المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌استعمال الألفاظ في غير مواضعهما ومضاره الاجتماعية - موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين - ١٠/ ١

[محمد الخضر حسين]

فهرس الكتاب

- ‌(18)«الهِدَايَةُ الإسْلاميَّةُ»

- ‌المقدمة

- ‌مقدّمَة الإمام محمّد الخضر حسين

- ‌آداب الحرب في الإِسلام

- ‌ تمهيد:

- ‌ الاستعداد للحرب:

- ‌ التدريب على الحرب:

- ‌ محاكاة العدو في وسائل الدفاع:

- ‌ كتابة أسماء من يدعون إلى الحرب:

- ‌ إعلان الحرب:

- ‌ رفع الرايات في الحرب:

- ‌ الشعار في الحرب:

- ‌ تعهد الجند بالموعظة:

- ‌ النشيد الحماسي:

- ‌ الزحف في صفوف منظمة:

- ‌ الإقدام في الدفاع:

- ‌ الثبات في مواقع الدفاع:

- ‌ الإخلاص في الحرب:

- ‌ أثر الاستقامة في الانتصار:

- ‌ الدهاء في الحرب:

- ‌ إطلاع ولي الأمر على سير الحرب يوماً فيوماً:

- ‌ الشورى في الحرب:

- ‌ كيف يكون قائد الجيش

- ‌ استكشاف حال العدو:

- ‌ التكتم في الحرب:

- ‌ الاحتراس في الحرب:

- ‌ حكم الجاسوس في الإِسلام:

- ‌ الرفق بالجند ومعاملتهم بالعدل:

- ‌ تلقيهم أوامر القائد بحسن الطاعة:

- ‌ تحامي الاختلاف المؤدي إلى الشقاق:

- ‌ التخلف عن الدفاع:

- ‌ الفرار من صفوف القتال:

- ‌ الوفاء بتأمين المحارب:

- ‌ مجاملة رسل العدو وعدم التعرض لهم بأذى:

- ‌ تجنب قتل من لا يقاتل:

- ‌ معاملة الأسرى:

- ‌ الدفاع في البحر:

- ‌ عقد الصلح:

- ‌ تخليص الأسرى من أيدي العدو:

- ‌ تقدير البطولة:

- ‌الروح العسكرية في الإسلام

- ‌الطب في نظر الإسلام

- ‌ شدة عنايتهم بمداواة المرضى، وتوفير وسائل الراحة لهم:

- ‌حقوق الزوجية في الإسلام

- ‌القضاء العادل

- ‌مكانة القضاء

- ‌صفات القاضي في الإسلام

- ‌شريك قاضي الكوفة وموسى بن عيسى أميرها

- ‌أكلَّ الجيش أسلفه

- ‌السّياسة الرشيدة في الإسلام

- ‌الدّين والفلسفة والمعجزات

- ‌حقوق الجار

- ‌ كف الأذى عن الجار:

- ‌ حماية الجار:

- ‌ الإحسان إلى الجار:

- ‌ احتمال أذى الجار:

- ‌السخاء وأثره في سيادة الأمة

- ‌ أثر السخاء في سيادة الأمة:

- ‌الحلم وأثره في سعادة الحياة الفردية والاجتماعية

- ‌حالة الأمة في هذا العصر

- ‌اليد العليا خير من اليد السفلى

- ‌خير نظام للحكم

- ‌سعيد بن جُبير والحجَّاج

- ‌استعمال الألفاظ في غير مواضعهما ومضاره الاجتماعية

- ‌فضل شهر رمضان

- ‌بحث موجز في أشهر الفرق الإِسلامية

- ‌ وحدة العقيدة في الصدر الأول:

- ‌ انقسام المسلمين إلى فرق مختلفة:

- ‌ عوامل هذا الانقسام:

- ‌ الفرق الإِسلامية:

- ‌الشيعة

- ‌ الزيدية:

- ‌ الإمامية:

- ‌ الكيسانية

- ‌ الغلاة:

