الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القضاء العادل
(1)
تجري كلمة العدل على الألسنة، وهي تنطوي على أشياء لا يتحقق معنى العدل إلا بمراعاتها.
لا يمكن للقاضي أن يعدل في القضية إلا إذا استمع إلى المتداعين بقلب حاضر، وكان من البينات التي يستند إليها في الحكم على بصيرة، وإلى هذا أشار عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رسالة القضاء بقوله:"فافهم إذا أُدلي إليك".
ومن العدل بين الخصمين: أن يسوي بينهما في مجلسه حيث يجلسان أمامه على سواء، ولا يخص أحدهم بإقباله، وإلى هذا أشار عمر بن الخطاب بقوله:"وآسِ بين الناس في مجلسك ووجهك".
ولا يأخذ العدل مكانه إلا أن يتخلص القاضي من عوامل شأنها أن تصرفه عن تحقيق معنى العدل، وتسلبه ما يسمونه: الاستقلال في القضاء.
أولها: أن لا ينظر عند الفصل في القضية إلى اتجاه الرئيس الأعلى، ولا يبالي أيرضى عن حكمه أم لا يرضى؟.
ثانيها: أن لا يجعل للعاطفة عند الحكم أثراً، فلا ينظر عند الحكم
(1) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزء الحادي عشر والثاني عشر من المجلد التاسع عشر.
إلى قرابة أحد الخصمين له، أو لصداقته، فيقضي له، أو ينظر إلى عداوته، فيحكم عليه.
ثالثها: أن لا يقيم لاتجاه الجمهور وزناً، فيحرص على أن يصدر حكمه بما يرضي الجمهور؛ لينال ثناءهم؛ كمن يتعمد الحكم للضعيف على القوي، أو للفقير على الغني، حكماً بغير حق؛ ليصفه من لا يعرف حقيقة القضية بأنه حاكم عادل.
رابعها: أن يكون طاهر اليد، نقي القلب، فلا يستهويه الحرص على متاع الحياة إلى أن يحكم لمن أدلى إليه برشوة.
وقد يدخل الخلل في الحكم، فلا يصاغ في قالب العدل، إذا تعاطى القاضي الحكم في حال اضطراب فكر، وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم على هذا بقوله:"لا يقضي القاضي وهو غضبان".
ويلحق بالغضب: كل ما يحدث في الفكر قلقاً؛ كمرض، أو موت عزيز.
ومن متممات العدل في الحكم: أن ينفذ الحكم بحزم، قال عمر بن الخطاب في رسالة القضاء:"وأنفذ إذا تبين لك، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له".
والقاضي العادل هو الذي يعترف بخطئه متى قضى بغير حق، ويعمل لإصلاح ما أخطأ فيه، قال عمر رضي الله عنه في رسالة القضاء:"لا يمنعك قضاء قضيته اليوم، فراجعت فيه عقلك، وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق؛ فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل".