الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يحيى الأكحل، ثم السيد عبد الرحمن الجلالي، ثم الشيخ قدور الحلوي، ثم أودعت جثته المكرمة في قبره، والعبرات دافقة، والقلوب محزونة (إنا لله وإنا إليه راجعون).
وكنت لقيته -رحمه الله تعالى- عندما زرت عاصمة الجزائر في رمضان سنة 1321، فلقيت به عالماً بحاثاً شاعراً بمقتضيات العصر، ومسلماً غيوراً، وأديباً مهذباً، وشهدت درساً كان لقيه في ليالي رمضان بأحد المساجد، فأعجبت بحسن تصرفه، وبراءة بيانه، فنسأل الله تعالى أن يفيض على قبره رحمة، ويعوض الأمة منه خيراً.
*
افتتاح فرع الجمعية بالعباسية
(1):
نحمدك اللهم على أن هديتنا سبيل الفلاح، ونستعين بك على إعلاه كلمة الحق والدعوة إلى الإصلاح، ونصلي ونسلم على سيدنا محمد الذي أوتي جوامع الكلم، ونطق بأبلغ المواعظ وأبدع الحكم، وعلى آله الذين قاموا على سنته فأحسنوا القيام، وأصحابه الذين جاهدوا في سبيل إسعاد البشر بالحجة والحسام.
أيها السادة! كان العالم في فساد يملأ ما بين جوانبه، فقضت حكمة علَّام الغيوب أن نزل الروح الأمين بالكتاب الكريم، على الرسول العظيم، فبلغ صلى الله عليه وسلم ما أنزل إليه من ربه، وبينه أحسن بيان، وقام على إنفاذ أوامره بحزم وقوة، فأنار بدعوته بصائر كانت مغبَّرة، وأيقظ بدعوته قلوياً كانت عن طريق
(1) مجلة "الهداية الإِسلامية" - الجزء العاشر من المجلد الخامس. أنشأت جمعية الهداية الإِسلامية فرعاً لها في حي العباسية بالقاهرة. وهذه كلمة الإِمام في أولى حفلاتها في ليلة الاثنين 27 محرم عام 1352 هـ.
السعادة غافلة، وزجر بماضي عزمه نفوساً كانت إلى الشر فازعة، فتألف حزب الله رويداً رويداً حتى فتحت مكة المكرمة، وأصبح الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، وما أكمل الله الدين، وطوى بساط الوحي بوفاة خاتم النبيين، حتى نبت في مهابط الحكمة الإلهية رجال عرفوا السعادتين: الدنيوية، والأخروية، وأتقنوا علم السياستين: الحربية، والمدنية، فقاموا بتلك الفتوح التي رفعوا بها لواء العدل، وأقاموا بها قاعدة المساواة، وأطلقوا ريح الحرية يتنسمها الضعفاء والأقوياء على سواء.
ساد الإِسلام في البلاد، وتفيأت ظلاله في الأغوار والأنجاد، والباحث في التاريخ بإنصاف يشهد أن تلك السيادة كانت تقوى وترسخ في الممالك على قدر استضاءة الأمة بعلوم الدين، وعملها بنصائحه، وتحليها بآدابه.
ضعف المسلمون بعد تلك القوة، وانحدروا بعد الصعود، واستخف بهم أعداؤهم بعد أن كانت مهابتهم تملأ الصدور، فوقعوا فيما ترونه بأعينكم، وتسمعونه بآذانكم.
وكان من سنة الأمم التي تصعد إلى ذروة العز والمجد، ثم تنحط إلى درك الهون والخمول: أن تقوم طوائف منها يبحثون عن علة ضعفها وانحدارها، ثم ينظرون في الوسيلة التي تعيد إليها شباب مجدها، وتملأ الصدور بمهابتها.