- ‌إصلاح المعاهد الدينية والدكتور طه حسين

- ‌الأدوية المفردة بين دسقوريدس - وابن البيطار

- ‌ كيف نقلت الأدوية المفردة إلى اللغة العربية

- ‌كلمات وخواطر وآراء

- ‌ شعور الحاضرين بموضوع الخطبة

- ‌ جمعية الهداية الإِسلامية - سبب تأليفها

- ‌ منهج ابن سينا في البحث

- ‌ أبناء المسلمين في مدارس التبشير

- ‌ مجلة الرابطة تزعم أنها لا تنصر دينا على دين

- ‌ النقد التحليلي لكتاب في "الأدب الجاهلي

- ‌ الأستاذ متفوخ

- ‌ حول "خطاب مفتوح إلى حضرة محمد

- ‌ افتتاح نادي جمعية الهداية الإِسلامية

- ‌ تروتسكي "يعتنق الإِسلام في بيئة تجهل على الإِسلام

- ‌ حول نقل الكتب العربية إلى الألمانية

- ‌ للتاربخ

- ‌ فاتحة السنة الثانية

- ‌ ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الألمانية

- ‌ قسم التخصص بالأزهر الشريف

- ‌ خطب عظيم

- ‌ فاتحة السنة الثالثة

- ‌ جمعية الهداية الإِسلامية

- ‌ فقيد الإِسلام والشرق مولانا محمد علي

- ‌ طريقة جمعية خيرية في مساعدة البائسين

- ‌ الناشئة والآداب الإِسلامية

- ‌ ارتجال الشعر الألماني

- ‌ من جمعية الهداية الإِسلامية إلى وزير المعارف

- ‌ فاتحة السنة الرابعة

- ‌ النهضة الأدبية العلمية في جمعية الهداية الإِسلامية

- ‌ كلمة في تأبين الفقيد الشيخ محمد عبد المطلب

- ‌ احتجاج جمعية الهداية الإِسلامية على حادثة التبشير

- ‌ كلمة في تأبين الفقيد الشيخ مصطفى بدر زيد

- ‌ حقيقة الدكتور طه حسين

- ‌ الدكتور طه حسين أيضاً

- ‌ كلمة في الاحتقال بالمولد الكريم

- ‌ فاتحة السنة الخامسة

- ‌ تكريم أعضاء الجمعية الذين أكملوا دراستهم العليا

- ‌ فقد عالم نحرير ببلاد الجزائر

- ‌ افتتاح فرع الجمعية بالعباسية

- ‌ فاتحة السنة السادسة

- ‌ كلمة في حفل تكريم المتبرئين من القاديانية

- ‌ خطبة الإمام في حفل افتتاح فرع جمعية الهداية الإسلامية بالجيزة

- ‌ فاتحة السنة السابعة

- ‌ شعبة شباب الإصلاح لجمعية الهداية الإسلامية

- ‌ فاتحة السنة الثامنة

- ‌ نداء جمعية الهداية الإسلامية لمساعدة منكوبي فلسطين

- ‌ فاتحة السنة التاسعة

- ‌ حفلة تكريم رئيس مجلس الشيوخ

- ‌ الاحتفال بعودة الإمام من سورية

- ‌ الاحتفال ببعثة الإخاء الإسلامي

- ‌ مصاب تونس بوفاة عالم جليل

- ‌ تأبين الدكتور ستومو

- ‌ فاتحة السنة الحادية عشرة

- ‌ بدعة فصل الدين عن السياسة

- ‌ تكريم أعضاء البعثة المغربية

- ‌ وفاة علامه مجاهد كبير

- ‌ الشيخ عبد الرحمن قراعة

- ‌ شعبة الأدب العربي لجمعية الهداية الإسلامية

- ‌ فاتحة السنة الرابعة عشرة

- ‌ مهمة جمعية الهداية الإسلامية

- ‌ الاحتفال بذكرى الهجرة النبوية

- ‌ الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف

- ‌ تأبين الأستاذ الشيخ علي محفوظ

- ‌ تكريم إنكليزي دخل الإسلام

- ‌ فاتحة السنة السابعة عشرة

- ‌ في الهجرة بركة

- ‌ فاتحة السنة الثامنة عشرة

- ‌ فاتحة السنة التاسعة عشرة

- ‌ فاتحة السنة الحادية والعشرين

- ‌ فاتحة السنة الثانية والعشرين

- ‌ تزويد أحد الشبان التونسيين بموعظة

الفصل: ‌استعمال الألفاظ في غير مواضعهما ومضاره الاجتماعية

‌استعمال الألفاظ في غير مواضعهما ومضاره الاجتماعية

(1)

وضعت الألفاظ ليعبر بها عما يجول في الضمائر من المعاني التي يراد نقلها إلى أذهان أناس آخرين، وقد تقصَّت المعاجم الألفاظ المفردة، وعينت لكل لفظ معناه اللائق به، ووضع النحاة وعلماء البيان قوانين يعرف بها كيف تؤلف هذه الألفاظ المفردة حتى تصير جملاً تؤدي صور المعاني القائمة في النفوس كما هي.

فمن استعمل مفرداً في غير معناه المعروف في معاجم اللغة، أو مقاييسها، فقد ارتكب خطأٌ، وقد ينبني على هذا الخطأ خلل في تصوير المعنى الذي صيغ الكلام من أجله، وربما كان لهذا الخطأ ضرر على الأخلاق ونظام الاجتماع.

ونضرب لهذا أمثلة تدلك على شيء من المضار الناشئة من استعمال الألفاظ في غير مواضعها.

يجري في المديح لفظ: العزة والتواضع، وفي الذم: لفظ الكبير والذلة.

والعزة: صون النفس عن مواضع الإهانة. والذلة: الانحطاط إلى هذه المواضع القذرة.

(1) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزء الأول من المجلد الثامن عشر.

ص: 137

والكبر: التعاظم في مقام يقتضي حسن اللقاء وخفض الجناح. والتواضع: طهارة النفس من ذلك التعاظم الممقوت.

