الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن نرى الأزهر يحمل لواء صناعتي الشعر والنثر باليد التي يحمل بها ألوية سائر العلوم الأدبية.
وملاك النبوغ في علم الأدب: كثرة ترديد النظر على المنشات البليغة، ثم تربية ملكات النظم والإنشاء والنقد، وأخذها بالتمرين العملي حيناً فحيناً.
وتزداد هذه الملكات قوة بإلقاء المحاضرات، وعقد المناظرات، وارتجال الخطب على أعين الناس. وقد دلت خطبتا الأستاذين الداعيين إلى هذا الاجتماع: أن القصد من إقامته النظر في تأليف رابطة أدبية تعمل لترقية الأدب ونفاق سوقه؛ فإن الكتابة والخطابة والشعر هي المظهر العملي لتلك العلوم التي نقضي في دراستها أعواماً، وقد جُرِّبت فكانت أنجح الوسائل إلى إيقاظ الأمة والنهوض بها حتى تبلغ الغاية من حريتها، وتنفي قذى المهانة عن ساحتها.
فنشكر حضراتكم أيها السادة الداعون إلى هذا الاجتماع، والمتفضلون بإجابة الدعوة إليه، ونسأل الله تعالى أن يتولى سعيكم النبيل بالتوفيق، وما بعد توفيق الله إلا الظفر بحسنى العواقب والنجاح.
*
كلمة في تأبين الفقيد الشيخ محمد عبد المطلب
(1):
الله أكبر! حياة كانت عامرة بالعمل المجيد، وطويت طي السجل للكتاب، تلك حياة فقيد الدين والأدب الأستاذ الشيخ محمد عبد المطلب، سكنت أنفاسه وحسامُه مخضب بدم الجهاد في سبيل الحق، فلم يمت على فراشه ملقي السلاح كما يموت ضعيف العزيمة، أو مزلزل العقيدة، بل كان
(1) مجلة "الهداية الإِسلامية" - الجزء الرابع من المجلد الرابع. كلمة الإِمام في حفل تأبين المرحوم الشيخ محمد عبد المطلب الوكيل الأول لجمعية الهداية الإِسلامية.
قلمه ودواته أقرب إليه من قارورة الدواء الذي كان يعالج به مرضه الملقي به يد الموت.
ولي قلم في أنملي إن هززته
…
فما ضرني أن لا أهزّ المهنّدا
انتخب الفقيد وكيلاً أول لهذه الجمعية، واقترح على مجلس الإدارة أن يعقد اجتماعاته في بيته الكريم ريثما نهيئ للجمعية منزلاً، فكان أول عضو شد أزر الجمعية بعد تأليفها، وما زال يمدها برأيه وأدبه وذاتِ يده حتى فجعت برحيله إلى الدار الباقية، فكان مصابها به عظيماً، وحزنها عليه شديداً، فإذا رأيتم اليوم ناديها موحشاً كاسفاً، فلأنه فقد منطقاً طالما وقف على هذا المنبر، فملأ الأسماع حكمة، وأوقد في النفوس حماسة.
وضاءة أخلاق، في متانة دين، في براعة بيان، ثلاث خصال اجتمعت في الفقيد رحمه الله، وإذا رأيت الخلق وضيئاً، والدين متيناً، والبيان بارعاً، فإن هناك عظمة، فانسجْ من برود الثناء ما شئت، وأهدها إلى تلك العظمة.
إذا بكاه الحق، فلأنه كان بطلاً لا يلوي جبينه عن طعان، وإذا بكاه عشاق الأدب، فلأنه كان غوّاصاً على درره الغالية، ونظّاماً لقلائدها الزاهية الرائعة، فكم أخذ الألباب بشعر ألقت عليه البداوة جزالة، وأودعته الحضارة معاني أنيقة!.
وإذا وجد في الشعراء من لا يبالي أن يهيم في وادي الزور، أو يسقط في حفرة من الزيغ، فإن الفقيد رحمه الله قد جعل قوة الخيال تحت سلطان العقل، فاعتصم بحكمة الله من سقطات وقع فيها كثير ممن أوتوا خيالاً وحذقاً، ولم يؤتوا استقامة ورشداً.