الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ ذَلِكَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَمَا وَاللهِ إِنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلهِ، وَأَخْشَاكُمْ لَهُ».
بَابُ صِحَّةِ صَوْمِ مَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ
(1109)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، (ح) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ:«سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُصُّ يَقُولُ فِي قَصَصِهِ: مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ جُنُبًا، فَلَا يَصُمْ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ (لِأَبِيهِ) فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنهما فَسَأَلَهُمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ ذَلِكَ قَالَ: فَكِلْتَاهُمَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ، ثُمَّ يَصُومُ قَالَ: فَانْطَلَقْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى مَرْوَانَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ مَرْوَانُ: عَزَمْتُ عَلَيْكَ إِلَّا مَا ذَهَبْتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَدَدْتَ عَلَيْهِ مَا يَقُولُ، قَالَ: فَجِئْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ حَاضِرٌ ذَلِكَ كُلَّهُ، قَالَ: فَذَكَرَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَهُمَا قَالَتَاهُ لَكَ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هُمَا أَعْلَمُ، ثُمَّ رَدَّ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ إِلَى الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنَ الْفَضْلِ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَرَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَمَّا كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ، قُلْتُ: لِعَبْدِ الْمَلِكِ أَقَالَتَا فِي رَمَضَانَ قَالَ: كَذَلِكَ كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ، ثُمَّ يَصُومُ» .
(000)
وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: قَدْ «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم
يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ، فَيَغْتَسِلُ وَيَصُومُ».
75 - قوله: (يقص) أي يلقي الخطبة والوعظ (يقول في قصصه) أي في وعظه (فذكرت ذلك لعبد الرحمن بن الحارث لأبيه) قائل هذا أبو بكر بن عبد الرحمن. وقوله: "لأبيه" بدل من قوله لعبد الرحمن. قال النووي: وهو صحيح مليح، ومعناه: ذكره أبو بكر لأبيه عبد الرحمن فقوله لأبيه بدل من عبد الرحمن بإعادة حرف الجر. اهـ (من غير حلم) بضمتين، ويجوز سكون اللام، أي من غير احتلام بل من جماع، والجماع أمر اختياري، فيعرف حكم الاحتلام بطريق الأولى. قال الحافظ: أرادت بالتقييد بالجماع المبالغة في الرد على من زعم أن فاعل ذلك عمدًا يفطر، وإذا كان فاعل ذلك عمدًا لا يفطر فالذي ينسى الاغتسال أو ينام عنه أولى بذلك، وقيل: وفيه إشارة إلى جواز الاحتلام على النبي صلى الله عليه وسلم، والذين لا يجوزون قالوا: إنه من تلاعب الشيطان، والأنبياء معصومون منه. وأجيب بأنه من طبيعة الإنسان، وليس من تلاعب الشيطان، وأن الإنزال قد يقع بغير رؤية شيء في المنام (عزمت عليك إلا ما ذهبت) ما مصدرية والمعنى لا أقبل منك إلا أن تذهب إلى أبي هريرة
…
إلخ (فرجع أبو هريرة عما كان يقول في ذلك) ورجوعه هو الحق، لحديث عائشة وأم سلمة، ولأن الله تعالى في قوله:{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] أباح الأكل والشرب والجماع إلى طلوع الفجر، فكان للمجامع أن يستمر في الجماع إلى آخر =
(000)
حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو - وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ - عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبٍ الْحِمْيَرِيِّ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثَهُ «أَنَّ مَرْوَانَ أَرْسَلَهُ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها يَسْأَلُ عَنِ الرَّجُلِ يُصْبِحُ جُنُبًا أَيَصُومُ؟ فَقَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ لَا مِنْ حُلُمٍ، ثُمَّ لَا يُفْطِرُ، وَلَا يَقْضِي».
(000)
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمَا قَالَتَا:«إِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيُصْبِحُ جُنُبًا، مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ يَصُومُ» .
(1110)
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَقُتَيْبَةُ، وَابْنُ حُجْرٍ، قَالَ ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - وَهُوَ ابْنُ مَعْمَرِ بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيُّ أَبُو طُوَالَةَ - أَنَّ أَبَا يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَفْتِيهِ، وَهِيَ تَسْمَعُ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ تُدْرِكُنِي الصَّلَاةُ وَأَنَا جُنُبٌ أَفَأَصُومُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: وَأَنَا تُدْرِكُنِي الصَّلَاةُ وَأَنَا جُنُبٌ فَأَصُومُ، فَقَالَ: لَسْتَ مِثْلَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ: وَاللهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلهِ، وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي» .
(1109)
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّهُ سَأَلَ أُمَّ سَلَمَةَ رضي الله عنها عَنِ الرَّجُلِ يُصْبِحُ جُنُبًا أَيَصُومُ؟ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ احْتِلَامٍ، ثُمَّ يَصُومُ».
بَابُ تَغْلِيظِ تَحْرِيمِ الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَلَى الصَّائِمِ، وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ الْكُبْرَى فِيهِ وَبَيَانِهَا، وَأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ، وَالْمُعْسِرِ وَتَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ الْمُعْسِرِ حَتَّى يَسْتَطِيعَ
(1111)
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، - كُلُّهُمْ - عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ
= لحظة قبل طلوعه، فيلزم أن يقع اغتساله بعد طلوع الفجر. وأما ما كان يستند إليه أبو هريرة رضي الله عنه في فتواه السابقة فهو ما أخرجه النسائي والطبراني وعبد الرزاق بلفظ: قال أبو هريرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالفطر إذا أصبح الرجل جنبًا. وقد بين أبو هريرة أنه لم يسمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما سمعه بواسطة الفضل بن عباس وأسامة. وسياقه يشير إلى أنه في صوم التطوع، وليس في صيام رمضان، ثم يحتمل أن يكون للإرشاد إلى الأفضل. وقال الجمهور: إنه منسوخ، واستدلوا على نسخه بما تقدم من دلالة آية البقرة على جواز الجماع إلى طلوع الفجر، ومن لوازمه جواز الاغتسال بعد طلوع الفجر، ولكن يعكر على هذا أن الفضل بن عباس من متأخري الإسلام، فإنه جاء مسلمًا مع أبيه والرسول صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى فتح مكة. وآية البقرة نزلت قبل ذلك قطعًا.
81 -
قوله: (هلكت) وفي حديث عائشة عند المصنف والبخاري وغيره "احترقت" واستدل به على أنه كان =
اللهِ قَالَ: وَمَا أَهْلَكَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهَذَا، قَالَ: أَفْقَرَ مِنَّا فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ.»
(000)
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَ رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَقَالَ:«بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ» - وَهُوَ الزِّنْبِيلُ - وَلَمْ يَذْكُرْ فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ.
(000)
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ قَالَا: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، (ح) وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه «أَنَّ رَجُلًا وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ، فَاسْتَفْتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لَا، قَالَ: وَهَلْ تَسْتَطِيعُ صِيَامَ شَهْرَيْنِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا.»
(000)
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ «أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُكَفِّرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ، » ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ.
