الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: فَأَخْبَرَنِي بِلَالٌ، أَوْ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ».
(1330)
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ بَكْرٍ. قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: «قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَسَمِعْتَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّمَا
أُمِرْتُمْ بِالطَّوَافِ، وَلَمْ تُؤْمَرُوا بِدُخُولِهِ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ يَنْهَى عَنْ دُخُولِهِ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ دَعَا فِي نَوَاحِيهِ كُلِّهَا، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ حَتَّى خَرَجَ، فَلَمَّا خَرَجَ رَكَعَ فِي قُبُلِ الْبَيْتِ رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ: هَذِهِ الْقِبْلَةُ، قُلْتُ لَهُ: مَا نَوَاحِيهَا؟ أَفِي زَوَايَاهَا؟ قَالَ: بَلْ فِي كُلِّ قِبْلَةٍ مِنَ الْبَيْتِ.»
(1331)
حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا عَطَاءٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْكَعْبَةَ، وَفِيهَا سِتُّ سَوَارٍ، فَقَامَ عِنْدَ سَارِيَةٍ، فَدَعَا، وَلَمْ يُصَلِّ» .
(1332)
وَحَدَّثَنِي سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنِي هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ قَالَ:«قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْبَيْتَ فِي عُمْرَتِهِ؟ قَالَ: لَا» .
بَابُ نَقْضِ الْكَعْبَةِ وَبِنَائِهَا
(1333)
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْلَا حَدَاثَةُ عَهْدِ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ
395 - قوله: (لم يكن ينهى عن دخوله) يعني قول ابن عباس: "ولم تؤمروا بدخوله" لم يكن على سبيل النهي عن دخول البيت، وإنما كان يفضل عدم الدخول حتى لا يزدحم الداخلون فيه، فيكون سبب تشويش القلوب بدل حضورها وخشوعها (في نواحيه كلها) أي أطرافها وجوانبها (ولم يصل فيه) هذا ينافي ما تقدم من رواية ابن عمر عن بلال، وقد أجمع أهل الحديث على الأخذ برواية بلال. وقالوا في نفي أسامة أن سببه أنهم لما دخلوا الكعبة أغلقوا الباب واشتغلوا بالدعاء، فرأى أسامة النبي صلى الله عليه وسلم يدعو، فاشتغل هو بالدعاء في ناحية من نواحي البيت، والنبي صلى الله عليه وسلم في ناحية أخرى، وبلال قريب منه، ثم صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة خفيفة، فرآه بلال لقربه، ولم يره أسامة لبعده واشتغاله. ولظلام في البيت لأجل غلق الباب، فنفاها أسامة حسب ظنه، وأثبتها بلال حسب رؤيته وعلمه. والذي علم حجة على من لم يعلم. فوجب ترجيح رواية بلال (قبل البيت) قبل بضمتين، أي في وجه الكعبة ومقابلها (هذه القبلة) أي إن الكعبة هي القبلة، ولا نسخ لها بعد اليوم، أو إن الكعبة هي المسجد الحرام الذي أمرتم باستقباله، لا كل الحرم، ولا مكة ولا كل المسجد الذي حول الكعبة.
396 -
قوله: (وفيها ست سوار) جمع سارية، وهي العمود، وابن عباس لم يدخل مع النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة، بل لم يكن يستطيع دخولها لصغر سنه، فهو لا يحدث عما شاهده بنفسه، فحديثه مرسل صحابي، ولا سبيل لروايته إلا عن أسامة، وقد تقدم ما في حديث أسامة.
397 -
اتفقوا على صحة ما ورد في هذا الحديث من عدم دخوله صلى الله عليه وسلم الكعبة في عمرته. والمراد بها عمرة القضاء سنة سبع، ولم يدخل فيها الكعبة لما كان فيها من الأصنام والصور، وكانت السيطرة على الكعبة إذ ذاك للمشركين، فلما فتح الله عليه مكة أزال تلك الصور والأصنام ودخل الكعبة. واتضح بهذا أنه لا منافاة بين دخوله صلى الله عليه وسلم الكعبة في فتح مكة، وعدم دخوله فيها في العمرة. فإنهما قصتان في وقتين، ولم تكونا في وقت واحد.
