الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليها. وإنما قصد بذلك الطعن في إمامة علي رضي الله عنه؛ لأن الأمة لم تجتمع عليه؛ لثبوت أهل الشام على خلافه إلى أن مات، فأنكر إمامة علي، مع قوله بإمامة معاوية؛ لاجتماع الناس عليه بعد قتل علي رضي الله عنه ".
*
القرآن والخلافة:
قال المؤلف في (ص 33): "عرفت أن الكتاب الكريم قد تنزه عن ذكر الخلافة، والإشارة إليها، وكذلك السنّة النبوية قد أهملتها، وأن الإجماع لم ينعقد عليها، أفهل بقي لهم من دليل في الدين غير الكتاب، أو السنّة، أو الإجماع؟ ".
قبل أن نأخذ في مناقشة هذه المزاعم، نذكر القارئ بأمر تناولنا البحث فيه آنفاً، وهو أن بحث الخلافة يرجع إلى النظر في حكم عملي، لا في عقيدة من عقائد الدين، ومما يترتب على الفرق بين الأحكام العملية والعقائد: أن الأحكام العملية يُكتفى فيها بالأدلة المفيدة ظناً راجحاً، وأما العقائد، فإنها لا تقوم إلا على براهين قاطعة.
ونضع بين يدي القارئ أيضاً: أن العدول عن ظواهر الألفاظ، وتأويلها إلى غير ما يفهمه أسلوبها العربي من المعاني الجلية، غير مسموع في مقام المناظرة؛ فإن الألفاظ في سائر اللغات تحتمل الصرف إلى معان غير مقصودة، وذلك بما يدعى فيها من نحو الحذف والمجاز، من غير دليل ثابت، أو قرينة قائمة.
ونتخلص من هذا إلى أن سنن الشريعة في إرشادها أن تعنى بالأحكام أو الحقائق التي شأنها الغموض، فتدل عليها بتصريح وتأكيد، حسب أهمية الحكم، وبعدِه من متناول العقول، ولهذا لم ترد فيها أوامر بما تدعو إليه
الطبائع، وإن كانت مفروضة لحفظ النفس أو النسل؛ مثل: الأكل والشرب والنكاح، إلا في سياق الإرشاد إلى معنى زائد على أصل الفعل؛ كقوله تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} {الأعراف: 31]، وقوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3]. فلا غضاضة على حكم الخلافة إذا لم يرد به قرآن يتلى؛ إذ ليست الخلافة شيئاً زائداً على إمارة عامة، تحرس شعائر الدين، وتسوس الناس على طريق العدل، ولم يكن وجه المصلحة من إقامة هذه الإمارة بالخفي الذي يحتاج إلى أن يأتي به قرآن صريح. ولكن وراء ذلك أشياء أخرى قد تنازع فيها الأهواء أو تختلف فيها الَاراء؛ كإطاعة السلطان العادل، أو اشتراط أن يكون زمام الحكم في يد مسلم، فأرشد القرآن إلى الأولى منطوقاً، وإلى الثاني مفهوماً بقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]. وقد نبهنا -فيما سلف- على أن النظر في وجه الأمر بإطاعة أولي الأمر يقتضي وجوب إقامتهم.
فالقرآن لم يصرح بحكم الإمارة العامة؛ اكتفاء بما بثه في تعاليمه من الأصول التي تبينها السنّة، ويرجع إليها الراسخون في العلم عند الحاجة إلى الاستنباط، ولأن في الأمر بإطاعة أولي الأمر عبرة لأولي الألباب.
فقول المؤلف: إن القرآن قد تنزه عن ذكر الخلافة والإشارة إليها، كلمة لا تليق بأدب عالم شرعي، ولكن الهوى كالزجاجة الملونة بسواد، تضعها على بصرك، فتريك الأشياء بعد أن تجري عليها صبغة من لونها البهيم، "وإذا صار الهوى بعض مقدمات الدليل، لم ينتج إلا ما فيه اتباع الهوى"(1).
(1)"موافقات الشاطبي"(ج 4 ص 111) طبع تونس.