الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ:«كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَأْمُرُ بِالْمُتْعَةِ، وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَنْهَى عَنْهَا، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ فَقَالَ: عَلَى يَدَيَّ دَارَ الْحَدِيثُ، تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا قَامَ عُمَرُ قَالَ: إِنَّ اللهَ كَانَ يُحِلُّ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ، وَإِنَّ الْقُرْآنَ قَدْ نَزَلَ مَنَازِلَهُ فَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلهِ كَمَا أَمَرَكُمُ اللهُ، وَأَبِتُّوا نِكَاحَ هَذِهِ النِّسَاءِ، فَلَنْ أُوتَى بِرَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً إِلَى أَجَلٍ إِلَّا رَجَمْتُهُ بِالْحِجَارَةِ» .
(000)
وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ:«فَافْصِلُوا حَجَّكُمْ مِنْ عُمْرَتِكُمْ؛ فَإِنَّهُ أَتَمُّ لِحَجِّكُمْ، وَأَتَمُّ لِعُمْرَتِكُمْ» .
(1216)
وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، وَأَبُو الرَّبِيعِ، وَقُتَيْبَةُ جَمِيعًا، عَنْ حَمَّادٍ قَالَ خَلَفٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يُحَدِّثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: «قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَقُولُ: لَبَّيْكَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً» .
بَابُ حَجَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
(1218)
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ جَمِيعًا، عَنْ حَاتِمٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَدَنِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، فَسَأَلَ عَنِ الْقَوْمِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ، فَقُلْتُ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ فَأَهْوَى
= أشهر الحج، ثم يقدم مكة فيفرغ من العمرة ويحل منها، ثم يقيم بمكة حتى يحرم للحج في عامه ذلك. سمي بالتمتع لتمتعه بمحظورات الإحرام بعد التحلل من العمرة، أو لانتفاعه بسقوط العود إلى الميقات. وقيل: لانتفاعه بالتقرب إلى الله تعالى بالعبادتين في سفر واحد (أبتوا نكاح هذه النساء) أي اجعلوه نكاحًا قطعيًّا يبقى بقاء الدوام والاستمرار، ولا تجعلوه معلقًا ينتهي بانتهاء مدة معينة، ومعنى الحديث أن عمر رضي الله عنه أباح متعة الحج، وهو التمتع بالعمرة إلى الحج، لأن القرآن نزل به، ونهى عن متعة النساء، وتوعد عليه بالرجم، وهو حد الزاني المحصن، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمه يوم أوطاس فاستمر تحريمه إلى يوم القيامة.
147 -
قوله: (فسأل عن القوم) أي فسأل عنا نحن الذين دخلنا عليه، فكأنهم عرفوه بواحد واحد (فنزع زري الأعلى
…
إلخ) أي حل الزرين وأخرجهما من عروتيهما من القميص لينكشف الصدر، فيضع يده عليه، وذلك لكمال الشفقة عليه، لكونه من أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم (نساجة) بكسر النون، مصدر بمعنى المفعول، أي فقام في ملحفة أو بردة منسوجة (المشجب) بالكسر، عيدان تضم رءوسها، ويفرج بين قوائمها، توضع عليها الثياب (فقال بيده) أي أشار بها (فعقد تسعًا) وذلك يكون بضم ثلاثة أصابع: الخنصر والبنصر والوسطى، إلى الكف، وفتح المسبحة والإبهام (مكث تسع سنين) بالمدينة بعد الهجرة (ثم أذن في الناس)"أذن" بالبناء للفاعل أو المفعول، أي نودي في الناس وأعلموا بحجه صلى الله عليه وسلم ليتأهبوا للحج معه، ويتعلموا المناسك والأحكام، ويشاهدوا أقواله وأفعاله، ولتشيع دعوة الإسلام وتبلغ الرسالة القريب والبعيد (في العاشرة) أي في السنة العاشرة (كلهم يلتمس) أي يبتغي ويريد (أن يأتم) أي يقتدى (كيف أصنع؟ ) في باب الإحرام (اغتسلي) فيه غسل النفساء للإحرام وإن لم تطهر، وفي حكمها الحائض، فهو للنظافة لا للطهارة (واستثفري) بالثاء المثلثة بعد الفوقية، أمر من الاستثفار، وهو أن تحشي المرأة قطنًا، وتشد في وسطها شيئًا، وتأخذ خرقة عريضة تجعلها على محل الدم، وتشد طرفيها من قدامها ومن ورائها في ذلك المشدود في وسطها، والمقصود أن تجعل هناك ما يمنع من سيلان الدم تنزيها أن تظهر النجاسة عليها، إذ لا تقدر على أكثر من ذلك (أحرمي) بالنية والتلبية (في المسجد) أي في مسجد ذي الحليفة صلاة الظهر (ثم ركب القصواء) =
بِيَدِهِ إِلَى رَأْسِي، فَنَزَعَ زِرِّي الْأَعْلَى، ثُمَّ نَزَعَ زِرِّي الْأَسْفَلَ، ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ يَا ابْنَ أَخِي، سَلْ عَمَّا شِئْتَ، فَسَأَلْتُهُ وَهُوَ أَعْمَى، وَحَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، فَقَامَ فِي نِسَاجَةٍ، مُلْتَحِفًا بِهَا، كُلَّمَا وَضَعَهَا عَلَى مَنْكِبِهِ رَجَعَ طَرَفَاهَا إِلَيْهِ مِنْ صِغَرِهَا، وَرِدَاؤُهُ إِلَى جَنْبِهِ عَلَى الْمِشْجَبِ، فَصَلَّى بِنَا، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: بِيَدِهِ، فَعَقَدَ تِسْعًا، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أُذِّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَاجٌّ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ، وَأَحْرِمِي، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ، حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ، وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ، وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ، فَأَهَلَّ
= بفتح القاف، اسم ناقته صلى الله عليه وسلم، ولها أسماء أخرى مثل العضباء والجدعاء، وقيل: هي أسماء لنوق مختلفة، وأصل القصواء المقطوعة الأذن عرضًا، ولكن لم تسم ناقته صلى الله عليه وسلم بذلك لشيء أصابها (البيداء) ميدان ذي الحليفة (إلى مد بصري) أي منتهى بصري (فأهل بالتوحيد) إشارة إلى مخالفة ما كان أهل الجاهلية يزيدونه من كلمات الشرك بعد قوله:"لا شريك لك" فقد كانوا يقولون: "إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك"؛ كما تقدم (وأهل الناس بهذا الذي يهلون به) يعني زادوا بعض الكلمات ففي رواية أحمد وابن الجارود: ولبى الناس، والناس يزيدون "ذا المعارج" ونحوه من الكلام، والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع فلا يقول لهم شيئًا (استلم الركن) أي ركن الحجر الأسود، واليه ينصرف الركن عند الإطلاق. ومعنى الاستلام أنه وضع عليه يديه، ولكنه لم يكتف به بل قبله (فرمل ثلاثًا) أي مشى بسرعة مع تقارب الخطى وهز كتفيه ثلاث مرات من الأشواط السبعة (ثم تقدم) أي توجه (إلى مقام إبراهيم) بفتح الميم، هو الحجر الذي قام عليه إبراهيم عليه السلام عند بناء البيت، وفيه أثر قدميه، موضوع قبالة البيت {مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} أي بعض حواليه {مُصَلًّى} بالتنوين، أي موضع صلاة الطواف (ثم خرج من الباب) أي من باب الصفا (إلى الصفا) لأنه كان أقرب الأبواب إلى الصفا لا أنه سنة، وقد صار الصفا الآن في ناحية المسجد، ووقع باب الصفا في جانب، فالذهاب إلى الصفا الآن من داخل المسجد أسهل وأقرب {مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} أي من أعلام مناسكه، جمع شعيرة، وهي كل ما جعل علمًا لطاعة الله تعالى، كالوقوف والرمي والطواف والسعي