398 -
قوله: (لولا حداثة عهد قومك بالكفر) أي إنهم أسلموا قريبًا، فهم جديدو العهد بالكفر، والمراد =
وَلَجَعَلْتُهَا عَلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ، فَإِنَّ قُرَيْشًا حِينَ بَنَتِ الْبَيْتَ اسْتَقْصَرَتْ، وَلَجَعَلْتُ لَهَا خَلْفًا».
(000)
وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ.
(000)
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، أَخْبَرَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ حِينَ بَنَوُا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَفَعَلْتُ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، مَا أُرَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَرَكَ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ إِلَّا أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ» .
(000)
حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ. (ح)، وَحَدَّثَنِي
هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ يُحَدِّثُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ أَوْ قَالَ: بِكُفْرٍ لَأَنْفَقْتُ كَنْزَ الْكَعْبَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَجَعَلْتُ بَابَهَا بِالْأَرْضِ، وَلَأَدْخَلْتُ فِيهَا مِنَ الْحِجْرِ» .
(000)
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ
= بالقوم العرب عامة أو قريش خاصة (لنقضت الكعبة) أي هدمتها (استقصرت) أي قصرت الكعبة ونقصتها عن بنائها على قواعد إبراهيم، فتركت منها جزءًا في الشمال، واقتصرت على القدر الموجود لقصور النفقة بهم (ولجعلت لها خلفا) بفتح فسكون أي بابًا من خلفها، يعني بابًا في الجدار الغربي مقابل الباب الموجود في الجدار الشرقي. ومعنى امتناعه صلى الله عليه وسلم عن نقض الكعبة لحداثة عهدهم بالكفر: أن أهل الجاهلية كانوا يعظمون الكعبة جدًّا، ويرون نقضها أمرًا عظيمًا، فخشي من نقضها أن يرتد بعضهم أو معظمهم.
399 -
قوله: (اقتصروا عن قواعد إبراهيم) أي نقصوها عن الأسس التي كان قد بنى عليها إبراهيم عليه السلام (لولا حدثان قومك بالكفر) أي قرب عهدهم بالكفر حيث أسلموا قريبا (لئن كانت عائشة سمعت هذا. . . إلخ) ليس هذا على سبيل التضعيف والتشكيك في سماع عائشة وحفظها، بل لبيان ترتب ما بعده على هذا، وحيث إن هذا الترتب ليس بيقيني، بل هو ظن واجتهاد من ابن عمر فقد جاء بكلمة "إن" التي تدل في أصل وضعها على الشك، ومثله قوله تعالى:{قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} [سبأ: 50](الركنين اللذين يليان الحجر) أي يتصلان به، والحجر بكسر الحاء وسكون الجيم: الحطيم، وهو الجزء المتروك من الكعبة في الشمال، يحيط به جدار قصير شبه مستدير. وهذان الركنان هما الشماليان الشاميان. أي إنه صلى الله عليه وسلم ترك استلامهما لأنهما ليسا في المكان الذي كانا فيه في بناء إبراهيم عليه السلام.
400 -
قوله: (لأنفقت كنز الكعبة) كنزها هو ما كان يهدى إليها من الذهب والفضة والأموال الثمينة (ولجعلت بابها بالأرض) أي ملاصقًا بالأرض حتى يدخل فيها من يشاء، وكان بابها على ارتفاع مترين من الأرض مثل ما هو عليه الآن، وكانوا قد رفعوها عن الأرض حتى لا يدخل فيها إلا من يشاءون (ولأدخلت فيها من الحجر) أي ما أخرجوه من قواعد إبراهيم عليه السلام.
