الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بينة، إذن يجب عليك أن تزن ما يرد عليك من رواية أو رأي، فتضع هذا بمكان القبول، وتقابل ذلك بالرفض، وتطرح الآخر إلى جانب الإمكان؛ لعله يعود إليك محمولاً على عاتق الحجة. أما انصرافك عن الأشياء التي لم تستبن جليتها انصراف المنكر لها، فإنه يجعل بينك وبين كثير من الحقائق حجاباً مستوراً، فيخف في العلم وزنك، ويطيش في البحث رأيك، فتفسد أكثر مما تصلح، وتضل أكثر مما ترشد، وما أنت بأقل شراً ممن ينحط في هوى كل ناعق، وكلاكما عضو معتل يبعث من دمه الفاسد إلى جسد الأمة ما ينهك قوته، ويذهب ببهائه.
*
أبناء المسلمين في مدارس التبشير
(1):
من الذي يستطيع أن يهيئ لولده عيشاً راضياً، وينبته نباتاً حسناً، فينشأ سليم القلب، طاهر اللسان، صديقاً لأسرته، عاملاً على إعلاء شأن أمته، ولكنه يأبى أن يفعل هذا الذي ينصح به لولده، ويجني ثمار الحمد من عواقبه، فيعمد إليه وهو صافي الفطرة، فيلقيه في بيئة يتولاه فيها من لا يرقبون إلّاً ولا ذمة، فلا يزالون يلقنونه زيغاً، ويبذرون في نفسه شراً، والذي خبث لا يخرج إلا نكداً.
ذلك مثل المسلم الذي يهبه الله ولداً ليسلك به في هداية، ويعدَّه لأن يكون عضواً يرتاح لسعادة قومه، ويتألم لشقائهم، فإذا هو يبعث به إلى مدارس أسست لمحاربة الدين الحنيف، ولقتل العاطفة القومية، وهي المدارس التي تنشئها في بلادنا الجمعيات التي يقال لها:"جمعيات التبشير".
(1) مجلة "الهداية الإِسلامية" - الجزء الخامس من المجلد الأول.
إن الذي يقذف بولده بين جدران هذه المدارس، لا تكون جريمته من جريمة أولئك الذين كانوا يقتلون أولادهم خشية إملاق ببعيد، ألم يقم الدليل إثر الدليل على أن القائمين فيها بأمر التعليم يلقنون أبناء المسلمين معتقدات ديانة غير إسلامية، ويحملونهم على تقاليدها، ويتعرضون للطعن في شريعة الإِسلام بطرق شأنها أن تؤثر على الأطفال ومن هم بمنزلة الأطفال في عدم معرفتهم بحقائق الدين معرفة تقيهم من شر ذلك الإغواء؟! ليس ذلك الذي يزج بابنه في مدارس التبشير بالذي يقتل نفساً واحدة، ولكنه يقتل خلقاً كثيراً، ويجني بعد هذا على الأمة بأجمعها، ولا أقول هذا مبالغة، فقد يصير هذا الولد أستاذاً من بعد، ويفسد على طائفة عظيمة من أبناء المسلمين أمر دينهم ووطنيتهم، كما أفسد عليه أولئك القسس أمر دينه ووطنيته، وقد أرتنا الليالي أن من المتخرجين في هذه المدارس من يملك سلطة على قوم مسلمين، فيجدون فيه من الغلطة والمكر وعدم احترام الشريعة ما لا يجدونه في الناشئ على غير الإِسلام.
قد ينال الطالب في هذه المدارس علماً، وليس هذا العلم في جانب ما يخسره من دينه، وما يفوته من الإخلاص لأمته، بالشيء الذي يثقل وزنه، ولكنها الأهواء تأخذ القلوب، فتبعث الرجل على أن يأخذ بيد ابنه وهو كالملَك طهراً وطيبة، ويقوده إلى حيث يشهد ازدراء قومه، والطعن في الحنيفية السمحة، فلا يلبث أن ينقلب ذلك الطهر رجساً، وذلك الطيب خبثاً، وتكون العاقبة ما نسمعه عن كثير من المتخرجين في هذه المدارس وما نرى.
عرفت أيام كنت في دمشق أن ذا منصب في العسكرية رفيع، جاء بابنه الصبي إلى الأستاذ صاحب مدرسة التهذيب الإِسلامي، وذكر له أنه كان أدخل