الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومما امتاز به الفقيد رحمه الله: براءته من التصنع والرياء، فلم يكن بدويًا في شعره فقط، بل كانت البداوة تتمثل في صراحته، وجلاء سريرته؛ كما تتمثل الحضارة في لطف خطابه، ورقة حاشيته.
لقيت الفقيد في كثير في المجالس التي اعتاد الناس في الحديث بها أساليب خاصة، وأذكر أنه كان يجول فيها بلهجة تدل على أن احترام الحقائق في نفسه يفوق كل احترام.
هذه كلمة أفتتح بها هذه الحفلة الموقرة، وستستمعون -إن شاء الله تعالى- من حضرات الخطباء والشعراء خطباً ممتعة، وقصائد عامرة، ونسأل الله تعالى أن يفيض على جدث الفقيد رحمته، وإن رحمته لقريبة ممن هم بآياته يوقنون.
*
احتجاج جمعية الهداية الإِسلامية على حادثة التبشير
(1):
السلام عليكم ورحمة الله.
أما بعد:
فإن أعز شيء على الأمة دينها، تسالم من يسالمه، وتشتد في مناوأة من يناوئه، وإن دعاة النصرانية الذين يهبطون مصر المسلمة، فيجدون في أهلها سماحة، وفي سياستها رفقاً، لَيندفعون إلى الطعن في الدين الإِسلامي علناً، ويقذفون مقام الرسالة العظمى بأشياء يفترونها افتراء، وها هي تلك الكتب التي يدرسونها في مدارسهم محشوة ببذاء يلمزون به الشريعة السمحة، ولا يتحامون
(1) مجلة "الهداية الإِسلامية" - الجزء الخامس من المجلد الرابع. وجه الإِمام بوصفه رئيس جمعية الهداية الإِسلامية هذا الخطاب إلى رئيس مجلس الوزراء المصري.
أن يقرعوا به أسماع التلاميذ المسلمين الذين يلقي بهم آباؤهم الغافلون تحت سيطرتهم.
ولم يقفوا عند هذا الحد، بل تجاوزوه إلى اصطياد نفوس الشبان والفتيات بوسائل تنكرها العقول، ولا تبيحها أي شريعة أو قانون، وما أكثر الحوادث التي يأتونها من هذه الطرق الممقوتة! ولولا أن حادثة يوسف أفندي عبد الصمد حفت بأحوال اقتضت إذاعتها، لذهبتْ كما ذهب غيرها من حوادثهم مطوية على ما يلتهب له قلب الإنسانية جزعاً.
إن الخطر -يا صاحب الدولة- عظيم، وترك هؤلاء المبشرين يطعنون الدين، ويفسدون القلوب، فتنة لا تصيب من يقع تحت أيديهم من الأطفال خاصة، وإنما هي روح سامة ينفخونها في جسم الأمة؛ ليقطعوا أوصالها، ويلقوا بها في حفرة من البلاء بعد أن أنقذنا الله منها، وإذا كان لموعظة أهل العلم أثر في قلوب قوم يعقلون، فيكفون عن توجيه أبنائهم إلى تلك المدارس، فإن من تأخذهم زهرة الحياة الدنيا، ولا يتدبرون العواقب، غير قليل.
لجمعية الهداية الإِسلامية -يا صاحب الدولة- أمل تضعه بين يدي رئيس حكومة دينها الرسمي الإِسلام، هو: أن تحموا البلاد من هذه الفتن، وتضعوا تلك المدارس تحت مراقبة وزارة المعارف، وتتخذوا التدبير الحازم في منعهم من التعرض لعقيدة التلميذ المسلم، أو إلزامهم له بأداء شعائرهم النصرانية، فإن وجهتم همتكم إلى هذا الباب من الفساد فأغلقتموه، كانت هذه الهمة مظهراً من مظاهر يقظة الدولة، وبقيت في الناس كلسان يعبر عن حكمة تدبيركم، ويستدعي جزيل شكركم، وتفضلوا -يا صاحب الدولة- بقبول عظيم الاحترام.
والسلام عليكم ورحمة الله.