401 -
قوله: (فألزقتها بالأرض) أي لهدمتها حتى يصل إلى الأرض، وتظهر قواعد إبراهيم (بابًا شرقيًّا) وهو=
سَعِيدٍ - يَعْنِي: ابْنَ مِينَاءَ - قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: حَدَّثَتْنِي خَالَتِي - يَعْنِي: عَائِشَةَ - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَائِشَةُ، لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِشِرْكٍ لَهَدَمْتُ الْكَعْبَةَ، فَأَلْزَقْتُهَا بِالْأَرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ: بَابًا شَرْقِيًّا، وَبَابًا غَرْبِيًّا، وَزِدْتُ فِيهَا سِتَّةَ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ، فَإِنَّ قُرَيْشًا اقْتَصَرَتْهَا حَيْثُ بَنَتِ الْكَعْبَةَ» .
(000)
حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: «لَمَّا احْتَرَقَ الْبَيْتُ زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ حِينَ غَزَاهَا أَهْلُ الشَّامِ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ تَرَكَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، حَتَّى قَدِمَ النَّاسُ الْمَوْسِمَ يُرِيدُ أَنْ يُجَرِّئَهُمْ، أَوْ يُحَرِّبَهُمْ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ، فَلَمَّا صَدَرَ النَّاسُ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي الْكَعْبَةِ: أَنْقُضُهَا، ثُمَّ أَبْنِي بِنَاءَهَا، أَوْ أُصْلِحُ مَا وَهَى مِنْهَا؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَإِنِّي قَدْ فُرِقَ لِي رَأْيٌ فِيهَا، أَرَى أَنْ تُصْلِحَ مَا وَهَى مِنْهَا، وَتَدَعَ بَيْتًا أَسْلَمَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَأَحْجَارًا أَسْلَمَ النَّاسُ عَلَيْهَا، وَبُعِثَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: لَوْ كَانَ
= الموجود من قبل (وبابًا غربيًّا) مقابل الباب الموجود (اقتصرتها) أي نقصتها من الكعبة من جهة الحجر (حيث بنت الكعبة) أي حين بنتها.
402 -
قوله: (لما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية) وذلك أن عبد الله بن الزبير لم يبايع ليزيد بعد معاوية، بل التجأ إلى مكة، وأعلن نفسه حاكما، واتخذ مكة قاعدة له، فلما فرغ يزيد من أمر العراق والمدينة وجه جيشه إلى مكة للقضاء على ابن الزبير، فنصب الجيش المنجنيق، ورمى بأحجار أصاب بعضها الكعبة، وسبب في الحريق، فاحترق البيت وتخلخلت جدرانه وضعفت. وبينما القتال جار مات يزيد، فرجع جيش الشام، واستحكم أمر عبد الله بن الزبير (يريد أن يجرئهم) تفعيل من الجرأة، أي يشجعهم على قتال أهل الشام برؤية ما فعلوه بالكعبة المشرفة من الرمي والتحريق (أو يحربهم) من التحريب، أي يحملهم على الحرب ويحرضهم عليها ويؤكد عزائمهم على ذلك. وقيل: معناه يغضبهم على فعل أهل الشام. من حربت الأسد إذا أغضبته (فلما صدر الناس) أي رجعوا عن الحج إلى أوطانهم (قد فرق لي رأي فيها) فرق بضم الفاء وكسر الراء بالبناء للمجهول، أي كشف وبين. قال تعالى {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ} [الإسراء: 106] أي فصلناه وبيناه (ما وهى منها) أي ما ضعف وتخلخل منها (حتى يجده) بضم فكسر ثم دال