وغير ذلك في الحج، وكالجمعة والأعياد وغيرها من غير الحج (فرقي عليه) بكسر القاف أي صعد عليه (حتى رأى البيت) وكان إذ ذاك يرى من الصفا، أما الآن فقد حجبها بناء الحرم فينبغي جعل الوجه إليه، ولو من غير رؤيته (أنجز وعده) أي وفى بما وعد من إظهار الدين (وهزم الأحزاب وحده) أي غلبهم بغير قتال. كما قال تعالى:{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 9] والمراد بالأحزاب القبائل المتعددة التي تحزبت على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في غزوة الخندق في شوال سنة خمس، أو المراد بالأحزاب أنواع الكفار الذين تكالبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين مطلقا في أوقات متفرقة، وكانت نتيجتهم الهزيمة والفرار والاستسلام، وما كان ذلك إلا بنصر من الله وفضله (ثم دعا بين ذلك. قال مثل هذا ثلاث مرات) فيه تقديم وتأخير يعني أنه قال الذكر المذكور ثلاث مرات، ودعا بعد كل مرة (انصبت قدماه) بتشديد الباء. أي انحدرتا (في بطن الوادي) أي منخفضه (حتى إذا صعدتا) بكسر العين، أي ارتفعت قدماه عن بطن الوادي، وخرجتا منه إلى طرفه الأعلى (وجعلتها) أي الحجة (عمرة) وحللت، يعني كنت متمتعًا من أول الأمر (ببدن النبي صلى الله عليه وسلم) بضم الباء وسكون الدال، جمع بدنة بفتحات، هي إبل الهدي، وقد تطلق على البقرة أيضًا، نسبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن عليا اشتراها له (ثيابًا صبيغًا) أي مصبوغًا ملونًا (محرشا على فاطمة) من التحريش، وهو الإغراء، أي ذهبت لأذكر له ما يقتضي عتابها (والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم) زاد في=
بِالتَّوْحِيدِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ، وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْهُ، وَلَزِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَلْبِيَتَهُ. قَالَ جَابِرٌ رضي الله عنه: لَسْنَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ، لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ، حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ، اسْتَلَمَ الرُّكْنَ
فَرَمَلَ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ نَفَذَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام، فَقَرَأَ:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} ، فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَكَانَ أَبِي يَقُولُ: (وَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} ، وَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا، قَرَأَ:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ} ، أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ، فَبَدَأَ بِالصَّفَا، فَرَقِيَ عَلَيْهِ، حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللهَ، وَكَبَّرَهُ، وَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ، قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ، حَتَّى إِذَا
= رواية النسائي وأبي داود وابن ماجه وابن الجارود والبيهقي: "من المدينة، (يوم التروية) اليوم الثامن من ذي الحجة، سمي بذلك لأن الحجاج كانوا يرتوون أي يأخذون الماء لأنفسهم ويسقون إبلهم فيه استعدادًا للوقوف بعرفة، إذ لم يكن بعرفة ماء مثل زماننا (وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم) فذهب من مكة إلى منى (وأمر بقبة) أي خيمة (من شعر) بفتح الشين وسكون العين (بنمرة) بفتح النون وكسر الميم وفتح الراء، موضع بجنب عرفات، وليس من عرفات (ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام) يعني كانت