قامت طوائف يرمون بخطبهم وأقلامهم إلى هذا الغرض، فمنهم المصيبون، ومنهم المخطئون، ولا أريد بسط القول في بيان من أصابوا منهم ومن أخطؤوا، بل أختصره اختصاراً، فأقول:
وجد بين الباحثين عن علة ضعفنا واستضعافنا طائفة اهتدت إلى أن العلة هي انصرافنا عن نصائح الكتاب العزيز، ونكث أيدينا من الاعتصام بشرعه،
فنهضوا يخطبون ويكتبون في بيان حقائق الدين الإِسلامي، ويقيمون الحجة على صدق لهجته، ويديع حكمته، وعلى هذا المبدأ المقدس تألفت جمعية الهداية الإِسلامية.
تألفت هذه الجمعية في شهر رجب سنة 1346، وافتتحت عملها بإلقاء المحاضرات في المساجد والنوادي، ثم عزمت على إصدار مجلة ينشر فيها ما يلقيه حضرات أعضائها من الخطب والمحاضرات، وما تجود به أقلامهم من الرسائل والمقالات، وقرنت عزمها بالعمل، وقرن الله عملها بالتوفيق والنجاح، فأصدرتها في غرة جمادى الثانية سنة 1347، وما زالت تصدر بانتظام وهي تغالب الأزمات، ولا تهاب ما يقف في وجهها من العقبات.
وما زالت الجمعية تجاهد بمحاضراتها نحواً من ست سنين، وبمجلتها نحواً من خمس سنين، فقطعت في تحقيق أغراضها النبيلة مراحل بعيدة المدى.
ولنذكر لحضراتكم أمثلة من نزعات الطوائف التي حاربتها الجمعية في قوة وحكمة:
وجدت الجمعية رهطاً نشؤوا في عماية، وتخبطوا في سفاهة، فزعموا أن سبب سقوط الأمة الإِسلامية من مكانتها تمسكُها بدينها، ووقوفها عند حدود شريعتها، حتى قالوا: إن سبب فقدها لسلطانها الغالب ربطُها للسياسة بالدين.
وقد أرتهم الجمعية أنهم قد قلبوا الحقيقة رأساً على عقب، وكانت تذكرهم بالتاريخ الصادق، وتعرض عليهم أحوال الشعوب المختلفة في العصور، فتناديهم بأن قوة الدولة وعزتها على مقدار إقامتها للشريعة السمحة،
وارتباطها بأحكامها العادلة.
وجدت الجمعية فريقاً آخرين اشتدت عداوتهم للإسلام، وحدثتهم أنفسهم بالعمل لهدمه من أساسه، فابتدعوا نحلاً يخدعون بها الضعفاء والجهَّال، ويزعمون أنها الإِسلام، ومن أخبث هذه النحل: نحلتا البهائية، والقاديانية، وقد كشفت الجمعية عن سرائر هاتين النحلتين، وأقامت الحجة على أن مؤسسيها ملاحدة يخادعون الله والذين آمنوا، ولو ألقت حبلهما على غاربهما، وخلت لهما السبيل، لأضلوا كثيراً.
وجدت الجمعية فريقاً لا يبحثون في علم، ولم يرزقوا فطراً سليمة تعينهم على السير في رشد، فاندفعوا إلى محاكاة غير المسلمين، حتى فيما تتبرأ منه الفضيلة، ويلعنه الدين الحق لعناً كثيراً، وقد عنيت الجمعية بحال هذا الفريق، وأخذت تنظر إلى ما يحاكون فيه الأجانب، وتزنه بميزان الحكمة، فتميز الخبيث من الطيب، وتدعوهم بالتي هي أحسن إلى أن يكونوا نابتة صالحة، وأغصاناً مثمرة.
وجدت الجمعية فئة لا يفرقون بين ما هو من حقائق الدين، وما هو من المحدثات الملصقة به، فقد تعدُّ بعض ما تسعه أصول الدين بدعة، وتعدُّ بعض ما لا يقبله الدين سنَّة، فوقفت الجمعية في هذا الشأن على بصيرة، وجعلت مرجعها في الفرق بين السنة والبدعة، الكتاب والسنة، وما كان عليه سلف الأمة.
