة طيبة حازت إعجاب الجميع، فشكر الله له جهده، ونفع بهذا التفسير ..