قريش جازمين ومستيقنين بأنه صلى الله عليه وسلم يقف عند المشعر الحرام، والمشعر الحرام جبل في المزدلفة يقال له قزح، وقيل: بل هو كل المزدلفة، وإنما كانوا جازمين بوقوفه صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة لأنه كان من قريش، وقريش لم يكونوا يقفون بعرفات، بل كانوا يقفون بالمزدلفة، ويقولون: نحن الحمس وأهل الحرم، فلا نخرج من الحرم إلى الحل، وعرفات من الحل. وكان سائر العرب يتجاوزون المزدلفة، ويقفون بعرفات (فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي جاوز المزدلفة، ولم يقف بها، بل توجه إلى عرفات (حتى أتى عرفة) أي قاربها، لأنه نزل بالقبة التي ضربت له بنمرة، وتقدم أن نمرة ليست من عرفات، بل هي دونها (فرحلت له) على بناء المجهول مخففًا، أي شد على ظهرها الرحل ليركبها النبي صلى الله عليه وسلم (فأتى بطن الوادي) هو وادي عرنة - بضم ففتح - وعرنة ليست من عرفات (كحرمة يومكم هذا
…
إلخ) وهو يوم عرفة، والتشبيه لبيان تأكيد التحريم وشدته، وكانت حرمة ذلك اليوم والشهر والبلد معروفة التأكيد لديهم من زمن الجاهلية (تحت قدمي موضوع) أي مردود وباطل لا يطالب به في الإسلام (ودماء الجاهلية موضوعة) أي متروكة لا قصاص لها ولا دية ولا كفارة (وإن أول دم أضع) أي أتركه وأبطله (من دمائنا) أي من دماء بني عبد المطلب، وهو البطن الذي منه النبي صلى الله عليه وسلم (دم ابن ربيعة بن الحارث) بن عبد المطلب. واسم هذا الابن إياس، وقيل: غيره (فقتلته هذيل) بالتصغير، اسم قبيلة، وهم بنو هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر، وكان ابن ربيعة هذا طفلًا صغيرًا يحبو بين البيوت فأصابه حجر في حرب كانت بين بني سعد وبين هذيل فقتله، وظاهر سياق الحديث أنهم قتلوه عمدًا (وربا الجاهلية) وهو ما زاد على رأس المال (موضوع) أي باطل مردود (وأول ربا أضع
…
إلخ) إنما ابتدأ في وضع دماء الجاهلية ورباها من أهل الإسلام، بأهل بيته ليكون أمكن في قلوب السامعين، وأسد لأبواب الطمع في الترخيص (فإنكم أخذتموهن بأمان الله) وفي بعض النسخ بأمانة الله، وكذا عند أبي داود وابن ماجه والشافعي وابن الجارود والبيهقي، أي إنهن أمانة من الله في أيديكم فيجب حفظها ومراعاة حقوقها والقيام بمصالحها الدينية والدنيوية (واستحللتم فروجهن بكلمة الله) أي بأمره وإباحته التي أنزلها في كتابه كقوله:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] أو بقضائه الذي قضاه قبل الخلق من إباحتهن للرجال بشرط النكاح (ولكم عليهن) أي ومن حقوقكم عليهن (أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه) أي لا يأذن لأحد تكرهونه أن يدخل في=
انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى، حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا مَشَى، حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا، حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ، فَقَالَ: لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلْيَحِلَّ، وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً، فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِأَبَدٍ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى، وَقَالَ: دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَرَّتَيْنِ، لَا بَلْ لِأَبَدِ أَبَدٍ. وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَ فَاطِمَةَ رضي الله عنها مِمَّنْ حَلَّ، وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا، وَاكْتَحَلَتْ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا، قَالَ: فَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ بِالْعِرَاقِ: فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ لِلَّذِي صَنَعَتْ، مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: صَدَقَتْ صَدَقَتْ، مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ، قَالَ: فَإِنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ، فَلَا تَحِلَّ، قَالَ: فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ، وَالَّذِي
