الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حقوق الجار
(1)
الحياة الطيبة أن يعيش الإنسان في أمن، فلا يصيبه من الناس أذى، وأن يجد ما يسد به حاجته؛ من نحو: مطعم وملبس ومسكن، وأن يكون على طهارة نفس، واستنارة فكر؛ إذ بهذه الطهارة والاستنارة يتهيأ إلى أن يجيب داعي الشريعة ومكارم الأخلاق بيسر وسماحة، فطيب حياة الإنسان في أمنه من المخاوف، وبلوغ مآربه الحيوية، وأن يكون على أدب وثقافة ينهضان به إلى تأدية الحقوق، والمسارعة في الخير.
وإذا كانت سعادة الأمة في طيب حياة أفرادها، كان واجب كل فرد أن يوجه همته إلى أن يكون سائر الأفراد في حياة طيبة، فيساعد من يستطيع مساعدته من الأفراد على أن يكون في أمن، أو على كفاية من حاجاته الحيوية، أو على تربية وثقافة يقوى بهما على السير في طريق السلامة وراحة الضمير.
ومن حكمة الشارع في الدعوة إلى الإصلاح: أن اتجه إلى الروابط التي تربط الإنسان بالإنسان؛ كرابطة الاتحاد في الإنسانية، ورابطة الاتحاد في الدين والحق، ورابطة القرابة الدموية، ورابطة الجوار، وأعطى كل رابطة حقها؛ من جهة كف الشر عنها، وسوق الخير إليها.
(1) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزء السادس من المجلد السادس عشر.
ولم يكتف الشارع في دعوته برعاية الروابط الكبرى؛ كرابطة الإنسانية، ورابطة الدين، فاتجه إلى الروابط الصغيرة؛ كرابطة النسب، ورابطة الجوار اتجاهاً خاصاً، ذلك أن هذه الروابط كحلقات في سلسلة كبيرة هي رابطة الأمة، وكمال السلسلة الكبيرة وقوتها في سلامة الحلقات ومتانتها.
وموضوع حديثنا الليلة -أيها السادة- هو البحث عن حقوق رابطة من هذه الروابط؛ أعني: رابطة الجوار.
يطالب الإنسان بأن يكف الأذى عن كل إنسان، ويقضي حاجة كل ذي حاجة ما استطاع، ويحسن كما رأى للإحسان موضعاً، وتتأكد المطالبة بهذه الحقوق إن كان ذو الحاجة أو المستحق للإحسان يعيش معك على قطعة صغيرة من الأرض، وقد اكتسب منك لقباً؛ إذ يضيفه الناس إليك، ويقولون: هذا جار فلان.
فالمروعة تقضي على الإنسان بأن يوجه إلى ذوي الجوار عناية خاصة، ويجعلهم في مقدمة من يرعى حقوقهم، ويسعى لقضاء مآربهم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه"؛ أي: ظننت أنه سيبلغني عن الله الأمر بتوريث الجار من الجار. وهذه كلمة جامعة بالغة؛ فإن الوصاية بالجار تشمل كف الشر عنه، وإسداء الخير إليه، وقوله:"حتى ظننت أنه سيورثه" يدل على أن الوصاية بالجار كانت على جانب عظيم من التأكد، والحث على رعاية حقوقه، وما زال الناس في كل عصر يدعون إلى رعاية حقوق الجار؛ كما قال يزيد بن الحكم الثقفي يعظ ابنه:
واعرف لجارك حقه
…
والحق يعرفه الكريم