وجدت الجمعية بعد هذه الفرق جماعات من الأجانب يهبطون أوطاننا، ويفتحون مدارس ومستشفيات يتخذونها حبائل لإفساد عقائد أبنائنا، وإخراجهم من نور الإِسلام إلى النصرانية، فكان لمحاضرات الجمعية ومجلتها حظ عظيم
من مقاومة هذا النوع من التضليل.
ولم تقصر الجمعية في محاضراتها أو منشآت مجلتها على هذه الموضوعات الدينية أو الاجتماعية، بل خدمت اللغة العربية وآدابها والتاريخ الإِسلامي أجل خدمة. وألقيت على منصة خطابتها محاضرات في بعض الفنون أو المخترعات العصرية، تسمح بذلك حيث ترى في إلقائها زيادة تنوير للأذهان، أو تمريناً لشبانها على صناعة المحاضرة والخطابة.
ومن مقاصد الجمعية: تأكيد رابطة التعارف بين رجال العلم والفضل في مختلف الأقطار الإِسلامية، وقد أقامت لتحقيق هذا المقصد النبيل حفلات أتت بثمرات طيبة، وإن عزمها على أن تقيم أمثال تلك الحفلات كما سنحت الفرصة لَشديد.
ومن أعمال الجمعية: تحرير مذكرات تقدمها لأولي الشأن عندما تقتضي المصلحة تقديمها؛ كمذكرتها في إلغاء البغاء، ومذكرتها في طلب العناية بالتعليم الديني في مدارس الحكومة، وإعطائه حقه.
هذه مساعي الجمعية التي أنشأت هذا الفرع في حيكم الكريم، وترجو من الله تعالى المعونة والتوفيق، ومن حضراتكم الإقبال والمؤازرة، وإنكم -إن شاء الله- لفاعلون.
* نداء من جمعية الهداية الإِسلامية إلى كل مسلم يحب العمل في سبيل الله (1):
لقد انكشف الغطاء عما كان مستوراً من خفايا المدارس التي تريدها جمعيات التبشير، وما لهذه الجمعيات من ملاجئ ومستشفيات، وثبت
(1) مجلة "الهداية الإِسلامية" - الجزء العاشر من المجلد الخامس.
للجمهور أن ما ارتكبه هؤلاء المضللون في بناتنا وأبنائنا مخالف للقوانين والمروءات وأصول الديانات، فضلاً عن إهانتهم الأمة بتحاملهم على دينها، واستخفافهم بقرارات الحكومة، ومحاولتهم مخالفة النظام.
وقد رأى المسلمون بعيونهم، ولمسوا بأيديهم الخطر المحقق من إدخال أبناء المسلمين وبناتهم مدارس هؤلاء المعتدين على الإِسلام، ومن تردد الرجال والنساء على مستشفياتهم وملاجئهم.
إن المبشرين لم يأخذوا أبناء المسلمين وبناتهم بالقوة من بيوت آبائهم، وإنما الذي قذف بهؤلاء البنات والأبناء إلى هذه المدارس هم آباؤهم، وولاة أمورهم، فجنوا بذلك على الوطن، وعلى الدين، وعلى رجال المستقبل وأمهات المستقبل، أعظمَ جناية.
إن جمعية الهداية الإِسلامية توجه هذا النداء إلى كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر بأن يعمل ما استطاع لإنقاذ هذه الضحايا من هذه الأماكن الخطرة. فمن وصل إليه هذا النداء من المسلمين والمسلمات، وله ابن أو بنت، أو قريب أو قريبة في آية مدرسة غير إسلامية، يجب عليه أن يبادر في الحال إلى إنقاذه منها، لا سيما والسنّة الدراسية انتهت، فيجب أن لا يتجدد دخول تلميذ مسلم أو تلميذة مسلمة مدرسة غير إسلامية بعد الآن مهما كانت الحال.
وكل من يصل إليه هذا النداء من المسلمين والمسلمات، وهو يعلم أن لصديقه أو جاره أو زميله أو مواطنه ولداً أو بنتاً في مدرسة غير إسلامية، عليه أن يبذل ما استطاع من إقناع لحمل هؤلاء على إخراج أولادهم وبناتهم من ذلك الوسط الذي رأى الناس جميعاً شدة ضرره وخطره.