الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومجلتها، ومحاورات علمائها، وأصبحوا يقومون بجانب من أعمال الجمعية، ويتسابقون إلى تحقيق أغراضها بجد وحماسة. ومن الذي لا يشعر بأن أبناءنا الذين سيتولون مقاليد الأمور السياسية والإدارية والقضائية، في حاجة إلى تربية دينية صحيحة؟ ويغير هذه التربية لا تجد فيهم الأمة خيراً، بل يكونون بانحرافهم عن هداية الله عقبات في سبيل فلاح الأمة في الدنيا، وسعادتها في الآخرة.
هذا وأقدم خالص شكري لحضرات السادة الذين أجابوا الدعوة، وصرفوا جانباً من أوقاتهم النفيسة في حضور هذه الحفلة، كما أقدم خالص شكري لحضرات أعضاء الجمعية بمركز القاهرة، وفرع الجيزة، على كرم هممهم، وسمو عواطفهم، وإذا ارتحت لهذه الحفلة، فلأنها مظهر رضا إخواني عن أن أعمل في صفوفهم، ولأنها محققة لغرض من أغراض الجمعية، وهو العمل لتعارف أهل الفضل والأدب، وتأكيد روابط الصداقة الفاضلة بينهم، ولأنها تسدي إلى بعض الجماعات أو الأفراد نصيحة، هي أن صلة الإخاء الإسلامي هي الصلة الني يدور عليها التعاون على الدعوة إلى خير الأوطان وإصلاح شؤونها.
*
الاحتفال ببعثة الإخاء الإسلامي
(1):
سادتي! كانت الأمة الإسلامية في قوة وعزة وسيادة، فسقطت إلى ضعف وذلة واستعباد، وإن من يسمو بنظره إلى تاريخنا أيام كنا نقول فنفعل، ثم يرجع
(1) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزء التاسع من المجلد العاشر. أقامت جمعية الهداية الإسلامية حفلة تعارف إسلامي بمناسبة زيارة بعثة الإخاء الإسلامي، وبعثة فاروق الأول الصينيتين في يوم الجمعة 13 محرم 1357 - 25 مارس - آذار 1938 م. وقد ألقى الإمام هذه الكلمة.
بصره إلى حالنا الحاضر، ويرى ماذا تقاسيه الشعوب الإسلامية في الشرق والغرب من إهانة وعذاب، سال قلبه دماً قبل تساقط عبراته.
أروني شعباً إسلامياً يتمتع بالحرية في إقامة شعائر دينه، والتقاضي إلى شريعته السمحة، وعنده من القوة ما يجعله في أمن من سطوة الأجنبي الغاشم!.
من الأقطار الإسلامية ما يشكو بلاء الاحتلال الجائر، ومنها ما يتخبط تحت سلطان الإلحاد الفاجر، ومنها مالا يزال في استقلاله أو شبه استقلاله ماسكاً بجانب من إيمانه، إلا أنه لا يملك من القوة ما يرهب به عدوه المتخفر، أو يدافع به عدوه المهاجم.
إذاً كل الشعوب الإسلامية في مرض وبلاء، وليس بينها شعب إسلامي يستطيع أن يزعم أنه في سلامة وأمن من سوء العاقبة.
هذه حقيقة مُرَّة، يجب أن نقولها، ثم نقولها، ثم نقولها؛ لعلنا نضعها نصب أعيننا، ونبذل كل مجهود في علاجها.
تسقط الأمم بالجهل والتفرق، وإذا اجتمع الجهل والتفرق، قال لهما البؤس: إني معكما، وقد ضرب الجهل بين الشعوب الإسلامية خيامه، وتفرقوا تفرق عِقد تقطَّع خيطه، فانتثرت حباته لا تقف حبة بجانب أخرى.
سادتي! دواؤنا أن نتفقه في حكمة القرآن المهيد، ونجري على ما يرشد إليه من وسائل القوة والحياة الطيبة؛ فإنه لم يترك وسيلة من وسائل الخير إلا دل عليها، ولا باباً من أبواب الشر إلا حذر منه.
ومن أعظم وسائل الفلاح في الأولى والآخرة: أن تتعارف ونتوادَّ، ونتعاون، وقد أرشد إلى هذه الوسيلة العظمى قوله تعالى:
{وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13].
وقوله تعالى:
{إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10].
وقوله تعالى:
{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2].
إذاً يجب أن نتعارف، وإذا تعارفنا، تواددنا، وإذا تواددنا، تعاونا، وإذا تعاونا، لن تقف دون آمالنا الكبيرة عقبة.
سادتي! لا نيئس، ولا نجبن؛ فقد خلق الله شيئاً آخر خيراً من اليأس والجبن، هو الحزم والإقدام في حكمة، ولنوجه عنايتنا إلى تأكيد رابطة الإخاء الإسلامي، تلك الرابطة التي ألف الله بها بين أقوام اختلفت قبائلهم وأوطانهم، وامتن بهذا التأليف، فقال تعالى:
{مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال: 63].
وإذا كانت الشعوب الإسلامية مسؤولة عن هذه الرابطة المقدسة، فإن نصيب مصر من هذه المسؤولية فوق كل نصيب، ذلك أن موقعها في وسط البلاد الإسلامية، ثم إن ما امتازت به من غزارة العلوم، وكثرة المعاهد الدينية وغير الدينية، قد جعلها مورد الراحلين على تباعد أوطانهم، ومقصد طلاب العلم على اختلاف رغباتهم.
ولعل ضيوفنا الكرام إذ يرون في هذا الاحتفال أساتذة وطلاباً من الجامعتين: الأزهرية والمصرية، وغيرهما من معاهد العلم، يلاقونهم في سرور، ويعبرون في خطبهم عما تحمله ضمائرهم لأبناء الأقطار الأخرى من عطف ووداد، يشعرون بأن في مصر روحا إسلامية لا تلبث أن تكون