أَتَى بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مِائَةً، قَالَ: فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ،
= بيوتكم ويجلس على فرشكم. قال الخطابي: معنى الحديث أن لا يأذن لأحد من الرجال يدخل فيتحدث إليهن، وكان الحديث من الرجال إلى النساء من عادات العرب، ولا يرون بذلك عيبًا ولا يعدونه ريبة، فلما نزلت آية الحجاب صارت النساء مقصورات، ونهى عن محادثتهن والقعود إليهن، وليس المراد بوطىء الفرش هنا نفس الزنا، لأنه محرم على الوجوه كلها، فلا معنى لاشتراط الكراهية فيه، ولو أريد الزنا لكان الضرب الواجب فيه هو المبرح الشديد، والعقوبة المؤلمة من الرجم، دون الضرب الذي ليس بمبرح، وقال النووي: والمختار أن معناه أن لا يأذن لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم، والجلوس في منازلكم، سواء كان المأذون له رجلًا أجنبيًا أو امرأة أو أحدًا من محارم الزوجة. فالنهي يتناول جميع ذلك. وهذا حكم المسألة عند الفقهاء أنها لا يحل لها أن تأذن لرجل ولا امرأة ولا محرم ولا غيره في دخول منزل الزوج إلا من علمت أو ظنت أن الزوج لا يكرهه. اهـ (ضربًا غير مبرح) بكسر الراء المشددة من التبريح، وهو الضرب الشديد الشاق، أي اضربوهن ضربًا ليس بشديد ولا شاق (كتاب الله) إنما اقتصر عليه لأن العمل به مستلزم للعمل بالسنة (وأنتم تسألون عني) يعني يسألكم الله يوم القيامة عني هل بلغتكم رسالته أم لا؟ (قد بلغت) رسالات ربك (وأديت) الأمانة (ونصحت) الأمة (وينكتها إلى الناس) بالتاء بعد الكاف، والنكت ضرب رأس الأنامل إلى الأرض، أو ضرب رأس القضيب أو العود في الأرض بحيث يؤثر فيها وهو غير مراد، وإنما المراد الإشارة بالأصابع إلى الناس (اللهم اشهد) أي على عبادك هؤلاء بأنهم قد أقروا بأني قد بلغت (ثم أذن) أي بلال، كما هو عند ابن ماجه والدارمي وابن الجارود والبيهقي (حتى أتى الموقف) أي موقفه الخاص من أرض عرفات (فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات) الصخرات - بفتحتين - هي حجرات مفترشات في أسفل جبل الرحمة، وهو جبل مشهور بوسط أرض عرفات، ومعنى جعل بطن الناقة إليها أنه كان واقفًا على تلك الصخرات، فهذا هو الموقف المستحب، ويصح الوقوف في حدود عرفة أين يقف (حبل المشاة) بضم الميم، جمع ماش، و "حبل" بالحاء المهملة المفتوحة مع سكون الباء، هو من الرمل ما طال منه وضخم، أي الربوة والتل اللطيف، والحبال في الرمال كالجبال في الحجر، وحبل المشاة مجتمعهم، وفي بعض النسخ "جبل" بالجيم المعجمة وفتح الباء، ومعنى جبل المشاة طريقهم، أي حيث تسلك الرجالة (وذهبت الصفرة قليلًا) أي بعد غروب الشمس، وبذلك استحكم غروبها (حتى غاب القرص) أي قرص الشمس كله، وهو عينها، والقرص: الشيء المستدير، وفيه تأكيد مزيد لاستحكام غروب الشمس، وأنه لم يرتحل إلا بعد ذلك، فالسنة أن يبقى في الموقف حتى تغرب الشمس، ويتحقق كمال غروبها، ثم يفيض إلى المزدلفة، أما وقت الوقوف بعرفة فهو ما بين زوال الشمس يوم عرفة وطلوع الفجر الثاني يوم النحر، فمن حصل بعرفات في برء من هذا الزمان صح وقوفه. ومن فاته ذلك فاته الحج (دفع) أي ابتدأ السير ودفع نفسه، أو=