= عامدًا عارفًا بالتحريم، لأن الهلاك والاحتراق مجاز عن العصيان المؤدي إلى ذلك، فكأنه جعل المتوقع كالواقع، وإذا تقرر ذلك فليس فيه حجة على وجوب الكفارة على الناس، وهو مشهور قول مالك والجمهور. وقال أحمد وبعض المالكية بوجوبه على الناس مثل العامد، والسياق يأباه (وقعت على امرأتي) وفي حديث عائشة: وطئت امرأتي (في رمضان) يعني نهارًا في حالة الصوم (رقبة) منصوب، بدل من "ما" في قوله:"ما تعتق"(قال: لا) وعند البزار: "وهل لقيت ما لقيت إلا من الصيام" وهذه الرواية تقتضي أن عدم استطاعته لصوم شهرين متتابعين إنما هو لشدة شبقه وعدم صبره عن الوقاع، فقيل: يعد هذا عذرًا، وأن صاحبه غير مستطيع لصوم الكفارة، (بعرق) بفتح العين والراء، هو الزنبيل الكبير. قال في النهاية: هو زنبيل منسوج من نسائج الخوص، وكل شيء مضفور فهو عرق. ولم يعين في هذه الرواية ولا في شيء من طرق الصحيحين مقدار ما في المكتل من التمر. ووقع في رواية ابن أبي حفصة عند أحمد (2/ 516) والدارقطني (ص 252) والبيهقي (4/ 222):"فيه خمسة عشر صاعًا" وفي حديث علي عند الدارقطني (ص 251) بيان أنه المقدار الذي يقع به الكفارة، ففيه "تطعم ستين مسكينا، لكل مسكين مد". وفيه: "فأتى بخمسة عشر صاعًا، فقال: أطعمه ستين مسكينًا". وكذا في رواية حجاج عن الزهري عند الدارقطني (ص 242) والبيهقي (4/ 226) في حديث أبي هريرة (أفقر منا؟ ) منصوب بنزع الخافض، أي أعلى أفقر منا؟ يعني أأتصدق على شخص أكثر حاجة مني ومن أهل بيتي (ما بين لابتيها) تثنية لابة بالباء الموحدة المفتوحة، وهي الحرة، أي الأرض ذات الحجارة السود الكثيرة. والضمير للمدينة، ولابتا المدينة حرتاها من جانبيها الشرقي والغربي (بدت أنيابه) أي ظهرت، والأنياب جمع ناب، وهو السن الذي بعد الرباعية. وهي أربعة (اذهب فأطعمه أهلك) ولابن إسحاق: خذها وكلها وأنفقها على عيالك. واستدل به على سقوط الكفارة عن المعسر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بكفارة أخرى. ورد عليه بأنه لما أخبره بعجزه ثم أمره بإخراج العرق دل على أن لا سقوط عن العاجز، ولعله أخر البيان إلى وقت الحاجة، وهو القدرة. كذا قيل. وقد ورد ما يدل على إسقاط الكفارة أو على إجزائها عنه بإنفاقه إياها على عياله، وهو قوله: في حديث علي: "وكله أنت وعيالك، فقد كفر الله عنك" ولكنه حديث ضعيف لا يحتج بما انفرد به. والله أعلم.
(000)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً، أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ، أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا» .
(000)
حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ.
(1112)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ:«جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: احْتَرَقْتُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لِمَ؟ قَالَ: وَطِئْتُ امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ نَهَارًا، قَالَ: تَصَدَّقْ تَصَدَّقْ، قَالَ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَجْلِسَ فَجَاءَهُ عَرَقَانِ فِيهِمَا طَعَامٌ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ.»
(000)
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبَّادَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ رضي الله عنها تَقُولُ:«أَتَى رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَلَيْسَ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ تَصَدَّقْ تَصَدَّقْ وَلَا قَوْلُهُ نَهَارًا.
(000)
حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ أَنَّ عَبَّادَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ
84 - استدل المالكية بهذا الحديث على أن كفارة الصوم على التخيير وليست على الترتيب. والمراد بالترتيب أن لا ينتقل المكلف إلى المؤخر في الذكر إلا بعد العجز عن الذي قبله، والتخيير أن يفعل منها ما شاء ابتداء من غير عجز. وقد قال الجمهور: الشافعي وأحمد وأبو حنيفة بالترتيب، فالعتق أولا. فإن لم يجد فالصيام، فإن لم يجد فالإطعام واحتجوا بما تقدم من الأحاديث وبما روي في معناه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نقله من أمر بعد عدمه لأمر آخر، ورتب الثاني بالفاء على فقد الأول، ثم الثالث بالفاء على فقد الثاني، وهو يدل على عدم التخيير. وأجيب عن هذا الحديث الذي نحن فيه بأن "أو" ليست للتخيير، بل هي للتفسير، والتقدير أمر رجلًا أن يعتق رقبة، أو يصوم إن عجز عن العتق، أو يطعم إن عجز عنهما. قال الحافظ: وسلك الجمهور في ذلك مسلك الترجيح، بأن الذين رووا الترتيب عن الزهري أكثر ممن روى التخيير، فإن الذين رووا الترتيب عنه تمام ثلاثين نفسًا أو أزيد. ورجح الترتيب أيضًا بأن راويه حكى لفظ القصة على وجهها، فمعه زيادة علم من صورة الواقعة، وراوي التخيير حكى لفظ راوي الحديث، فدل على أنه من تصرف بعض الرواة إما لقصد الاختصار أو لغير ذلك. ويترجح الترتيب أيضًا بأنه أحوط، لأن الأخذ به مجزىء سواء قلنا بالتخيير أو لا، بخلاف العكس. اهـ.
