الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دليل من قال بوجوب السواك
.
الدليل الأول:
(686 - 22) ما رواه مسلم، قال: حدثنا عمرو بن سواد العامري، حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرنا عمرو بن الحارث، أن سعيد بن أبي هلال وبكير بن الأشج حدثاه، عن أبي بكر بن المنكدر، عن عمرو بن سليم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
غسل يوم الجمعة على كل محتلم، وسواك، ويمس من الطيب ما قدر عليه.
قال مسلم: إلا أن بكيراً لم يذكر عبد الرحمن وقال في الطيب ولو من طيب المرأة
(1)
.
= فخالف بقية وأبو معشر سبعة حفاظ رووه كلهم، عن عبيد الله بن عمر، عن سعيد، عن أبي هريرة، ولم يقولوا: عن أبيه. وكثير منهم لو انفرد لقدم على بقية وأبي معشر، فكيف وقد اتفقوا.
ورواه حجاج بن منهال، واختلف عليه فيه.
فرواه الطحاوي (1/ 44) حدثنا محمد بن خزيمة، حدثنا حجاج، حدثنا حماد بن سلمة، عن عبيد الله بن عمر، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة بلفظ:" عند كل صلاة ".
وتابع أسد بن موسى حجاجاً، فرواه عن حماد به.
ورواه عبد القدوس بن محمد بن عبد الكبير، عند ابن حبان (1070)، قال: حدثنا حجاج بن منهال، عن حماد بن سلمة به. بلفظ:" عليكم بالسواك فإنه مطهرة للفم، مرضاة للرب " وهذه الرواية شاذة، وحكم بشذوذها الحافظ ابن حجر كما في التلخيص (1/ 100)، ولم يتابع أحد حماداً بذكر هذا الحديث بهذا الإسناد. والله أعلم.
(1)
صحيح مسلم (846)، وهو في البخاري (880) بغير هذا اللفظ.
وجه الاستدلال:
قوله: " على كل محتلم " ظاهرة في الوجوب.
وأجيب:
بأن الدليل أخص من المدلول، فأنتم تقولون بوجوبه لكل صلاة، والحديث إن سلم الاستدلال به فهو خاص في يوم الجمعة، إن حملنا اليوم على أن المراد به قبل الصلاة. ثم إذا سلمنا أن الحديث ظاهره الوجوب في الغسل والسواك، فهذا الظاهر ليس صريحاً، فلا يقدم على الصريح، وهو حديث ثابت في الصحيحين:" لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة ".
أما قول الزيلعي رحمه الله: أن غسل الجمعة ليس بواجب؛ لأنه قرنه بما لا يجب اتفاقاً ـ يعني السواك والطيب ـ وكأنه لم يعتمد خلاف داود وإسحاق في وجوب السواك خلافاً معتبراً؛ لأنه حكى الاتفاق بأنه لا يجب في السواك
(1)
.
وقال النووي، كما في نيل الأوطار:" لو صح إيجابه عن داود لم يضر مخالفه في انعقاد الإجماع، على المختار الذي عليه المحققون، والأكثرون، قال: أما إسحاق فلم يصح هذا المحكي عنه"
(2)
. اهـ
وقال الشوكاني رحمه الله متعقباً كلام النووي في عدم الاعتداد بخلاف داود مع علمه وورعه، وأخذ جماعة من الأئمة الأكابر بمذهبه من التعصبات التي لا مستدل لها إلا مجرد الهوى والعصبية، وقد كثر هذا الجنس في أهل
(1)
نصب الراية (1/ 88).
(2)
نيل الأوطار (1/ 134).
المذاهب، وما أدري ما هو البرهان الذي قام لهؤلاء المحققين حتى أخرجوه من دائرة علماء المسلمين. فإن كان لما وقع منه من المقالات المستبعدة، فهي بالنسبة لمقالات غيره المؤسسة على محض الرأي المضادة لصريح الرواية في حيز القلة المتبادلة؛ فإن التعويل على الرأي، وعدم الاعتناء بعلم الأدلة، قد أفضى بقوم إلى التمذهب بمذاهب لا يوافق الشريعة منها إلا القليل النادر. وأما داود فما في مذهبه من البدع التي أوقعه فيها تمسكه بالظاهر، وجموده عليه في غاية الندرة، ولكن: لهوى النفوس سريرة لا تعلم
(1)
.
قال الذهبي في السير: " للعلماء قولان في الاعتداء بخلاف داود وأتباعه
- فمن اعتد بخلافهم، قال: ما اعتدادنا بخلافهم؛ لأن مفرداتهم حجة، بل لتحكى في الجملة. وبعضها سائغ، وبعضها قوي، وبعضها ساقط. ثم ما تفردوا به هو شيء من قبيل مخالفة الإجماع الظني، وتندر مخالفتهم لإجماع قطعي.