مشددة ثم هاء الضمير. وفي بعض النسخ بدال أخرى بدل الهاء، أي يجعله جديدًا (فتحاماه الناس) أي اجتنبوا نقض البيت (أن ينزل. . . إلخ) أي خشية أن ينزل (أمر من السماء) من العذاب والهلاك من الله (فجعل ابن الزبير أعيدة فستر عليها الستور) بعد هدم الجدران لتقوم مقام الجدران، فيعرف موضع الكعبة، ويستقبلها المصلون (حتى ارتفع بناؤه) يعني فلما ارتفع بناؤه أزال تلك الستور (خمسة أذرع) وفي نسخة:(خمس أذرع) وفي الرواية السابقة: "ستة أذرع" وفي الرواية التالية: "سبعة أذرع" وليس بينها منافاة، إذ كان هذا تقديرًا تخمينيًّا. وإنما كان يظهر الضبط الدقيق بعد كشف الأسس والقواعد (حتى أبدى أسا) أي إنه حفر أرض الحجر بعد خمسة أذرع حتى ظهر أساس إبراهيم عليه السلام، فأظهره للناس حتى رأوه (وكان طول الكعبة ثماني عشرة ذراعًا) أي ارتفاعها في جهة السماء كان بهذا المقدار (فلما زاد فيه) من جهة الحجر (استقصره) أي رأى ارتفاعه قليلًا وقصيرًا لا يناسب طول الكعبة وعرضها (فزاد في طوله عشرة أذرع) وفي نسخة:(عشر أذرع) أي زاد في علوه وارتفاعه إلى جهة السماء عشرة أذرع، فصار مجموع الارتفاع ثمانية وعشرين ذراعًا (وجعل له بابين) ملتصقين بالأرض، أحدهما في الجدار الشرقي، والآخر في الجدار الغربي (فلما قتل ابن الزبير) بعد ذلك بنحو تسع سنين، وذلك سنة ثلاث وسبعين، على أيدي جنود الحجاج بن يوسف في عهد عبد الملك بن مروان، وتم بذلك استيلاؤه على مكة (من تلطيخ ابن الزبير) أي تلويثه، يريد ما زاده ابن الزبير من الحجر، فكأنها أرض=
أَحَدُكُمُ احْتَرَقَ بَيْتُهُ مَا رَضِيَ حَتَّى يُجِدَّهُ، فَكَيْفَ بَيْتُ رَبِّكُمْ؟ ! إِنِّي مُسْتَخِيرٌ رَبِّي ثَلَاثًا، ثُمَّ عَازِمٌ عَلَى أَمْرِي، فَلَمَّا مَضَى الثَّلَاثُ أَجْمَعَ رَأْيَهُ عَلَى أَنْ يَنْقُضَهَا، فَتَحَامَاهُ النَّاسُ أَنْ يَنْزِلَ بِأَوَّلِ النَّاسِ يَصْعَدُ فِيهِ أَمْرٌ مِنَ السَّمَاءِ، حَتَّى صَعِدَهُ رَجُلٌ، فَأَلْقَى مِنْهُ حِجَارَةً، فَلَمَّا لَمْ يَرَهُ النَّاسُ أَصَابَهُ شَيْءٌ تَتَابَعُوا فَنَقَضُوهُ
حَتَّى بَلَغُوا بِهِ الْأَرْضَ، فَجَعَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَعْمِدَةً، فَسَتَّرَ عَلَيْهَا السُّتُورَ، حَتَّى ارْتَفَعَ بِنَاؤُهُ. وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إِنِّي سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَوْلَا أَنَّ النَّاسَ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِكُفْرٍ، وَلَيْسَ عِنْدِي مِنَ النَّفَقَةِ مَا يُقَوِّي عَلَى بِنَائِهِ، لَكُنْتُ أَدْخَلْتُ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ خَمْسَ أَذْرُعٍ، وَلَجَعَلْتُ لَهَا بَابًا يَدْخُلُ النَّاسُ مِنْهُ وَبَابًا يَخْرُجُونَ مِنْهُ. قَالَ: فَأَنَا الْيَوْمَ أَجِدُ مَا أُنْفِقُ وَلَسْتُ أَخَافُ النَّاسَ، قَالَ: فَزَادَ فِيهِ خَمْسَ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ حَتَّى أَبْدَى أُسًّا نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَبَنَى عَلَيْهِ الْبِنَاءَ، وَكَانَ طُولُ الْكَعْبَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا زَادَ فِيهِ اسْتَقْصَرَهُ، فَزَادَ فِي طُولِهِ عَشْرَ أَذْرُعٍ، وَجَعَلَ لَهُ بَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا يُدْخَلُ مِنْهُ، وَالْآخَرُ يُخْرَجُ مِنْهُ، فَلَمَّا قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ كَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ، وَيُخْبِرُهُ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَدْ وَضَعَ الْبِنَاءَ عَلَى أُسٍّ نَظَرَ إِلَيْهِ الْعُدُولُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ: إِنَّا لَسْنَا مِنْ تَلْطِيخِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي شَيْءٍ، أَمَّا مَا زَادَ فِي طُولِهِ فَأَقِرَّهُ، وَأَمَّا مَا زَادَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ فَرُدَّهُ إِلَى بِنَائِهِ، وَسُدَّ الْبَابَ الَّذِي فَتَحَهُ، فَنَقَضَهُ، وَأَعَادَهُ إِلَى بِنَائِهِ».
(000)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَالْوَلِيدَ بْنَ عَطَاءٍ يُحَدِّثَانِ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُبَيْدٍ:«وَفَدَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فِي خِلَافَتِهِ، فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: مَا أَظُنُّ أَبَا خُبَيْبٍ - يَعْنِي: ابْنَ الزُّبَيْرِ - سَمِعَ مِنْ عَائِشَةَ مَا كَانَ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهَا. قَالَ الْحَارِثُ: بَلَى، أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْهَا، قَالَ: سَمِعْتَهَا تَقُولُ مَاذَا؟ قَالَ: قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ قَوْمَكِ اسْتَقْصَرُوا مِنْ بُنْيَانِ الْبَيْتِ، وَلَوْلَا حَدَاثَةُ عَهْدِهِمْ بِالشِّرْكِ أَعَدْتُ مَا تَرَكُوا مِنْهُ، فَإِنْ بَدَا لِقَوْمِكِ مِنْ بَعْدِي أَنْ يَبْنُوهُ، فَهَلُمِّي لِأُرِيَكِ مَا تَرَكُوا مِنْهُ، فَأَرَاهَا قَرِيبًا مِنْ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ» . هَذَا حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدٍ، وَزَادَ عَلَيْهِ الْوَلِيدُ بْنُ عَطَاءٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: وَلَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ مَوْضُوعَيْنِ فِي الْأَرْضِ شَرْقِيًّا وَغَرْبِيًّا، وَهَلْ تَدْرِينَ لِمَ كَانَ
قَوْمُكِ رَفَعُوا بَابَهَا؟ قَالَتْ: قُلْتُ: لَا. قَالَ: تَعَزُّزًا أَنْ
= ليست من الكعبة على رأي عبد الملك، وإنما لطخ بها الكعبة ابن الزبير، فتبرأ منها عبد الملك (أما ما زاده في طوله) أي في ارتفاعه (فنقضه) أي الحجاج، وليس المراد أنه نقض البيت كله، وإنما نقض منه الجدار الشمالي الذي كان في الحجر (وأعاده إلى بنائه) الذي كان عليه في زمن الجاهلية.
403 -
قوله: (استقصروا من بنيان البيت) أي قصروا ونقصوا منه (فإن بدا لقومك) أي ظهر لهم وتقرر رأيهم (فهلمي) أي تعالى بإضافة ياء التأنيث في هلم على إحدى اللغتين. وفي اللغة الأخرى يقال: هلم للواحد والتثنية والجمع والمذكر والمؤنث (تعززًا) أي استكبارًا وأخذًا بالعزة (فنكت ساعة بعصاه) أي خدش بها الأرض خدشًا خفيفًا، وهذه عادة من يتفكر في أمر مهم.