الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
أصول الحكم في الإِسلام، ومفهوم الدولة الإِسلامية، موضوع التف حوله الداني والقاصي، وجذب إليه كثيراً من المفكرين والباحثين والكتاب، سواء من الذين أنعم الله عليه بنعمة الإِسلام، أو الذين تصدوا للرسالة الخالدة، ولم يزدهم فحيحهم إلا خساراً.
ومكان الإمام محمد الخضر حسين من هذا الموضوع في عصره، مكان القطب من الرحى؛ فهو الشهاب الثاقب على كل شيطان مارد يتخيل أن في صرح الإِسلام ثلمة يمكن خرقها، أو شبهة ينفخ في رمادها لتستعر الفتنة؛ إرضاء لشهوته وشهوات من ينطق باسمهم، ويكتب بقلمهم.
ولا غرابة أن يتخذ أولئك عبداً من عبدان بلد إسلامي، ارتدى الجبة والعمامة شعاراً، وسلك في غفلة من الوقت طريق القضاء الشرعي.
نقول: لا غرابة أن يقع اختيار الدوائر المعادية للإسلام على شيخ أزهري معمم، جمع بين صفتي العالم الأزهري، والقاضي الشرعي؛ لأنه صيد ثمين، وأي صيد أفضل من عربي له زي إسلامي، ويخفي في صدره العداوة للإسلام؟!.
إن ضلالة فصل الدين عن السياسة ما زالت -وستظل- الشغل الشاغل لأعداء الإِسلام، يروجون لها بما أوتوا من وسائل النشر والإذاعة
والرؤيا، التي فتحت أبوابها على الرحب والسعة، ووضعت بين أيديهم قدراتها الفنية الحديثة.
وما هذا الذي يطرق اَذاننا صباح مساء كل يوم من تسميات يلصقونها بالإِسلام، ويطيرون بها كل مطار، ويعقدون لها الاجتماعات والمؤتمرات في السر والعلن، ويصنعون لها دمى متحركة، تنطق باسمهم، وتتراقص على صفحات المجلات والصحف بخيوط يمسكون بها خوف أن تقع، ويلبسونها أسماء عجيبة غريية، فهناك:"لمستشار"، و "الباحث الجامعي الحر"، و"الدكتور العميد" إلخ المسميات التي يحاولون أن يضلوا بها الناس، فيضحكونهم، وإذا هم وأفكارهم وأموالهم سراب في سراب.
ولعل قصة كتاب "الإِسلام وأصول الحكم" الذي وضعه في القاهرة "القاضي الشرير والشيخ الأزهري" علي عبد الرازق، وما أوحاه الشيطان إليه من أفكار، والشيطان يوحي إلى أوليائه، أو ما أوحاه إليه أولئك الذين يتخذون أمثاله شعاراً للضلالة والإفساد، لعل قصة هذا الكتاب مثال للمكائد الخبيثة التي تنصب للإسلام في وكر خبيث.
لنضرب صفحاً عما قيل من أن الكتاب صناعة قلم غير مسلم، وأن اسم علي عبد الرازق لم يكن إلا زينة لقبيح الكتاب، ولنضرب عرض الحائط كل إطراء وثناء وتشجيع تقاطر من دول الغرب وأبالسته وجامعاته ومستشرقيه على الكتاب، وشيخ الكتاب، لندع الأقوال الزائغة عن الحق تموت غيظاً، ولا يجدي نباحها فتيلاً فإن في الانتشار الواسع للإسلام في العالم، وتمسك أهله به، وحرصهم عليه، والدفاع عنه بالمال والروح، صفعة على وجه أولئك الذين يزعمون أن الإِسلام في طريق الاندثار. والحق يقال: إن الإِسلام يزداد
قوة ومنعة يوماً بعد يوم، ولا تزيده معاول الهدم إلا شموخاً وانتصاراً.
