الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتمثل أدب العلماء الناشئين في بيوت مجد وتقوى، وأما غيرته الدينية، فتريك ما ينبغي أن يكون عليه علماء الشريعة من الإخلاص للدين، والاعتزاز به، وكانت له رحمه الله مواقف يغضب فيها للحق، ويواجه فيها بعض أولي الوجاهة بالنهي عما يأتونه من عمل تنكره الشريعة.
وكنت أيام تحريري وطبعي لكتاب "نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم"، ثم كتاب "نقض كتاب في الشعر الجاهلي" أقدم للأستاذ رحمه الله كل كراسة يتم طبعها من الكتاب إلى أن ينتهي الطبع، وكان ما يبديه من الرضا عن أسلوب الرد يزيدني قوة على التحرير والطبع.
وأذكر أن للأستاذ مؤازرة على نهضة جمعية الهداية الإسلامية؛ إذ كان يتكرم بحضور بعض حفلاتها أو محاضراتها، مع موالاته للاطلاع على مجلتها.
هبطت مصر سنة 1339، وكان الأستاذ وكيلاً للأزهر الشريف، فكنت أزوره، وأجد بيته مورداً لأهل العلم على اختلاف طبقاتهم، وأراهم يجلونه بحق؛ إذ يشهمون في مجلسه وقار العلماء الأجلاء، ورقة حديث الأدباء النبلاء.
وكان الأستاذ يسير في الفتوى سيرة عالم يخشى الله، ويوقن بأنه سيسأل عما كتبت يداه، وكانت همته التي نشأت في حجر الإيمان الصحيح، تأبى له أن يتخذ من ضعفاء الإيمان جليساً أو عضداً.
*
شعبة الأدب العربي لجمعية الهداية الإسلامية
(1):
سادتي! من أغراض جمعية الهداية الإسلامية: أن تنهض باللغة العربية،
(1) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزء الثامن من المجلد الثاني عشر. أنشئت في جمعية الهداية الإسلامية شعبة الأدب العربي، وأقيمت لها حفلة افتتاح ألقى الإمام فيها هذه الكلمة.
وتنشر محاسنها وآدابها، وذلك أن للمحافظة على هذه اللغة، والقيام على أساليب بلاغتها، أثراً عظيماً في فهم مقاصد الدين الحق، وشأناً بالغاً في نجاح الدعوة إلى الإصلاح.
أما أثر المحافظة عليها في معرفة مقاصد الدين، فلأن القرآن المجيد نزل في أعلى طبقة من طبقات الفصاحة والبلاغة، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبين الكتاب، ويعلِّم الحكمة في أساليب واسعة يقف البلغاء دونها بمراحل.
وأما أثرها في نجاح الدعوة، فلأن الكلام المصوغ في أحسن بيان، يقع من النفوس موقعاً أشد من وقع الكلام الذي يؤدي المعنى، وهو مجرد من حلية كل بلاغة.
ويضاف إلى هذا: أن بليغ القول من منظوم ومنثور يروِّح عن الخاطر، ويزيح عن النفوس ما قد يخالطها من قلق وضجر، ويجدد نشاطها للجد إن كانت من أصحاب الجد.
وكان العلماء الأجلاء -وما زالوا- يقدرون أدب اللغة قدره، وينظرون إلى الكاتب البارع والشاعر المبدع باحترام.
فهذا العلامة ابن دقيق العيد لما بلغته قصيدة ابن خميس التلمساني التي يقول في مطلعها:
عجباً لها أيذوق طعمَ وصالها
…
من ليس يأمل أن يمر ببالها
اهتز لجودة سبك هذا الشعر، وقام من شدة طربه له.
وعزم القاضي أبو البركات التلمساني على الرحلة إلى الشرق، فكتب إليه ابن خاتمة أحد شعراء تلمسان أبياتاً يقول فيها:
أشمس الغرب حقاً ماسمعنا
…
بأنك قد سئمت من الإقامهْ
وأنك قد عزمت على طلوع
…
إلى شرق سموت به علامهْ
لقد زلزلت منا كل قلب
…
بحق الله لا تقم القيامهْ
فقال أبو البركات: لا أرحل من إقليم فيه من يقول مثل هذا.
ولما في أدب اللغة العربية من فضل وجمال، تلقينا رغبة نخبة من الأدباء في إنشاء شعبة للأدب العربي بالإجابة، وارتحنا له جد الارتياح.
ويتناول عمل هذه الشعبة: البحث في علوم الأدب، وصناعة الكتابة والشعر والخطابة، وفي تراجم الأدباء من كتاب وخطباء وشعراء، ولا يفوتها -مع هذا- أن تخوض في نقد المنشآت القديمة والحديثة؛ لتمييز جيد القول من رديئه.
وتقوم -بعد هذا- بإقامة حفلات تكريماً للأدباء الذين سلكوا بالأدب طرقاً حكيمة، واتجهوا به إلى غايات شريفة، وجادت قرائحهم بثمار بهيجة.
وستنهض هذه الشعبة -إن شاء الله- بإلقاء محاضرات، ومناظرات، وتحرير مقالات في الصحف، وإذا تعدى بعض الناس باسم الأدب معناه اللائق به، وأطلقوه على ما يعده أهل الفضيلة دعوة إلى الرذيلة.
وإذا ساغ للأديب أن يطلع على كل ما يتناوله اسم الشعر أو النثر الفني في عصر من العصور، فإن الأديب الصادق لا يرضى لنفسه إلا أن يكون من طبقة النبلاء الذين يستمدون معانيهم من منابع الحكمة، ويؤلفون أقوالهم من الألفاظ التي تجري في بيئة الطهر والنزاهة.
وإنشاء هذه الشعبة في جمعية الهداية الإسلامية، يدلنا على أن المؤسسين لها لا يقصدون بإنهاض الأدب العربي قصداً واحداً، هو أنه فن فيه جمال وسلوة، بل يقصدون -مع هذا- قصداً أنبل وأعلى، هو التوسل بالأدب إلى