الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكتب مذكرة تشتمل على مقترحات ذات بال، وطرحها أمام مجلس الإدارة، فتلقاها منه بالقبول والشكر، وعقد مجلس الإدارة عزمه على العمل لتحقيق هذه الرغبات ما استطاع.
دخلت المجلة في سنتها الخامسة، حامدةً حزم إدارتها، مغتبطة بإقبال الشيوخ والشبان على قراءتها، آملة نجاحاً فوق نجاحها، ومظهراً أسمى من مظهرها، فإن نشاط أعضاء الجمعية اليوم في ازدياد، وصدق عزمهم أورث المجلة أنصاراً في كثير من البلاد، وفي كثرة الأنصار قوة وعزة، ونصر الله أكبر وأبقى.
ولا نضع القلم من أيدينا حتى نقضي واجب الشكر لحضرات الأساتذة الذين خصوا المجلة بنتائج بحثهم العلمي أو الأدبي أو اللغوي، خصوصاً الذين واصلوها على بعد ديارهم، وآثروها بمنشآتهم: من الشام وفلسطين وتونس وحضرموت وجاوة وغيرها، فأصبحت بما يجودون به ملتقى أفكار الناهضين من الشعوب الإِسلامية، وفي التقاء الأفكار صلة التعارف والتعاون على تحقيق الموضوعات العلمية، وإصلاح الشؤون الاجتماعية، نسأل الله تعالى أن يزيد هذه الصلة تأكيداً، ويمنحنا رحمة من لدنه وتأييداً.
*
تكريم أعضاء الجمعية الذين أكملوا دراستهم العليا
(1):
يحرز الإنسان في كمال النفس منزلة قاصية، فيحس في صدره ارتياحاً، ويكون ارتياحه أشد وأبلغ متى عرف أنه يعيش بين قوم يقدرون تلك المنزلة
(1) مجلة "الهداية الإِسلامية" - الجزء الثاني من المجلد الخاص. أقامت جمعية الهداية الإِسلامية مساء يوم الخميس 6 جمادى الآخرة عام 1351 هـ حفلة تكريماً لأعضائها الذين أكملوا دراستهم العليا في ذاك العام. وقد ألقى الإِمام هذه الكلمة.
قدرها، وتقديرُ المنازل في العلم والفضل شأنه خطير، وأثره في انتظام الحياتين المدنية والعلمية كبير؛ فإنه يعين على العدل في المعاملة، ويشجع الناشئين على التنافس في سبيل المجد، والأمةُ التي تنظر إلى النبغاء بالعين التي تنظر بها إلى غير النبغاء جديرة بأن لا يكون بين أرضها وسمائها عبقرية، وإذا أنبتت على خلاف طبيعتها ألمعياً بارعاً، لم يجد من العزم ما يجعل ألمعيته البارعة كالشجرة المباركة تؤتي في كل حين تمراً زاكياً، قال علامة نحرير يعتذر عن فتور همته بكساد علمه بين قومه:
غزلت لهم غزلاً رقيقًا فلم أجد
…
لغزليَ نسّاجاً فكسَّرت مغزلي
وقال ابن حزم يشكو قلة إقبال قومه عليه، وزهدهم فيما لديه من علم:
أنا الشمس في جو العلوم منيرة
…
ولكن عيبي أن مطلعي الغرب
وقال:
وإن مكاناً ضاق عني لضيق
…
على أنه فُسْح مَهامهه سُهْب
وإن رجالاً ضيعوني لَضُيَّع
…
وإن زماناً لم أنل خصبه جدبُ
وأذكر أن أحد كبار العلم بدينور قيل له: العلم لك، والصيت لأبي حامد، فقال: رفعت أبا حامد بغداد، وخفضتني دينور.
والتاريخ يحدثنا وهو صادق فيما يحدث: أن النبوغ في العلم، والإبداع في العمل، لا يصلان إلى الذروة إلا في ظلال أمة أو دولة تزن رجالها وزن المثقال.
عهد الناس تكريم العلماء والأدباء والأبطال منذ زمن بعيد، ولا أريد بتكريمهم تلكم البيضاء أو الصفراء يبذلها بعض الرؤساء أو الوجهاء لعالم
شهير، أو شاعر قدير، أو بطل خطير؛ فإن السخاء بالبيضاء والصفراء قد يكون مبعثه العطف والشفقة، وكثيراً ما يعطف الرجل أو يشفق على من لا يكون في نظره أهلاً للتوقير والإجلال، وإنما أريد من تكريم الرجل الماجد: مظاهرَ يؤذن بما له من مكانة تجلها القلوب.
نظم ابن خميس التلمساني قصيدة يقول في طالعها:
عجباً له أيذوق طعمَ وصالها
…
من ليس يأمل أن يمر ببالها
ولما وصلت هذه القصيدة إلى قاضي القضاة ابن دقيق العيد، قام إجلالاً لها، فقيام قاضي القضاة بالديار المصرية لشعر ابن خميس الجزائري تكريم لابن خميس.
ورحل أبو علي القالي صاحب كتاب "الأمالي"، "والنوادر" إلى بلاد الأندلس، ولما دخلها، ابتهج لمقدمه الحكم بن عبد الرحمن الناصر- وكان كالوزير لوالده الخليفة عبد الرحمن-، وأرسل إلى أحد مسألة أن يتلقى أبا علي في وفد من وجوه الناس، ويجيء معه إلى قرطبة تكرمة له.
وقد قصدت جمعية الهداية الإِسلامية أن يكون في سيرتها ما يدل على أنها تقدر النجابة والنبل، فجعلت من مبادئها: الاحتفال بتكريم العاملين المخلصين من أعضائها متى سابقوا في علم أو فضل، فسبقوا.
وعلى هذا المبدأ أقامت هذه الحفلة تكريماً لهؤلاء الأساتذة؛ إذ أحرزوا شهادات عالية، وهم من العاملين في الجمعية بحزم وثبات. ولا أخالهم في حاجة إلى أن أصوغ كلمة في الثناء على حضراتهم؛ فإحرازهم لهذه الشهادات العالية نطق بألمعيتهم، وسمو هممهم، وانتظامهم في جمعية الهداية شاهد بطهارة قلوبهم، ورقي آدابهم، ومن ضم إلى الألمعية همة سامية، وإلى طهارة