85 -
قوله: (عرقان) تثنية عرق بفتحتين، وهو الزنبيل الكبير، وقد تقدم أنه أتى بعرق، وهو الراجح، قال الحافظ: والذي يظهر أن التمر كان قدر عرق، لكنه كان في عرقين في حال التحميل على الدابة، ليكون أسهل في الحمل، فيحتمل أن الآتي به لما وصل أفرغ أحدهما في الآخر، فمن قال: عرقان، أراد ابتداء الحال. والذي قال: عرق، أراد ما آل إليه. والله أعلم.
87 -
قوله: (أغيرنا؟ ) أي أنعطيه غيرنا ونحن أحق به منه (لجياع) بكسر الجيم جمع جائع.
حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَقُولُ: «أَتَى رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ احْتَرَقْتُ احْتَرَقْتُ، فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا شَأْنُهُ؟ فَقَالَ: أَصَبْتُ أَهْلِي، قَالَ: تَصَدَّقْ فَقَالَ: وَاللهِ يَا نَبِيَّ اللهِ مَالِي شَيْءٌ، وَمَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، قَالَ: اجْلِسْ فَجَلَسَ، فَبَيْنَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ أَقْبَلَ رَجُلٌ يَسُوقُ حِمَارًا عَلَيْهِ طَعَامٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَيْنَ الْمُحْتَرِقُ آنِفًا؟ فَقَامَ الرَّجُلُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: تَصَدَّقْ بِهَذَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَغَيْرَنَا، فَوَاللهِ إِنَّا لَجِيَاعٌ مَا لَنَا شَيْءٌ، قَالَ: فَكُلُوهُ» .
بَابُ جَوَازِ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِلْمُسَافِرِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ إِذَا كَانَ سَفَرُهُ مَرْحَلَتَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَأَنَّ الْأَفْضَلَ لِمَنْ أَطَاقَهُ بِلَا ضَرَرٍ أَنْ يَصُومَ، وَلِمَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ أَنْ يُفْطِرَ
(1113)
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ قَالَا: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، (ح) وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ أَخْبَرَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى
بَلَغَ الْكَدِيدَ، ثُمَّ أَفْطَرَ، » قَالَ: وَكَانَ صَحَابَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَّبِعُونَ الْأَحْدَثَ فَالْأَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ.