- ومن اهدرهم، ولم يعتد بهم لم يعدهم في مسائلهم المفردة خارجين بها من الدين، ولا كفرهم بها، بل يقول هؤلاء في حيز العوام، أو هم كالشيعة في الفروع، ولا نلتفت إلى أقوالهم، ولا ننصب معهم الخلاف، ولا يعتنى بتحصيل كتبهم، ولا ندل مستفتياً من العامة عليهم، وإذا تظاهروا بمسالة معلومة البطلان، كمسح الرجلين، أدبناهم وعزرناهم وألزمناهم بالغسل جزماً.
قال الأستاذ أبو إسحاق الاسفراييني: قال الجمهور إنهم _ يعني نفاة القياس _ لا يبلغون رتبة الاجتهاد ولا يجوز تقليدهم القضاء!!
(1)
المرجع السابق.
ونقل الأستاذ أبو منصور البغدادي، عن أبي علي بن أبي هريرة، وطائفة من الشافعية أنه لا اعتبار بخلاف داود، وسائر نفاة القياس في الفروع دون الأصول.
وقال إمام الحرمين أبو المعالي: الذي ذهب إليه أهل التحقيق أن منكري القياس لا يعدون من علماء الأمة، ولا من حملة الشريعة؛ لأنهم معاندون مباهتون فيما ثبت استفاضةً وتواتراً؛ لأن معظم الشريعة صادر عن الاجتهاد، ولا تفي النصوص بعشر معشارها، وهؤلاء ملتحقون بالعوام.
قال الذهبي: هذا القول من أبي المعالي أداه إليه اجتهاده، وهم أداهم اجتهادهم إلى نفي القول بالقياس، فكيف يرد الاجتهاد بمثله. وندري بالضرورة أن داود كان يقرئ مذهبه ويناظر عليه، ويفتي به في مثل بغداد وكثرة الأئمة بها وبغيرها، فلم نرهم قاموا عليه، ولا أنكروا فتاويه، ولا تدريسه ولا سعوا في منعه من بثه، وبالحضرة مثل إسماعيل القاضي، شيخ المالكية، وعثمان بن بشار الأنماطي، شيخ الشافعية، والمروذي شيخ الحنبلية، وابني الإمام أحمد، وأبي العباس أحمد بن محمد البرتي شيخ الحنفية، وأحمد بن أبي عمران القاضي، ومثل عالم بغداد إبراهيم الحربي. بل سكتوا له حتى لقد قال قاسم بن أصبغ: ذاكرت الطبري ـ يعني ابن جرير ـ وابن سريج، فقلت لهما: كتاب ابن قتيبة في الفقه أين هو عندكما؟ قالا: ليس بشيء، ولا كتاب أبي عبيد. فإذا أردت الفقه فكتب الشافعي وداود ونظرائهما.
ثم كان بعده ابنه أبو بكر وابن المغلس، وعدة من تلامذة داود، وعلى أكتافهم مثل ابن سريج شيخ الشافعية، وأبي بكر الخلال شيخ الحنبلية، وأبي الحسن الكرخي شيخ الحنفية، وكان أبو جعفر الطحاوي بمصر. بل كانوا
يتجالسون ويتناظرون ويبرز كل منهم بحججه، ولا يسعون بالداودية إلى السلطان. بل أبلغ من ذلك ينصبون معهم الخلاف في تصانيفهم قديماً وحديثاً، وبكل حال فلهم أشياء أحسنوا فيها، ولهم مسائل مستهجنة يشغب عليهم بها، وإلى ذلك يشير الإمام أبو عمرو بن الصلاح، حيث يقول: الذي اختاره الأستاذ أبو منصور، وذكر أنه الصحيح من المذهب أنه يعتبر خلاف داود، ثم قال ابن الصلاح: وهذا الذي استقر عليه الأمر آخراً، كما هو الأغلب الأعرف من صفو الأئمة المتاخرين الذين أوردوا مذهب داود في مصنفاتهم المشهورة، كالشيخ أبي حامد الاسفراييني، والماوردي، والقاضي أبي الطيب فلولا اعتدادهم به لما ذكروا مذهبه في مصنفاتهم المشهورة.
…
قال وأرى أن يعتبر قوله إلا فيما خالف فيه القياس الجلي، وما أجمع عليه القياسيون من أنواعه، أو بناه على أصوله التي قام الدليل القاطع على بطلانها، فاتفاق من سواه إجماع منعقد، كقوله في التغوط في الماء الراكد وتلك المسائل الشنيعة، وقوله: لا ربا إلا في الستة المنصوص عليها، فخلافه في هذا أو نحوه غير معتد به؛ لأنه مبني على ما يقطع ببطلانه.
قلت - القائل الذهبي -: لا ريب أن كل مسالة انفرد بها، وقطع ببطلان قوله فيها، فإنها هدر، وإنما نحكيها للتعجب، وكل مسألة له عضدها نص، وسبقه إليها صاحب، أو تابع فهي من مسائل الخلاف فلا تهدر.
وفي الجملة، فداود بن علي بصير بالفقه، عالم بالقرآن، حافظ للأثر، رأس في معرفة الخلاف من أوعية العلم، له ذكاء خارق، وفيه دين متين، وكذلك في فقهاء الظاهرية جماعة لهم علم باهر، وذكاء قوي، فالكمال عزيز والله الموفق.