وَقَصَّرُوا، إِلَّا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى، فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَسَارَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ، أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ، وَقَالَ: إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؛ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ، فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ؛ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ، فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ
= دفع ناقته وحملها على السير يعني سار وخرج من عرفات (وقد شنق للقصواء الزمام) يعني جذب الزمام إليه وضمه وضيقه على القصواء، وإنما يفعل ذلك لمنع الناقة عن السرعة، وهو ضد إرخاء الزمام. (حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله) مورك بفتح الميم وسكون الواو وكسر الراء، هو الموضع الذي يثني الراكب رجله عليه قدام واسطة الرحل إذا مل من الركوب، وقال عياض: هو بفتح الراء، وهو قطعة أدم محشوة تجعل في مقدم الرحل شبه المخدة الصغيرة، يضع الراكب رجليه عليها متوركًا ليستريح من وضعهما في الركاب، أراد أنه قد بالغ في جذب رأسها إليه ليكفها عن سرعة السير (ويقول بيده اليمنى) أي يشير بها (السكينة السكينة) بالنصب أي الزموا السكينة، وهي الرفق والطمأنينة وعدم الزحمة (كما أتى حبلًا من الحبال) بالحاء المهملة، أي تلًّا لطيفًا من الرمل (أرخى لها) أي للقصواء الزمام قليلًا (حتى تصعد) بفتح العين أي ترتقي على ذلك التل المرتفع (ولم يسبح بينهما شيئًا) أي لم يصل بين المغرب والحاء شيئًا من النوافل (ثم اضطجع) للنوم تقوية للبدن، ورحمة بالأمة، لأن في نهاره عبادات كثيرة يحتاج إلى النشاط فيها (حتى طلع الفجر) أي نام حتى أصبح، وترك قيام الليل تلك الليلة لما تقدم له من الأعمال بعرفة من الوقوف من الزوال إلى ما بعد الغروب، واجتهاده عليه السلام في الدعاء، وسيره بعد الغروب إلى المزدلفة (فصلى الفجر حين تبين له الصبح) أي حين ظهر له، أي أول ظهور الصبح، وفيه التبكير بصلاة الفجر مع أول طلوع الصبح في هذا اليوم، وذلك لأن وظائف هذا اليوم كثيرة، فسن المبالغة في التبكير بالصبح ليتسع الوقت للوظائف (حتى أتى المشعر الحرام) هو جبل قزح - بضم ففتح - كما تقدم. وهو جبل صغير معروف بالمزدلفة. وقد يطلق المشعر الحرام على المزدلفة كلها، ولكنها ليست بمراد هنا (حتى أسفر جدًّا) أي أضاء الفجر إضاءة تامة، فالضمير في أسفر يعود إلى الفجر المذكور أولًا (فدفع قبل أن تطلع الشمس) أي ارتحل من المزدلفة إلى منى عند الإسفار قبل أن تطلع الشمس. وقد كان أهل الجاهلية يدفعون من عرفة قبل أن تغيب الشمس، ومن المزدلفة بعد أن تطلع الشمس. وكانوا يقولون: أشرق ثبير كيما نغير، فأخر الله الأول إلى ما بعد غروب الشمس، وقدم الثاني إلى ما قبل طلوعها (وسيما) أي حسنا جميلًا (مرت به ظعن) بضم الظاء والعين ويجوز إسكان العين، جمع ظعينة، مثل سفينة وسفن، وأصل الظعينة البعير الذي عليه المرأة، ثم أطلقت على المرأة نفسها لملابستها البعير (حتى أتى بطن محسر) بضم الميم وفتح الحاء وكسر السين المشددة المهملتين. هو واد بين مزدلفة ومنى، سمي بذلك لأنه حسر فيه فيل أصحاب الفيل أي أعيى (فحرك قليلًا) أي حرك ناقته وأسرع السير قليلًا. وهذه كانت عادته صلى الله عليه وسلم في المواضع التي نزل فيها بأس الله بأعدائه، وكذلك فعل في سلوكه الحجر ديار ثمود، تقنع بثوبه وأسرع السير. قاله ابن القيم. وقيل: إن أصحاب الفيل أهلكوا قبل الدخول في حدود الحرم، فكان إسراعه صلى الله عليه وسلم في هذا الوادي لأمر آخر، وهو وجود سعة في =
عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ، وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كِتَابُ اللهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ، وَأَدَّيْتَ، وَنَصَحْتَ. فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ: اللَّهُمَّ اشْهَدِ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ
الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ، وَدَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ، حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ، كُلَّمَا أَتَى حَبْلًا مِنَ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا حَتَّى تَصْعَدَ، حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، وَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَدَعَاهُ، وَكَبَّرَهُ، وَهَلَّلَهُ، وَوَحَّدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ، وَكَانَ رَجُلًا حَسَنَ الشَّعَرِ، أَبْيَضَ وَسِيمًا، فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّتْ بِهِ ظُعُنٌ يَجْرِينَ، فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ، فَحَوَّلَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ يَنْظُرُ، فَحَوَّلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ، يَصْرِفُ وَجْهَهُ مِنَ
= موضع السير (ثم سلك الطريق الوسطى) وهي غير طريق ذهابه، فذلك كان بطريق ضب، وهذا طريق المازمين، وهما جبلان، وكان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك تفاؤلًا، بتغير الحال، كما كان يفعل في العيد، يخرج في طريق ويعود في طريق (التي تخرج على الجمرة الكبرى) هي جمرة العقبة، وهي أول الجمرات من جهة مكة، وآخرها من جهة منى (حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة) وهي جمرة العقبة، أي الجمرة الكبرى نفسها، وكانت هناك إذ ذاك شجرة (حصى الخذف) بفتح الخاء وسكون الذال المعجمتين. قال في النهاية: الخذف هو رميك حصاة أو نواة تأخذها بين سبابتيك وترمي بها، والمراد بيان مقدار الحصى التي يرمى بها في الصغر والكبر، وفسروا حصى الخذف بقدر حبة الباقلاء. قال المحب الطبري: قال عطاء بن أبي رباح: حصى الخذف مثل طرف الإصبع. وقال الشافعي: هو أصغر من الأنملة طولًا وعرضًا، ومنهم من قال: كقدر النواة، ومنهم من قال: بقدر الباقلاء. انتهى. وقوله: "حصى الخذف" بحذف أداة التشبية، يعني رماها بمثل حصى الخذف (رمى من بطن الوادي) بحيث جعل منى إلى اليمن ومكة إلى اليسار، فهذا هو السنة، ولكن يجزئه كيفما رمى (ثم انصرف إلى المنحر) بفتح الميم أي موضع النحر، وهذا السياق يفيد أن المنحر كان موضعًا خاصًّا بمنى. قيل: منحر النبي صلى الله عليه وسلم عند الجمرة الأولى التي تلي المسجد، فللنحر فيه فضيلة، ولكن حيثما نحر من منى أو من الحرم أجزأه (فنحر ما غبر) أي ما بقي من المائة، وهو سبع وثلاثون بدنة (ثم أمر من كل بدنة ببضعة) بفتح الباء الثانية، أي بقطعة من لحمها (فأكلا من لحمها) أي من لحم الهدايا أو البدن (وشربا من مرقها) المرق والمرقة: الماء الذي طبخ فيه اللحم (فأفاض إلى البيت) أي ذهب إلى بيت الله ليطوف طواف الإفاضة، ويسمى أيضًا طواف الزيارة وطواف الحج، وطواف الفرض والركن، وأصل معنى الإفاضة الدفع والإسراع في السير. وهذا الطواف ركن من أركان الحج، وأفضل وقته يوم النحر، ويمتد إلى آخر العمر، فلا يفوت بالتأخير (فأتى بني عبد المطلب) وهم أولاد العباس وجماعته، لأن سقاية الحاج كانت وظيفته (انزعوا) بكسر الزاء أي أخرجوا الماء بالدلاء (فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم) أي لولا خوفي أن يعتقد الناس ذلك من مناسك الحج، ويزدحمون =