(000)
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ قَالَ يَحْيَى: قَالَ سُفْيَانُ: «لَا أَدْرِي مِنْ قَوْلِ مَنْ هُوَ يَعْنِي: وَكَانَ يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم»
(000)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ الزُّهْرِيُّ: «وَكَانَ الْفِطْرُ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْآخِرِ
88 - قوله: (عام الفتح) أي فتح مكة (الكديد) بفتح الكاف وكسر الدال، وقيل: مصغر، موضع قرب عسفان. قال البكري: هو بين أمج - بفتحتين وجيم - وعسفان، وهو ماء عليه نخل كثير. انتهى. ويقع كديد على بعد اثنين وتسعين كيلومترًا شمال مكة على طريق المدينة (الأحدث) أفعل من الحادث وهو الجديد، وقوله: "وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره، هذا رأي الزهري، يريد أن ترك الصوم في السفر كان آخر الأمرين، كما هو واضح من هذا الحديث، فيؤخذ به وهو يكون ناسخا لجواز الصوم في السفر. وقد استدل بهذا من ذهب من أهل الظاهر إلى أن جواز الصوم في السفر منسوخ، فإن صام أحد في السفر لا يجزىء صومه عن رمضان، ويجب عليه قضاؤه في الحضر، وأجاب عن ذلك الجمهور بأن هذه الزيادة مدرجة من قول الزهري، جزم بذلك البخاري وهو عند مسلم في الطريقين الآتيين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم صام بعد هذه القصة كما في حديث أبي سعيد الخدري الآتي بعد هذا الباب برقم 102 (1120) ثم اختلفوا في حكم الصوم في السفر فذهب أكثر العلماء، منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة إلى أن الصوم أفضل لمن قوي عليه ولم يشق به، وقال كثير منهم: الفطر أفضل عملًا بالرخصة. وقال آخرون: هو مخير مطلقًا. وقال آخرون: أفضلهما أيسرهما، فمن كان الفطر أيسر عليه فهو أفضل في حقه، ومن كان الصوم أيسر عليه فهو أفضل في حقه. كمن يسهل عليه حينئذ، ويشق عليه قضاؤه بعد ذلك. ولعل أولى هذه الأقوال هو هذا القول الأخير أو الذي قبله.
(
…
) قوله: (وكان الفطر آخر الأمرين) هذا على إطلاقه ليس بصحيح، وإنما كان الفطر آخر الأمرين في هذا السفر خاصة، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ربما صاموا في السفر وربما أفطروا كما في حديث أبي سعيد الآتي (فصبح) أي أتى صباحًا (لثلاث عشرة) اختلفت الروايات في تعيين التاريخ، وسيأتي في الروايات: ست عشرة، =
فَالْآخِرِ» قَالَ الزُّهْرِيُّ فَصَبَّحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ.
(000)
وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَ حَدِيثِ اللَّيْثِ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ:«فَكَانُوا يَتَّبِعُونَ الْأَحْدَثَ فَالْأَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ، وَيَرَوْنَهُ النَّاسِخَ الْمُحْكَمَ» .
(000)
وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:«سَافَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ عُسْفَانَ، ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ فِيهِ شَرَابٌ، فَشَرِبَهُ نَهَارًا لِيَرَاهُ النَّاسُ، ثُمَّ أَفْطَرَ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: فَصَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَفْطَرَ فَمَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ» .
(000)
وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:«لَا تَعِبْ عَلَى مَنْ صَامَ، وَلَا عَلَى مَنْ أَفْطَرَ، قَدْ صَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي السَّفَرِ وَأَفْطَرَ» .
(1114)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، - يَعْنِي: ابْنَ عَبْدِ الْمَجِيدِ - حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ، ثُمَّ شَرِبَ فَقِيلَ لَهُ
بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ، فَقَالَ: أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ».
= وثمان عشرة، وثنتا عشرة، وسبع عشرة أو تسع عشرة، ولا يمكن الجمع بين هذه الأعداد، والأرجح عندي أنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الثلاثاء لسبع عشرة، إن كان الشهر تسعًا وعشرين، ولثمان عشرة إن كان الشهر ثلاثين، لأنه خرج من مكة إلى حنين يوم السبت للسادس من شهر شوال، وقد مكث في مكة تسعة عشر يومًا مع يومي الدخول والخروج. كما يدل عليه معظم الروايات. وهو لا يتم إلا بما تقدم.
(
…
) قوله: (عسفان) بوزن عثمان، بلدة عامرة تقع شمال مكة على بعد ثمانين كيلومترًا منها على طريق المدينة، وهذا يخالف ما تقدم من أنه صلى الله عليه وسلم أفطر بكديد، وقد يجمع بأن كديدًا من أعمال عسفان فنسب إلى عسفان على سبيل التوسع وإلى كديد على سبيل التحديد، ولكن سيأتي أنه أفطر بكراع الغميم، وهو أمام عسفان إلى جهة الجنوب، وكديد إلى جهة الشمال من عسفان، ويمكن الجمع بينهما بأن يقال إنه أفطر بكديد، ولكنه لم يؤكد للناس أن يفطروا، فصام بعضهم وأفطر بعضهم حتى جاوز عسفان، فعلم أن الصائمين وقعوا في مشقة فدعا بماء وشربه على مشهد من الناس حتى يروه فيتبعوه، وحينئذ أكد لهم الإفطار وعزمه عليهم لوقوعهم في المشقة، ولقربهم من العدو. ويؤيد هذا الجمع حديث أبي سعيد الآتي بعد هذا الباب برقم 102 (1120) وحيث إن ذلك كان بين عسفان وكراع الغميم فنسبه ابن عباس إلى عسفان، ونسبه جابر إلى كراع الغميم. قوله:(ثم أفطر حتى دخل مكة) أي بقي مفطرًا، ولم يصم.
