الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن الدعوة إلى الإسلام كانت تلاقي في مكة معارضة وعقبات توضع في سبيلها، وأخذت بعد الهجرة حريتها كاملة، ولم يستطع أحد أو جماعة الوقوف في طريقها، وكانت الدعوة بمكة تسير في طريق النجاح رويداً رويداً، وأخذت بعد الهجرة تنتشر بسرعة، فلم يمض عليها عشر سنين حتى عمت الجزيرة، وانضوى إلى الإسلام ملوكها ورؤساؤها وقبائلها فوجاً عقب فوج، وكان المشركون يبسطون ألسنتهم وأيديهم إلى المسلمين بالأذى، وبالهجرة تخلصوا من ذلك الأذى، وأصبحوا في أمن ليس لذي قوة عليهم من سبيل.
وكانت الدعوة في مكة تتدرع بالصبر، واحتمال المكروه من أولئك الطغاة، أما بعد الهجرة، فقد رفعت الدعوة رأسها، وأذن للقائمين بها أن يجردوا الحسام في وجه كل من يناوئها، ويروم إطفاء نورها.
فبالهجرة ظهر الإسلام في ثوب عزته الصافية، وتمكن من أن يفيض على العالم هداية ورحمة.
ومن مآخذ العبرة في قصة الهجرة: أن الداعي إلى الإصلاح متى أوتى حكمة بالغة، وإخلاصاً نقياً، وعزماً صارماً، هيأ الله لدعوته بيئة طيبة فتقبلها، وزينها في قلوب قوم لم يلبثوا أن يسيروا بها في البلاد، ويطرقوا بها الآذان، فتسيغها الفطر السليمة، والعقول التي تقدر الحجج حق قدرها.
*
الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف
(1):
سادتي! لا يوجد في سير العظماء ما يوجد في سيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
(1) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزء العاشر من المجلد الرابع عشر. احتفلت جمعية الهداية الإسلامية مساء يوم الجمعة 9 ربيع الأول 1361 بذكرى مولد الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم. وقد افتتح الإمام الحفل بهذه الكلمة.
من خصال الشرف، ومظاهر الكمال، فلا شرف يذكر، ولا كمال ينعت، إلا أخذ في السيرة النبوية مكاناً أوسع، وكان له أرفع شأن، وليس في الوقت كفاية، ولا في اللسان مقدرة على أن أتحدث عن هذا الشرف والكمال بما يشفي غليل السامعين، وقصارى ما يستطيعه الخطيب أن يقول كلمة يلمح بها إلى شيء من خصال كماله عليه الصلاة والسلام.
وقد يقف الخطيب البارع وقفة المدهوش لكثرة ما يتراءى له من الأخلاق الباهرة، والآداب الرائعة، والهمم الفائقة.
ولا أكتمكم أني وقعت في هذه الدهشة عندما استقبلت السيرة النبوية لأقتبس منها كلمة ألقيها في هذه الحفلة المباركة، وكدت أنقطع عند التكلم، لولا أن الاعتذار بهذا الوجه من العجز لا يجد عند كثير من الناس قبولاً.
وقد أخذت -مع هذه الروعة- أروض الفكر إلى أن يملي على لساني شيئاً أضرب به في هذه الحفلة بسهم، عسى أن يكون لنا فيه قدوة حسنة، فما كان إلا أن ذكرت قول ابن الخطيب:
أيروم مخلوق ثناءك بعد ما
…
أثنى عليك الواحدالخلّاق
فقلت: كتفي بتلاوة آية من الآيات التي أثنى بها الواحد الخلَّاق على رسوله الأكرم - صلوات الله عليه -، وتلك الآية هي قوله تعالى:
{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
فمن واجب هذه الآية علينا أن ندرس السيرة النبوية حتى نعلم ما هو الخلق العظيم الذي كان عليه عليه الصلاة والسلام؛ لنعمل لتربيته في نفوس نشئنا، ونأخذ به أنفسنا ما استطعنا.
ونحن إذا درسنا السيرة النبوية، نجده صلى الله عليه وسلم قد تجمل بأكمل الأخلاق