الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأول مستشفى أحدثه الوليد بن عبد الملك بن مروان في دمشق للمجذومين سنة 88 هـ وأجرى لهم فيها أرزاقهم.
*
شدة عنايتهم بمداواة المرضى، وتوفير وسائل الراحة لهم:
كان الأمراء يبنون المستشفيات، ويعينون لها أطباء، ويعدون فيها من الأدوية ما يحتاج إليه.
كتب الوزير علي بن عيسى بن الجرَّاح في أيام خلافة المقتدر إلى سنان بن ثابت، وكان سنان هو القائم على أمر البيمارستانات:"فكرت في أمر الحبوس، وأنهم لا يخلون مع كثيرة عددهم، وجفاء أماكنهم أن تنالهم الأمراض، فينبغي أن تفره لهم أطباء يدخلون إليهم في كل يوم، ويحملون معهم الأدوية والأشربة، وما يحتاجون إليه من المزوَّرات (1)، وتتقدم إليهم بأن يدخلوا سائر الحبوس، ويعالجوا من فيها من المرضى، ويريحوا عللهم فيما يصفون لهم إن شاء الله تعالى".
وكتب إليه كتاباً آخر يقول فيه: "فكرت فيمن بالسواد من أهله، وأنه لا يخلو من أن يكون فيه مرضي لا يشرف متطبب عليهم؛ لخلو السواد من الأطباء، فتقدم بما يفاد متطببين، وخزانة من الأدوية والأشربة، يطوفون السواد، ويقيمون في كل صُقع منه مدة ما تدعو الحاجة إلى مقامهم، ويعالجون من فيه، ثم ينتقلون إلى غيره".
وقد يتجاوز بعضهم في العناية بأحوال المرضى إلى حد الرفاهية، وأوضح مثال لهذا: معاملة المرضى بالمستشفى الذي أنشأه أبو يوسف المنصور
(1) خضر بدون لحم ولا دسم.
يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي في مدينة مراكش.
قال عبد الواحد المراكشي: ذلك أنه بعد أن بنى المستشفى في ساحة فسيحة، وظهر في نقوشة البديعة وزخارفه المحكمة، وحفَّه بالأشجار ذات الثمار والأزهار، وأجرى فيه مياهاً كثيرة تدور على جميع البيوت، وأمر له من الفرش النفيسة من أنواع الصوف والكتان والحرير والأديم وغيره مما يزيد عن الوصف. ثم قال:"وأعد فيه للمرضى ثياب ليل ونهار للنوم من جهاز الصيف والشتاء، فإذا نقه المريض، أمر له عند خروجه بمال يعيش به ريثما يستقل". وقال: وكان في كل جمعة بعد صلاته يركب ويدخل يعود المرضى، ويسأل عن أهل بيت أهل بيت، ويقول: كيف حالكم؟ وكيف القومة عليكم؟.
عني رجال الإسلام بالطب حتى أصبح من العلوم التي تدرس في المعاهد أو المساجد على طريقة البحث وتحقيق النظر.
يحدثنا التاريخ: أن الملك الأشرف جعل لمهذب الدين عبد الرحيم ابن علي مجلساً لتدريس صناعة الطب، ووقف مهذب الدين هذا داره بدمشق، وجعلها مدرسة يدرس فيها صناعة الطب من بعده.
وكان لموفق الدين عبد العزيز بن عبد الجبار مجلس عام للمشتغلين عليه بعلم الطب.
وأقرأ علم الطب رضي الدين يوسف بن حيدرة الرحي، وكان لا يقرئ هذا العلم إلا لمن يجده أهلاً له، قالوا: وكان يعطي صناعة الطب حقها من الرياسة والتعظيم.
وكان شمس الدين محمد بن عبد الله مدرساً للأطباء بجامع طولون.
وكان موفق الدين البغدادي يدرس الطب فيما يدرسه من العلوم بالأزهر الشريف.
وكان من إقبال أمراء الإسلام وعلمائه على علم الطب: أن أكثر أساتذته في العهود التي ازدهرت فيها العلوم على اختلاف موضوعاتها، وأسوق شاهداً على هذا: أن سنان بن ثابت لما كلفه المقتدر بامتحان الأطباء، بلغ عدد الذين أجرى عليهم الامتحان في جانبي بغداد ثمان مئة شخص ونيفاً وستين، سوى من استغنى عن امتحانه بشهرته بالتقدم في هذه الصناعة.
والذي نرمي إليه في هذا الحديث: أن دين الإسلام ونبي الإسلام رفعا علم الطب وصناعته مكانة عالية؛ إذ كان الطب مظهراً من مظاهر الرأفة بالإنسانية، ووسيلة من أهم وسائل راحة النفوس، وتخليصها من آلام تكدر عليها صفو حياتها، ومعونة لذوي الهمم الكبيرة على أن يتمتعوا بعافية تسعدهم في القيام بأعمال جليلة، فالأخذ بما ينصح به الأطباء الأمناء من إتيان أشياء أو اجتنابها، إنما هو عمل على حفظ الصحة التي تظهر بها الأفراد والأمم في قوة وعزم يسهل عندهما كل صعب، ويتضاءل أمامهما كل خطب، وإنما خلق الإنسان ليسير في طريق الفلاح، ويذلل ما يلاقيه من العقبات بإيمان صادق، وعزيمة ماضية.