89 -
قوله: (لا تعب) نهي من العيب.
90 -
قوله: (كراع الغميم) الكراع بضم الكاف، جانب مستطيل منخفض من الحرة أو الجبل، يسمى بالكراع تشبيهًا له بكراع الغنم، وهو ما دون الركبة من الساق، والغميم بالفتح: اسم واد أمام عسفان على بعد ستة عشر كيلومترًا منها إلى مكة، يتصل به جانب حرة ضجنان ممتدًّا شمالًا غربيًّا، فسمي بكراع الغميم (أولئك العصاة) نسب الصائمين إلى العصيان لأنه أكد لهم الإفطار، وعزمه عليهم، لرفع المشقة ولقربهم من العدو، ورفع لهم قدح الماء =
(000)
وَحَدَّثَنَاهُ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، - يَعْنِي: الدَّرَاوَرْدِيَّ - عَنْ جَعْفَرٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَزَادَ فَقِيلَ لَهُ: «إِنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمُ الصِّيَامُ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُونَ فِيمَا فَعَلْتَ فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ الْعَصْرِ» .
(1115)
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ، - جَمِيعًا - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَرَأَى رَجُلًا قَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَقَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا لَهُ قَالُوا: رَجُلٌ صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ.»
(000)
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما يَقُولُ: «رَأَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا» بِمِثْلِهِ
(000)
وَحَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ وَزَادَ قَالَ شُعْبَةُ: وَكَانَ يَبْلُغُنِي عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّهُ كَانَ يَزِيدُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّهُ قَالَ: عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللهِ الَّذِي رَخَّصَ لَكُمْ قَالَ: فَلَمَّا سَأَلْتُهُ لَمْ يَحْفَظْهُ.
(1116)
حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ:«غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِسِتَّ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ، فَمِنَّا مَنْ صَامَ، وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ.»
(000)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ التَّيْمِيِّ، (ح)
= وشربه أمام أعينهم ليتبعوه، ولكنهم مع كل ذلك خالفوه. فلا يؤخد منه أن الصوم في السفر معصية في كل حال وفي كل مكان.
92 -
قوله: (وقد ظلل عليه) بتشديد اللام الأولى وكسرها على بناء المفعول من التظليل، أي جعل عليه شيء يظله من الشمس لغلبة العطش وحر الصوم (ليس البر أن تصوموا في السفر) أي إذا أدى إلى مثل هذا الحال من المشقة والضرر، وذلك لأن الكلام خرج على سبب فهو مقصور عليه، وعلى من كان في مثل حاله. ومن الدليل على ذلك صومه صلى الله عليه وسلم في سفره عام الفتح، قال الطحاوي: المراد بالبر هنا البر الكامل الذي هو أعلى المراتب. وليس المراد به إخراج الصوم في السفر عن أن يكون برًّا، لأن الإفطار قد يكون أبر من الصوم إذا كان للتقوي على لقاء العدو. اهـ.
(عليكم برخصة الله
…
إلخ) وهو ترك الصوم في السفر، فاقبلوا هذه الرخصة ولا تستنكفوا منها، ومن قبولها ترك الصوم في السفر، ولو أحيانا. وحالة المشقة أولى بالترك.
93 -
قوله: (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي غزوة فتح مكة.
94 -
مضى بيان ما هو الراجح في تاريخ غزوة الفتح تحت الحديث الثالث من هذا الباب.