لندع الأباطيل الآنفة جانباً. وكنا نرجو ونأمل أن لا يعود إلى الكتاب وسواده وضلالاته، ولكنهم عادوا فعدنا، بل بلغت بهم القِحَة أن ترجموه إلى اللغات الأجنبية، وجعلوا منه في جامعات أوربا مرآة الإِسلام ونظراته في الحكم. ورأينا شرار الناس يسارعون إليه، ويحرصون على طباعته، فصدرت طبعات في القاهرة، وبيروت، والجزائر، ولعل هناك طبعات في بلدان أخرى لم نطلع عليها. وطرحت في الأسواق على نطاق شاسع، وبأبخس الأثمان. وسعى خفافيش الظلام وخبثاء الكتّاب مجدداً إلى تناول الكتاب في الصحافة اليومية، والمجلات الأسبوعية؛ ليدافعوا عن أفكار الكاتب من جديد.
حقَّقت كتاب الإمام محمّد الخضر حسين "نقض كتاب الإِسلام وأصول الحكم"، وأصدق القارئ أنني ترددت في طبعه مرة بعد مرة، وقلت في نفسي: كتاب الإمام في المكتبات العمومية محفوظ لمن يهمه البحث، ولِمَ أطرحه في الأسواق، فأعيد مغالطات علي عبد الرازق إلى الأذهان؟ أما كفى الإِسلام مئات الأقلام الطاعنة فيه شرقاً وغرباً تحت أستار متنوعة، وعناوين مختارة، تخفي وراءها الكفر والإلحاد؟!.
ولكنهم عادوا فعدنا، والحق أجدر أن يتبع، وإذا جاء الحق، زهق الباطل، ومن هنا لبّينا دعوة الحق، وللحق دعوة تستجاب.
"تناول هذا الكتاب نقض ما جاء في كتاب "الإِسلام وأصول الحكم" مما يخالف المبادئ الإِسلامية، ويحود عنها، بطريقة تدل على رسوخ قدم الأستاذ السيد محمّد الخضر في العلوم الإِسلامية والعربية، وتضلعه منها تضلعاً يجعله في صفوف كبار العلماء الباحثين الذين يعرفون كيف يصلون بالقارئ
إلى الحق الناصع في رفق وسهولة، دون أن يرهقوا ذهنه، أو يحرجوا صدره.
فأدلة ناصعة، ولغة بيّنة، وقصد في التعبير من غير غموض أو إبهام، وأدب صريح، وخلق متين، يدل على أن صاحبه ممن تأدبوا بالأدب الإِسلامي، وتشبعوا به، وفهموا معنى قوله تعالى:{وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]، ثم حسن ترتيب وتنسيق في المناقشة وسوق الأدلة لا يدع في نفس القارئ مجالاً للشك، ولا يترك شبهة تتردد في صدره دون أن يقضي عليها قضاء نهائياً.
كل ذلك في تواضع العالم الصادق النظر، النزيه الغرض، الذي لا يقصد من بحثه ودله إلا إحقاق الحق، وإزهاق الباطل" (1).
وخير تقديم وتقريظ للكتاب: أن يقدم ويقرظ نفسه بنفسه، وكتابة الإمام محمد الخضر حسين مرآة لقلم بليغ، ونفس طاهرة، وعقل حصيف، وكتاباته جوامع الحكم، وحكم بالغات صيغت باللفظ العذب والسبك الجيد، إذا تليت على الأسماع، ركنت إليها النفوس؛ لطهارتها وصدقها، وإذا قرأها القارئ، عاش في روضة علمية ساحرة.
إن الإمام محمد الخضر حسين عالم جليل، يغرف العلم من بحر لا ساحل له، ويعتبر كتاب "نقض كتاب الإِسلام وأصول الحكم" أهم المراجع للرد على كتاب علي عبد الرازق، وإذا فرح الضالّون المضلّون بكتاب "الشيخ القاضي الشرعي"، فقد فرح المؤمنون الصادقون بكتاب الإمام الصالح. وشتان بين الضلال والهدى، وبين الشر والخير!.
(1) مجلة "المكتبة" شهرية أدبية تبحث عن المؤلفات وقيمتها العلمية - الجزء الثاني من السنة الثانية الصادر في رمضان - 1344 هـ.
ونشير في هذه المقدمة الموجزة: أن كتاب النقض في طبعته الأولى جاء خالياً من عناوين البحوث والتعليقات، ومن أجل التسهيل والتيسير على الباحث والقارئ أخذنا العناوين من فهرس الكتاب في طبعته الأولى، ووضعنا كل عنوان في موضعه من الكتاب.
والحمد لله على الهدى ودين الحق، والحمد لله على نعمة الإِسلام.
علي الرّضا الحسيني