الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإمام سهل بن عبد الله التسترى وتفسيره
من أعلام العلماء، وائمة التصوف، الزاهد الورع، والعابد المتقشف، أبو محمد سهل بن عبد الله التسترى، ولد فى تستر بالأهواز سنة ثلاث ومائتين من الهجرة وعاش فى القرن الثالث الهجرى، ذلك القرن الذى حفل بالأئمة الكبار فى كل فن من الفنون.
نشأ سهل فوجد امامه فى جنح الليل خاله محمد بن سوار، قائما يتبتل إلى الله ويضرع إليه ويناجيه، يصلى فى خشوع؛ ويدعو فى خضوع، ويقضى الليل ساهرا فى عبادة خاشعة آسرة، جذبت سهلا إليه، وربطته به، وحببته فيه.
ومرت أيام فإذا بالخال يقول:
يا سهل: ألا تذكر الله الذى خلقك؟
قال سهل: يا خال، كيف أذكره؟
فقال الخال: قل بقلبك عند تقلبك فى ثيابك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك: «الله شاهدى، الله معى، الله ناظر إلى» يقول سهل: فقلت ذلك ثلاث ليال ثم أعلمته به، فقال لى: قل فى كل ليلة سبع مرات فقلت ذلك ثم أعلمته، فقال: قل فى كل ليلة: احدى عشرة مرة، فقلت ذلك، فوضع فى قلبى له حلاوة، فلما كان بعد سنة قال لى خالى:
احفظ ما علمتك ودم عليه إلى أن تدخل القبر فانه ينفعك فى الدنيا والآخرة.
واستمر سهل على ذلك سنين، ووجد حلاوة للعبادة، وأحس بهذه الحلاوة تملأ جوانحه وتسرى بين كل ثنايا شعوره، وتملك عليه جميع أقطار نفسه، ولما تعود الذكر وتمرس به وأصبح له وردا، وأصبح له غذاء، توجه إليه خاله قائلا:
يا سهل: من كان الله معه، وهو ناظر إليه، وشاهده، أيعصيه؟
إياك والمعصية؟
ولكن كيف يتجنب المعصية وهى أمامه فى كل شىء إنها فى الطريق، إنها فى العمل إنها فى كل مجال. إن عليه أن يهئ نفسه ويعدها اعدادا كاملا للخير، ومن أجل ذلك
اعتزل، وتفرغ للعبادة والتهجد والذكر وكان لا يزال صغيرا لم يذهب إلى الكتاب بعد ..
وأرسلوه إلى الكتاب، فاشترط ان يكون ذهابه ساعة من نهار حتى لا ينفرط عقد عبادته، ولا يتشتت ذهنه.
وذهب إلى الكتاب. وضم إلى العمل العلم، وإلى الذكر فيوضات الخير النابعة من داخل القلب، لقد حفظ القرآن، وتفقه فى امور الشرع لقد حفظ القرآن وهو ابن ست سنين، وشغله الذكر والاستغراق فى العبادة عن متطلبات الحياة المادية العادية.
لقد تغذى بالذكر فخف احتياجه إلى ما سواه، وكان يكتفى بخبز الشعير، وكان يأكل أقل القليل منه.
يقول الإمام ابن عربى، صاحب الفتوحات المكية ..
رحل إلى عبادان، وتوجه إلى شيخ من كبار الشيوخ، فسأله عن مسألة فأجابه، فأعجب به، ولزم خدمته، وأقام عنده مدة ينتفع بكلامه ويتأدب بآدابه، ولما حصل ما شاء الله له من علوم الشيخ عاد إلى تستر، واشتهر فى مقام الزهد والتهجد والعبادة.
ثم أخذ فى السياحة إلى شتى الأقطار، ورحل إلى كثير من البلدان، وقابل العديد من الأولياء والعلماء.
لقد حصل العلم بسلوكه، وحصل العلم بتلقيه ومدارسته. لقد ضم إلى الشريعة الحقيقة، واستمرت سياحته سنين، وعاد إلى تستر
…
عاد إليها على نور من ربه، وبدأ دعوته إلى الله على هدى وبصيرة، ولم يبدأ الدعوة إلى الله إلا بعد أن أذن الله له.
يقول صاحب كتاب صفة الأولياء ومراتب الأصفياء:
ذكر سهل التسترى، وهو ابن سبع سنين وساح فى طلب العلم وهو ابن تسع سنين وكانت تلقى مشكلات المسائل على العلماء ثم لا يوجد جوابها إلا عنده وهو ابن إحدى عشرة سنة، وحينئذ ظهرت عليه الكرامات.
وبلغ سهل النضوج العلمى والنضوج الروحى بتوفيق الله تعالى بعد جهاد ومجاهدة بعد ذكر وعبادة، بعد صوم وسياحة، وحينما أذن الله له فى الدعوة إليه، أخذ يدعو إلى الله على بصيرة، ويرسم الطريق إليه على هدى.
ولم تقتصر دعوته إلى الله على التربية وتعليم السلوك، ولم تقتصر دعوته على القول والموعظة الحسنة، لقد ترك مؤلفات قيمة فى مجالات متعددة، وشارك فى أنواع من العلوم- ومن أشهر كتبه ..
رقائق المحبين.
مواعظ العارفين.
جوابات أهل اليقين.
قصص الأنبياء.
هذا فضلا عن تفسيره المشهور.
ولقد امتاز سهل بتعظيمه للسنة، وبتعظيمه للشريعة.
لقد ذهب إلى أبى داود- صاحب السنن زائرا- واستقبله أبو داود فى
احترام واعزاز. وقبل سهل فم أبى داود، لأنه ينطق بالسنة ويلغها للناس.
وأبان سهل بذلك عن تواضع جم، واحترام عميق للسنة ولمن يخدمون السنة.
ومن كلماته الحكيمة الدالة على كمال الاقتداء:
«ما عبد الله بشيء أفضل من مخالفة الهوى» «ما أعطى أحد شيئا أفضل من علم يستزيد افتقار إلى الله» وكانت وفاته بالبصرة سنة ثلاث وثمانين ومائتين بعد حياة مباركة، رحمه الله ونفع به.