ولا تتشابه معاني هذه الألفاظ في نظر من يميز المعاني بحدودها، ويضع كل لفظ في موضعه اللائق به، ولكنك تجد في الناس من يتعاظم، ويسمي تعاظمه عزة، أو يهوي إلى الأقدام ذلة، ويسمي تذلُّلَه تواضعاً، أو يرى في غيره عزة، فيسميها كبراً، أو يرى فيه تواضعاً، فيسميه ذلة، وإلى هؤلاء يشير الشاعر بقوله:

وفي الناس من عدَّ التواضع ذلة

وعدَّ اعتزاز النفس من جهله كبرا

وقد اشتكى بعض العظماء من أناس سموا اعتزازه انقباضاً، ونبههم لخطئهم في استعمال كلمة الانقباض، فقال:

يقولون لي فيك انقباض وإنما

رأوا رجلاً عن موقف الذلِّ أحجما

ويقال في المديح: فلان سليم القلب؛ أي: إن نفسه لا تنطوي على سوء، ولا تنزع إلى شر، ويقال في الذم: فلان خَبّ، والخَبُّ: الخدَّاع الذي يسعى بين الناس بالفساد، وقد جرى في أوهام بعض الناس أن سلامة القلب تقرن بالغباوة، وعدم التنبه للوجوه التي يأتي منها الشر، وأن الخَبَّ يقارنه الذكاء والنباهة، وجرَّهم هذا الوهم إلى أن يطلقوا على الشخص كلمة:"طيب"، أو "مبارك" على معنى: أنه ينخدع، ويقع في الشر من حيث لا يشعر، وأراد أحد الحكماء الأذكياء أن يدفع هذا الخطأ، فقال:"لست بخَبّ، والخَبُّ لا يخدعني".

ومن الظاهر أن ذلك الوهم نشأ من الذهول عن أن العلم بوجوه الشر يشع الألمعية، وكثيراً ما يجمع الرجل بين الألمعية وسلامة القلب، قال

ص: 138

عمر بن الخطاب: من لا يعرف الشر يوشك أن يقع فيه.

ويجري في صفات المديح لفظ: المداراة، وفي صفات الذم لفظ: المداهنة، والمداراة: أن تلقى من تخشى شره بتبسم، أو تخصه بإكرام، أو تترك محاورته في أمر يبطش بمن يحاوره فيه، أو تذكر ما عرفته من محاسنه، وتسكت عن مساويه، أما المداهنة، فهي أن تصفه بالعلم وهو جاهل، أو بالشجاعة وهو جبان، أو بالعدل وهو ظالم، أو يبدي رأياً خطأ، فتقول له: أصبت الحق.

وقد يخطئ بعض الناس، فيحسب البشاشة في وجه المطبوع على الإساءة اتقاء لإساءته مداهنة، ويحسب آخرون أن التبسط في إطراء من يتقى شره مداراة، في حين أن علم الأخلاق يسمي الذي يجري على لسانه مديح الأشرار: منافقاً، ومداهناً.

ويسمى أناس الإحجام حيث يجب الإقدام: حزماً، وإلى هؤلاء يشير المتنبي بقوله:

يرى الجبناء أن الجبن حزم

وتلك خديعة الطبع اللئيم

ويسمي أناس بسط اليد بالمال في وجوه البر: إسرافًا، وقال بعض هؤلاء لمن أنفق في سبيل الخير مالاً كثيراً: لا خير في الإسراف، فقال:"لا سرف في الخير".

ويسمي أناس الأناة: إبطاء، وللأناة مقام غير مقام الإبطاء، قال شاعر الحماسة:

منا الأناة وبعض القوم يحسبنا

أنا بِطاءٌ وفي إبطائنا سرع

ويسمي أناس إطلاق اللسان أو القلم بهجاء الأشخاص، أو بالنقد

ص: 139

المحشو بالسباب: حرية، وإنما الحرية في إبداء الآراء أو نقدها بأسلوب تأذن فيه الفضيلة، ولا تنكره آداب البحث.

وقد يطلق الناس اسم المباح على المحظور؛ ليتناولوه، أو ليدعوا إليه في غير تحرج، وإلى هذا يشير النبي الأكرم - صلوات الله عليه - بقوله:"يشرب الخمر ناس من أمتي يسمونها بغير اسمها"(1).

وقد تنبه لخطر تحريف الألفاظ عن مواضعها (كونفشيوس) زعيم المذهب الذائع في الصين "الكونفشيوسية"، وجعل من أسس مذهبه في الإصلاح الرجوع بالألفاظ إلى موضوعاتها الصحيحة، وقال: إذا لم تكن الأسماء صحيحة، لم يطابق الكلام حقائق الأشياء، وإذا لم يكن مطابقاً للحقائق، وقع الخلط في اللغة، واضطربت الأفكار، ولم تقع العقوبات على من يستحقها، فتتعطل الأعمال المدنية.

وليس من شك في أن استعمال الألفاظ في غير مواضعها وسيلة من وسائل اختلال الشؤون الاجتماعية، وأنه من واجب المصلحين تنبيه الناس لهذه الناحية من الفساد، وأن يتداركوا إصلاحها بعناية وحكمة.

(1) رواه الإمام النسائي في "سننه".

ص: 140